الفنون| إعادة تشكيل الأفكار، التعبير عن الهوية

15 كانون الأول/ديسمبر 2008

قناع لنكولن: صور لسر غامض دائم

معرض جديد يكشف عن دور لنكولن التحولي

 
صورة أكبر
التقط ماثيو برادلي هذه الصورة في العام 1860 وتظهر لنكولن بدون لحية في السنة السابقة على وصوله لسدة الرئاسة في الولايات المتحدة.
التقط ماثيو برادلي هذه الصورة في العام 1860 وتظهر لنكولن بدون لحية في السنة السابقة على وصوله لسدة الرئاسة في الولايات المتحدة.

من لورين مونسن، المحررة في موقع أميركا دوت غوف

بداية النص

واشنطن،- اشتهر الرئيس أبراهام لنكولن (1809-1865) على نطاق واسع كواحد من أعظم رؤساء الولايات المتحدة، ولعله أكثر من نال إعجابا كشخصية فذة مؤثرة في التاريخ الأميركي. ويبقى لنكولن، رغم دراسته من أجيال متعاقبة من طلاب المدارس والمتحمسين لدراسة الحرب الأهلية والمؤرخين، لغزا محيرا وأحجية للناس اليوم كما كان لمعاصريه.

فطبيعة لنكولن المحيرة المستعصية على الإدراك، والمزايا التي مكنته من توجيه بلاده وقيادتها في أصعب أزماتها، وهي الحرب الأهلية (1861-1865)، هي المحور المركزي لاهتمام معرض جديد تحت شعار "حياة واحدة: قناع لنكولن" يتم عرضه حاليا في متحف معهد سميثسونيان القومي للوحات والصور. ويعرض المعرض صورا وأدوات نادرة بما فيها قناعان من الحياة (قالبان من الجص لوجه لنكولن يظهران ثلاثة أبعاد لملامح الرجل بما في ذلك الثآليل التي في وجهه وغيرها من الملامح). وتقرّب تلك الأدوات زوار المعرض بتشوق ولهفة من الشخصية المبهمة التي تبدو وكأنها تخيم دائما ولكنها تبقى بعيدة عن المنال.

وبما أنه عاش في وقت كان فيه التصوير الفوتوغرافي قد بدأت بواكير تكنولوجيته، فقد تمتع لنكولن بميزة حرم منها من سبقه من الرؤساء، وهي فرصة نشر صورته في طول البلاد وعرضها، وحتى في تكوين تلك الصورة إلى حد كبير. إذ يوضح أمين معرض "حياة واحدة"، ديفيد وورد، أن لنكولن استوعب بسرعة آثار وأهمية التصوير الفوتوغرافي وأبعاده فتبناه كواسطة جديدة.

فعندما ظهر لنكولن من المجهول وجعل لنفسه اسما بارزا في المحاماة أولا ثم كسياسي في ما بعد، دأب على زيارة استوديوهات المصورين حيث يجلس لالتقاط صوره. وتكشف المطبوعات المصورة المبكرة للنكولن عن شخص "يقدم نفسه كاجتماعي ملتزم وشخصية مسؤولة" يرتدي البذلات الرسمية. ويقول وورد إن الصورة التي أوحى بها لنكولن من خلال تلك الصور لا شك ساعدت على تشكيل انطباع بأنه مرشح جدي بالنسبة لمنصب عال، ويرجع الفضل لإحدى الصور المعروضة في معرض حياة واحدة "بالفعل في جعله رئيسا."

التقدم في طليعة أميركا القرن التاسع عشر 

حياة واحدة: قناع لنكولن، معرض يظهر بجلاء أن لنكولن استطاع أن يتغلب على ماضيه الذي نبع من الفقر باستعمال فطنته وذكائه وشخصيته القيادية المؤثرة وطموحه المتقد. والواقع، كما قال وورد، هو أن أحد صحفيي زمان لنكولن وصفه مستهينا به بقوله "إن آلة طموحه الصغيرة لا تعرف الراحة." ومع ذلك فسرعان ما أدرك أولئك الذين قللوا من شأنه في البداية أن لنكولن كان يمتلك مواهب فائقة.

قال وورد إنه كان على المرء، كي يبرز وينجح في القرن التاسع عشر، أن "يمتلك خصلتين: أن يكون قويا جدا جسديا" الأمر الذي كان أساسيا في بيئة صعبة وعرة "ومرحا مؤانسا بطريقة يكون لها صدى عند رجال مجتمع الحدود." وكان لنكولن بطوله البالغ مترا و93 سنتيمترا (6 أقدام و4 بوصات، أو إنشات) يفرض انطباع المهابة والقوة الجسدية. وكان يفوز باستمرار في مباريات القوة الضارية بالاستعراض بالفأس، وهو ضرب من اللهو والتسلية، قال وورد، إنه كان سائدا في القرن التاسع عشر. وأضاف أنه علاوة على ذلك كان لنكولن "قادرا على رواية القصص والحكايات والنكات" وهي موهبة كانت هامة في الساحة السياسية. ويقول وورد إن قدرة لنكولن على المخالطة الاجتماعية وتمتعه بروح طرافة الإضحاك على نفسه "كانت جزءا مهما من قدرته على جعل الرجال يتبعونه."

صورة أكبر
صورة ألكزاندر الشهيرة في العام 1865
صورة ألكزاندر الشهيرة في العام 1865 "اللوح المشقوق" تصور لنكولن المرهق المهموم قبل شهرين من اغتياله.

وعلى الرغم من أن الانطباعات والتسميات الشعبية للنكولن مثل "إيب الصادق" لم تكن بعيدة عن الدقة، فإن تلك الأوصاف كانت في معظمها من صنع مديري الحملات الانتخابية الأذكياء الذين كانوا يعملون بنفس الطريقة التي يعمل بها العاملون في الحملات السياسية اليوم. فلم يطل الوقت حتى تلاشت الفكرة عن لنكولن بأنه رجل السهول والبراري لكل الرجال ليحل محلها انطباع رجل الدولة، وعززت الصور العديدة الملتقطة له في الاستوديوهات في ستينات القرن التاسع عشر الاعتقاد بلنكولن كرئيس تنفيذي جليل.

وإبان تصاعد الحرب الأهلية، أطلق لنكولن لحيته، والسبب الأرجح هو أنه أراد أن يبدو أشد سلطة وأقوى في وقت "كانت فيه البلاد القلقة تتطلع إلى قيادته." ويقول وورد "إن اللحية ترمز إلى أنه كان على استعداد للمعركة. وهي بالمعنى الحرفي تعبير عن الرجولة." كذلك كان لصور لنكولن الفوتوغرافية مع الجنرالات والجنود في ساحة المعركة تأثير ورسالة أيضا. ويقول وورد إن "تلك الصور تبين أنه كان مشاركا فعلا في إدارة الحرب كقائد أعلى. كما تبيّن السيطرة المدنية على العسكريين. فلنكولن يظهر من خلالها أنه مسيطر."

التحوّل

خلق لنكولن بموالاته لقضية الاتحاد، وهو قوى الشمال التي عارضت الرّق وانشقاق ولايات الجنوب الكونفدرالية، "شعورا لا يلين بمسؤولية الرسالة" ومهمة الحفاظ على الجمهورية. ويقول وورد إن لنكولن، علاوة على ذلك، "كان رجلا مخلصا روحانيا مع أنه لم ينتم إلى أي كنيسة. فقد تصرف طبقا لشعوره بأن تلك إرادة الله، الأمر الذي جعله حرّ التصرف في ما يراه مناسبا."

وكان لضغوط الحرب أن غيرت لنكولن وحولته من سياسي رشيق سريع البديهة إلى واحد من عمالقة التاريخ. ويقول وورد إن لنكولن استعاد الالتزام الذي تأسست عليه البلاد بمبدأ الحرية و"استرد الاعتقاد بأن أميركا مكان لإمكانيات لا تحد. فكان رجلا لا غنى عنه في زمانه."

من بين أهم كنوز معرض "حياة واحدة: قناع لنكولن"، صورة مطبوعة بالفضة الزلالية، تعرف الآن بصورة اللوح الزجاجي المشقوق، والتي أصبحت بمثابة أهم صورة أيقونية للنكولن على الإطلاق. التقط الصورة ألكزاندر غاردنر في العام 1865 وهي تكشف عن لنكولن الرجل المفكر المتأمل الذي بدا عليه التعب والهم واضحين. وتعبر نظرته المباشرة إلى الكاميرا عن مزيج من حزن رثائي وإشفاق عطوف. ويظهر في الصورة شق يبدأ من زاويتها العليا على اليسار وينحدر إلى الوسط وإلى اليمين مارا بقمة رأس لنكولن.

وهذا العيب البارز، الناجم عن شق في اللوح الزجاجي المكسور للصورة نتيجة لإهمال المصور أو مساعده في معاملة اللوح، يجعل منها أبقى صورة في الذاكرة وأكثرها تأثيرا. وعلى الرغم من هذا الأصل العرضي للشق، فإنه يمثل رمزا قويا للأمة المنشقة التي كان لنكولن جاهدا في إعادة لُحمتها. ولعل الانطباع المتشائم الذي يتركه الشق هو الذي ينبئ بمسار رصاصة القاتل التي سلبت لنكولن حياته بعد شهرين.

يقول وورد إن "لنكولن كان دائما واعيا بموته" وعدم ديمومته، إذ توحي الصورة بنوع من القدَريّة. "فهي تكاد تكون صورة شبحية. إذ يبدو لنكولن وكأنه يتلاشى مختفيا في التاريخ وينساب منزلقا بعيدا عنا كلما حاولنا الاقتراب منه." ويشير وورد إلى ?ن "هناك ابتسامة باهتة" أيضا على وجه لنكولن تذكّر بلوحة ليوناردو دافينشي الشهيرة الرائعة مونا ليزا التي تزيد من كثافة جو الغموض. ومما يذكر أن المحافظة على اللوحة كانت مجرد ضربة حظ. فقد كان من الممكن جدا اعتبارها "غير صالحة ورميها" والتخلص منها باعتبار أن الشق يشوهها.

ليس هناك جدل في أن الصورة المشقوقة تحدد صورة شخصية المعرض، وهي التي أكثر ما تعبر عن الشخصية المشابهة لإبي الهول لرئيس الولايات المتحدة الـ16، الشخصية الغامضة التي ما فتئت تأسر خيال المواطنين وتحيرهم بعد نحو 200 سنة من وفاته.

افتتح معرض "حياة واحدة: قناع لنكولن" في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، 2008، ويستمر حتى 5 تموز/يوليو، 2009. يمكن الحصول على مزيد من المعلومات من موقع المتحف القومي للوحات والصور National Portrait Gallery.

نهاية النص

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي