مواطنون لهم حرية التعبير | الديمقراطية في العالم

14 أيار/مايو 2008

من صحافة المواطن إلى محتوى الأخبار التي ينتجها مستعملوها

 

بقلم برتراند بكيري ولاري كيلمان

لقد أصبح من الواجب على الصحفيين المحترفين أن يكونوا أكثر تنبهاً لضمان صحة ودقة الأخبار، نظراً للازدياد المستمر في كمية فحوى الأنباء التي يسهم بها مستعملو الإنترنت إلى عالم المعلومات.

برتراند بكيري هو مدير المنتدى العالمي للمحررين القائم في باريس. أما  لاري كيلمان فهو مدير الاتصالات في الجمعية العالمية للصحف المُنتسبة إلى هذا المنتدى. وهناك محررون وناشرون من أكثر من مئة دولة ينتمون إلى هاتين المنظمتين المهنيتين.

حصلت ثورة في حقل الإعلام في 7 تموز/يوليو، 2005، رغم أن الكثيرين لم يدركوا حدوثها في حينها.

 كان ذلك يوم حدوث التفجيرات الإرهابية في قطار الأنفاق في لندن. فقد أغرق مواطنون شاهدوا الحدث الصحف ومحطات الراديو والتلفزيون بأعداد هائلة من الصور والتسجيلات والتقارير التي تصف ما حدث. وسارعت وسائل إعلامية كثيرة إلى استعمال فحوى الأخبار هذه التي أنتجها مستهلكو الأخبار أنفسهم.

ولكن ربما كانت نقطة تحول حتى أكثر أهمية قد وقعت في 11 كانون الأول/ديسمبر 2005، عندما أثار انفجار حصل في مستودع للنفط في بونسفيلد في المملكة المتحدة ردة فعل لم يسبق لها مثيل لدى مواطنين صحفيين أرسلوا الآلاف من الرسائل الإلكترونية والصور ولقطات الفيديو حول هذه الكارثة إلى مواقع الأخبار على الإنترنت قبل أن يتمكن الصحفيون المحترفون من الوصول إلى مكان الانفجار الذي وقع في ساعات الصباح الأولى عل بعد حوالى 43 كيلومتراً عن لندن.

فعلى سبيل المثال، تلقت محطة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أكثر من 6500 رسالة إلكترونية، مُرفقة بلقطات فيديو وصور، حول الانفجار واشتعال حريق مستودع النفط، مقارنة بـ1000  فقط من هذه المواد استلمتها الإذاعة نفسها في أعقاب تفجيرات قطار الأنفاق في لندن. وقد وصلت أولى الصور وأفلام الفيديو بعد دقائق من حصول الانفجار.

أشار بيتر كليفتون، مدير قسم الأخبار المتفاعلة في محطة الإذاعة البريطانية (بي بي سي نيوز انترآكتيف)، إلى تأثير المحتويات التي ينتجها المواطنون، في حديث إلى موقع ميديا غارديان (Media Guardian) الإخباري على الإنترنت، "كانت كثرة وتنوع المواد التي تلقيناها من قرائنا رائعة بكل ما في الكلمة من معنى. فقد تدفقت علينا سيول من أفلام الفيديو  والصور الثابتة والرسائل الإلكترونية منذ لحظة حصول الانفجار، ولعبت دوراً رئيسياً في كيفية تغطيتنا للأحداث المتواصلة أثناء وقوعها."

وقد زار موقع البي بي سي على الإنترنت، يوم حصول الانفجار، حوالي نصف مليون قارئ لمشاهدة الصور وأفلام الفيديو. وهكذا، فإن إعلام المواطن، أو المواطن الصحفي، أصبح جزءاً أساسياً ودائماً في المزيج الإعلامي.

إضفاء الديمقراطية على وسائل الإعلام

يندر اليوم وجود أي مؤسسة من مؤسسات وسائل الإعلام غير منخرطة في عملية التوسع على هذا الطريق الذي يتم التحرك فيه باتجاهين بين المؤسسات الإعلامية ومستخدميها، الذي خلقته وسائل الإعلام الرقمية. وقد أتاح التعدد الهائل في قنوات التوزيع الإلكترونية لكل فرد ألا يفصل بينه وبين إنتاج محتوى الأخبار سوى لوحة مفاتيح الكمبيوتر، وهو وصف يصدق على سكان العالم المتطور ويتزايد انطباقه على سكان العالم النامي أيضاً.

أو، ربما أصبح الأمر كما وصفه رائد صحافة المواطنين، دان غيلمور، إذ قال، "في عالم تسوده كله أدوات الوسائل الإعلامية، وهو ما يكاد يكون عليه وضعنا الآن، سوف يكون هناك في كل مرة شاهد عيان في موقع الحدث."

وقد أدى نمو وسائل الإعلام الرقمية، سنة بعد أخرى، إلى إضفاء الديمقراطية على عمليات نشر الكلام والصور من جميع الأنواع، التي كانت أمراً تحتكره الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون. وعلى سبيل المثال:

خلال الهجوم الهائج الذي قام به طالب مسلح في جامعة فرجينيا تكنولوجيا (فرجينيا تك)، في الولايات المتحدة، كانت محطات البث الرئيسية، وبينها سي إن إن، كثيراً ما تفتح موجاتها الهوائية مباشرة على مدونات الطلاب وغيرها من تقارير شهود العيان على الإنترنت، مولّدة بذلك تغطية إخبارية مباشرة فورية لم تكن مُتاحة مُطلقاً عبر المصادر الأخرى.

تتم دعوة أعداد متزايدة من مدوني الإنترنت للجلوس في مقاعد مخصصة لوسائل الإعلام في النشاطات المتنوعة التي يدعى إليها صحفيون. فمثلاً، شكل المدونون هذا العام نسبة 10 بالمئة تقريباً من قائمة المدعوين من مراسلي وسائل الإعلام إلى أسبوع الأزياء في نيويورك.

بدأت شركة انديمول (Endemol)، مُنتجة السلسلة التلفزيونية الواقعية "الأخ الأكبر" (بيغ براذر)، تنتج يومياً عروض أخبار تلفزيونية يولّدها المستعملون في هولندا. ويقدّم المواطنون الصحفيون لقطات فيديو إخبارية يتم تجميعها لتصبح تقريراً إخبارياً واحداً يعرض على برنامج IK OP TV (أنا على التلفزيون).

في بونه، بالهند، استحدثت مجموعة سكال للصحف نشرة أسبوعية، تحمل اسم "ملحق المواطن"، يكتب القراء جميع موادها. ويقول مساعد رئيس التحرير دين دايال فايدا، "يرغب الناس في قراءة أخبار إيجابية ومواضيع إيجابية. فهم غارقون في مشاكل حياتهم وأزماتهم، ويتوقون إلى ما يبعث فيهم الأمل والشجاعة." وقد نشر هذا الملحق ما كتبه حوالي ألف قارئ معظمهم ممن لم يُنشر له شيء في السابق.

تقوم الصحيفة اليومية الفرنسية النافذة، لوموند، بتزويد المشتركين فيها بمدونات. وتشجع الصحيفة القرّاء، من بين أمور أخرى، على كتابة مذكرات إلكترونية عن أسفارهم ورحلاتهم، يمكن الاطلاع على الأفضل بينها لدى تصفح صفحات السفر المنشورة على موقع الصحيفة على الإنترنت.

في التشيلي، سجلت الجريدة اليومية القومية المصورة، لاس ألتيماس نوتيسياس (آخر الأخبار) زيادة في التوزيع بلغت 30 بالمئة بعد أن بدأ مُحرروها يراقبون نوع القصص الإخبارية التي تُقرأ أكثر من غيرها على موقع صحيفتهم على الإنترنت، ثم استعملوا المعلومات التي حصلوا عليها كأحد العوامل التي تحدد التقارير الإخبارية التي سوف ينشرونها. وعلى الرغم من أن هذا لا يشكل فحوى أنتجها المستعملون، إلا أنه يُظهر تأثير المستعملين المتزايد على الخيارات التحريرية بشأن  المحتوى في وسائل الإعلام.

وكانت فكرة "صحافة المواطن" فكرة طرحها أول ما طرحها دان غيلمور في العام 2003، في كتابه، "نحن وسائل الإعلام: الصحافة الشعبية من الشعب، والى الشعب،" عندما أكد ما أصبح اليوم أمراً معروفا: "لم تعد الأخبار محاضرة، بل أصبحت محادثة". وكان هذا الرأي الذي يجادل به غيلمور، ويشبه فلسفة موسوعة الإنترنت ويكيبيديا، أن "المعرفة والحكمة الجماعية تفوق كثيراً ما يتوفر لأي فرد واحد حول أي موضوع تقريباً."

وخلال هذه الفترة، كانت المشاريع الأهلية التي بدأ إنشاؤها تكتسب زخماً ومصداقية. وأصبح يُقال إن الصحف التقليدية، إن هي أهملتها، فإنها تجازف بتنفير بعض قرائها الثابتين، وجزء كبير من قرائها المستقبليين، منها وتحويلهم عن قراءتها.

بمن نثق؟

لكن في هذه الفترة، يزداد اختفاء مصطلح "صحافة المواطن" ليحل محله المفهوم الأشمل المتمثل بالمحتوى الإخباري الذي يولّده أو ينتجه المستعمل. ولم تعد هناك أي إشارة مرجعية إلى "الصحافة"، وهي مهنة متخصصة تحكمها مجموعة فريدة من القواعد والأخلاقيات، تختلف عن تلك التي يعمل على أساسها المدونون الذين لم يعودوا صحافيين منافسين بل أصبحوا مُنتجين مُكملين للمحتوى الإخباري.

كما أن التعبير الاصطلاحي، "يولّده المستعمل"، يتخطى مفهومي "مجموعة المواطنين" و"الانخراط المدني." فمن الممكن أن ينتج المحتوى كل من المستهلكين والقرّاء والمُعلقين، لكنه يفترض وجود محررين محترفين لتحويل المحتوى إلى "صحافة".

ويُشكِّل هذا الكمّ الهائل من المصادر تحدياً يعود تاريخه إلى بداية عصر الصحافة: تحديد المصدر الذي يمكن الوثوق به. ويقول جورج بروك، رئيس تحرير عدد السبت من صحيفة التايمز اللندنية، إن "السؤال الأكثر أهمية الذي يطرحه دائماً مستهلكو الأخبار والآراء على أنفسهم، هو: هل أثق بهذا المصدر؟ وستنجح بعض المصادر في هذا الاختبار، في حين ستخفق مصادر غيرها. ويجب على المجتمعات المنفتحة، التي ترغب في أن تظل منفتحة، أن تواصل  إجراء ذلك الاختبار". وهكذا فإن ظهور المحتوى الذي يولّده المستعمل إلى حيز الوجود، وهو ثورة ثقافية حقيقية، يحمل في طياته فرصاً وأيضاً مخاطر لا يستهان بها تتطلب يقظة المجتمع.

فمن الناحية الإيجابية، أصبح لدى المواطنين الآن سيطرة أعظم بكثير على كيفية حصولهم على المعلومات وموعد حصولهم عليها. ويمكنهم التفاعل معها والمشاركة فيها، إن هم رغبوا في ذلك.

وتمر صناعة الأخبار حالياً في مرحلة تحول إلى حوار بين مزودي المعلومات ومتلقيها أكثر من كونها مجرد وسيلة لفرض فئة النخبة آراءها ووجهات نظرها.

أما من الناحية السلبية، فقد أوجدت شبكة الإنترنت إمكانيات جديدة هائلة للتلاعب الواسع والخطير أحياناً بالمعلومات، وهو أمر يصعب، إن لم يكن من المستحيل، كبحه.

وسوف تضع هذه الظاهرة مسؤولية ثقيلة متزايدة على كاهل الصحفيين المحترفين لكي يحافظوا على معايير عالية في التحقق من صحة الوقائع والصدق والموضوعية. وينفق المحررون جزءاً كبيراً جداً من وقتهم حالياً في التدقيق في صحة الصور والنصوص التي ينتجها أو يولّدها المستعملون والمصادقة على صحتها، ومن المتوقع أن يزداد الوقت اللازم للقيام بذلك. فما تنشره المدونات والتعليقات الإلكترونية يتطلب إجراء تدقيق منتظم فيه.

وإذا كان من غير الممكن إلزام المدونين باتباع القواعد الأخلاقية الصارمة، فإن هناك قدراً كبيراً من القواعد المنظمة التي يفرضها المجتمع على مستوى "المدونات الاحترافية." وقد قدمت فضيحة هافينغتون بوست، المتعلقة بالممثل الأميركي جورج كلوني في آذار/مارس 2006، صورة عن عمليات التدقيق وتحقيق التوازن المكثفة لدى مجتمع المدونين. فعندما نشر فريق أريانا هافينغتون مقالاً على الإنترنت مُشكّلاً من مزيج مختلط دون أي انتظام مما كان الممثل قد قاله في مقابلات تلفزيونية وادعوا أنها من كتاباته، لم يخف كلوني استياءه. ورغم أن الكاتبة ومؤسسة الموقع أريانا هافينغتون قللت بالأصل من أهمية هذه المسألة، فإنها أجبرت في نهاية المطاف على الاعتذار بسبب الازدراء الغامر الذي أبداه تجاهها مجتمع المدونين.

وسوف نفقد الأسس التي تقوم عليها مجتمعاتنا الديمقراطية نفسها، ومصداقية وسائل الإعلام الوطيدة، إن نحن أصبحنا عاجزين عن التمييز بين المعلومات الصحيحة والكاذبة.

وبالتالي، فإن مسؤوليات مؤسسات وسائل الإعلام ضخمة. وما زال غالبية القراء يفضلون الآن   إلى درجة لا يستهان بها الحصول على المعلومات من المنتجات التقليدية المطبوعة، ويبلغ عدد قراء الصحف اليومية في العالم 1,6 مليون قارئ. وتظهر استفتاءات الرأي العام باستمرار أن مستهلكي الأخبار يميلون بشكل أكبر إلى الوثوق بالأسماء الراسخة المعروفة في حقل الأخبار وإلى النظر بشك أكبر إلى المدونات الإلكترونية والمواد التي ينتجها أو يولّدها المواطنون.

فعلى سبيل المثال، وَجدت دراسة لمستهلكي الأخبار أجرتها الصحيفة الفرنسية 20 دقيقة أن ثلثي الذين أجابوا على أسئلتها يرون أن الأخبار المنشورة في منافذ إخبارية تشاركية على الإنترنت لا يمكن "اعتبارها أخبارا" وأنهم يشكون "بصحة أخبارها."

ومن الضروري زيادة الثقافة الإعلامية لدى الصحافيين بصورة خاصة، ولدى المواطنين بصورة عامة، لمساعدتهم في تقييم أهمية وصدق المعلومات التي يتلقونها.

ونسعى في الجمعية العالمية للصحف (WAN) والمنتدى العالمي للمحررين (WEF)، لإبقاء صناعتنا مطلعة على هذه التطورات ومدركة للكيفية التي ستؤثّر بها على أعمالنا، وعلى المجتمع ككل أيضا.

ونحن ننظم بصورة دورية حملات لتذكير الناس بالمسألة الأساسية التي يدور حولها الأمر  عندما نتحدث عن حرية الإعلام. ولم يكن أحد شعارات حملتنا: "حرية الصحافة هي حرية المواطن". أكثر صحة في أي وقت مضى مما هو عليه اليوم.

الجمعية العالمية للصحف والمنتدى العالمي للمحررين يمثلان ناشرين ومحررين في أكثر من مئة دولة، يعملون لدى 18 ألف منشورة، بينها الآلاف من مواقع الأخبار والمعلومات على الإنترنت والمدونات، مثل editorsweblog.org, sfnblog.org, trends-in-newsrooms.org التي تُشكِّل الآن جزءاً لا يتجزأ من صناعة الأخبار.

الآراء المعبر عنها في هذا المقال لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسات الحكومة الأميركية

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي