التعليم والدراسة | نحو تحقيق أهداف المستقبل

30 أيار/مايو 2008

إنهم أولادي

 

مقابلة مع إريك وليلا ماركوس

إن الشابة أو الشاب الذي يسافر الى بلد آخر ليعيش ويتعلم ضمن برنامج لتبادل الطلاب سيتذكر  هذه الرحلة، على الأرجح، كتجربة عمر لا تتكرر. أما بالنسبة لبعض الأشخاص الآخرين فإن  تبادل الطلاب تجربة تتكرر باستمرار. وهؤلاء الأشخاص هم العائلات المضيفة التي التزمت   بالانخراط لفترة طويلة في برامج تبادل الطلاب التي ترعاها منظمات غير حكومية. وهي عائلات تفتح أبوابها سنة تلو السنة للترحيب بشباب من بلدان أخرى في منازلها. مجلة "إي جورنال يو إس إيه"، عثرت على إحدى هذه العائلات في بيفركريك، بولاية أوهايو: إريك وليلا ماركوس يستضيفان طلاباً ضمن برنامج تبادل الشباب الدولي، التابع لمنظمة نوادي الروتاري غير الحكومية التي لا تبغي الربح. وهو برنامج يطبق في 82 بلداً ويشمل 8000 طالب تقريباً في كل عام. ويقوم هذا البرنامج باستقطاب نوادي الروتاري المحلية وأعضائها ليستضيفوا الطلاب الزوار، يدعمهم في ذلك الكثير من العائلات في المجتمع المحلي. وقد بدأ إريك وليلا ماركوس المساهمة في البرنامج عام 1998 عندما انتقل أكبر أولادهم الثلاثة للدراسة في الجامعة. ومنذ ذلك الحين عاش ثمانية طلاب من سبعة بلدان مختلفة مع عائلة ماركوس فترات زمنية تراوحت بين عدة أسابيع وسنة كاملة. تحدث إريك وليلا حول تجربة عائلة مضيفة مع مديرة تحرير المجلة الالكترونية، "إي جورنال يو إس إيه"، شارلين بورتر. 

سؤال: كيف تصفان الوضع عندما يصل تلميذ تبادل جديد إلى منزلكما؟.

إريك:  أقول دوما للعائلات التي قد تستضيف طالباً ما، كما أقول ذات الشيء للطلاب أنفسهم، إن أي عائلة تحتاج إلى 15 أو 16 سنة لكي تعتاد على الطريقة التي يتصرف بها أبناؤها. وأقول إن الأولاد يحتاجون للفترة الزمنية نفسها ليتعلموا كيف يتصرف أهلهم. لكن طالب برنامج التبادل لا يملك  سوى حوالي 15 أو 16 دقيقة لسبر غور هذا التصرف، عندما يدخل منزل أناس جدد لأول مرة. وهكذا، فإن الأمر مجهد دوماًً لكلا الطرفين لأن الطلبة، ببساطة، لا يعرفون كيف تجري الحياة في العائلة الجديدة: ما هو الصحيح؟ وما هو الخطأ؟ ما هو المقبول؟ وما هو غير المقبول؟.. ولهذا السبب فإن الجميع يصطدمون دوماً بحدود ما هو مسموح به وما هو ممنوع.

ولكن، في بعض الأحيان، تنتظم الأمور بسلاسة تامة منذ اللحظة الأولى. فقد زارتنا صبية من الأرجنتين قبل حوالى عامين وكانت مدهشة تماماً. ما أن دخلت بيتنا حتى كانت وكأنها وُلدت هنا.

ليلا: ستبقى "محفوظة" في قلوبنا. وقد علمناها هذا التعبير بالأميركية فعشقته تماما، حتى أنها غيّرت اسمها المستعار على شاشة الإنترنت إلى "محفوظة."

إريك: كانت وكأنها من أولادنا وأمضت طوال حياتها معنا. وأصبحت هي وزوجتي صديقتين حميمتين جداً! وقامتا بإنشاء ما سمتاه "تيكي بار" كمقصف في شرفتنا الخارجية، لأن الوقت كان صيفاً. وعلقتا الكثير من المصابيح الزيتية والأنوار الكهربائية، وكانتا تجلسان في الشرفة تحتسيان  المشروبات الممزوجة غير الكحولية والمزينة بشمسيات صغيرة ملوّنة.

س: كيف أثرت تجربة العائلة المضيفة عليكما أنتما بالذات؟ كيف تغيرت نظرتكما إلى العالم؟

اريك: أولا، أصبح لدي اليوم أولاد في سبعة بلدان مختلفة، فهم مثل أبنائي، يرسلون إلي رسائل إلكترونية، ويرسلون الكثير من الرسائل الإلكترونية إلى زوجتي.

ليلا: ليسوا مثل أولادي. إنهم أولادي. إنهم أولادي ويدعونني "ماما" وأنا أحبهم. يدخلون بهجة الحياة إلى البيت. إننا نتقدم في السن، رغم أننا لم نبلغ الشيخوخة. ولكننا نتقدم في السن وسيخلو البيت من الأولاد قريبا، وهذا أمر محزن. فقد بنينا هذا المنزل الجميل لعائلة كبيرة ومن الممتع جداً أن تبقى فيه كل هذه الحيوية، حيوية هؤلاء الشبان، وتجاربهم في الحياة.

من الممتع أن نراقبهم يرتكبون أخطاءهم بأنفسهم، وحتى تلك الأخطاء الكبيرة والسيئة. لأن عليهم  أن يتعلموا بأنفسهم، ومن الجيد أن أكون موجودة عندما يحتاجون إلى حضن أم يشكون همهم إليه، أو إلى شخص يرفع من معنوياتهم، ينتشلهم ويوجههم نحو الطريق الصحيح.

مثلا، عندما يؤلمهم الحنين إلى الوطن. وهذه مسألة ذات شأن كبير بالنسبة لهؤلاء الطلاب. إنهم يتألمون إلى حد كبير بسبب الشوق إلى ديارهم. ولا أمانع في أن يتحدثوا مع عائلاتهم وأصدقائهم ويحافظوا على التواصل معهم ومتابعة أخبارهم، لكن عليهم ألا يستمروا في ذلك 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع. عليهم أن يصرفوا الذهن عن ذلك ويتحرروا بعض الشيء من هذه الروابط فيكسروا الطوق ويصبحوا راشدين مستقلين.

إريك: إن الأمر الآخر الذي يسعدني جداً هو أن هؤلاء الشبان يميلون لعدم قول: "لا". أمّا بالنسبة للمراهقين الأميركيين فإذا أردت منهم أن يشاركوا بنشاط مع الأم والأب، يجيبون بما معناه: "أف...نخرج مع ماما وبابا؟" أما الطلاب الزوار، فعندما تقول لهم: "أترغب في الذهاب معي إلى البقٌال؟" يكون الجواب: "من كل بدّ"! هل ترغب في الذهاب للتسوق في وول مارت؟ يكون الجواب: "رائع، بالتأكيد!" هل ترغب في الذهاب معي إلى مباراة بيسبول؟: "طبعاً". هل تود المجيء معنا لزيارة أصدقائنا؟ "بالطبع". إنهم دوماً على استعداد لارتداء معاطفهم والخروج معنا. يمكنك أن تجرّهم إلى أي مكان تريد لأنهم لا يشعرون بالخجل من ظهورهم مع عائلاتهم المضيفة. وهذا يختلف عن الحال القائم مع أولادنا. فأولادنا يشعرون بالحرج إن شاهدهم أقرانهم معنا.

وطلبة برامج التبادل يتملكهم الفضول حول كل شيء. ربما كانوا في ديارهم يتصرفون تماماً مثل المراهقين هنا، لكن لأنهم موجودون هنا فإنهم يقبلون القيام بأشياء قد لا يقومون بها في أوطانهم. ولأننا لسنا والديهم فهم لا ينظرون إلينا على أننا كذلك. ولكن في النهاية، عندما يحين موعد السفر، نكون ماما وبابا. ولكل طالب من الطلبة المشاركين في برنامج الروتاري لتبادل الشباب، أمان أو ثلاث أمهات وأبان أو ثلاثة آباء عادة. لكن المهم هو أنهم يدعوننا ماما وبابا، وهذه ناحية تسعدنا كثيراً.

سؤال:  من أي نواحٍ أخرى تجدون أنهم يختلفون أو يتشابهون مع المراهقين الأميركيين؟.

ليلا: لهجتهم مختلفة، لغتهم مختلفة، ولكنني أعتقد أنهم تماماً مثلنا. فهم يبكون مثلنا، يتألمون كثيرا مثلنا. إنهم مجرد أولاد أحداث، ويقعون في نفس الأخطاء التي يقع فيها أولادنا.

إريك:  يفعلون نفس الأشياء الغبية التي يفعلها مراهقونا.

ليلا: إلا أنهم أكثر حذراً إلى حدّ ما.

إريك: إنهم لا يقومون بواجباتهم المدرسية أحياناً، أو يقومون بأشياء لا يجب أن يقوموا بها، ويقعون في المشاكل أحيانا، تماماً مثل شبابنا. من هذه الناحية، المراهقون مراهقون في كل مكان لا يختلفون عن بعضهم بعضا. تجدهم مشكّلين من نفس القالب. الفارق الوحيد أنهم من بلد آخر، ولديهم لهجة مختلفة وثقافة مختلفة.

لكن من الممتع أيضا التعرف على ثقافاتهم المختلفة. فقد عاشت معنا طالبة من تايلاندا، لم تبق معنا سوى أسبوعين قبل أن تنتقل إلى عائلة أخرى. وقد ذهبنا سوية إلى بقالة شرقية آسيوية، فكانت في غاية الحماس لشراء كل تلك المأكولات التايلاندية. وأخذناها كلها إلى المنزل حيث قامت بتحضير عشاء تايلاندي كان مأدبة عامرة، وكان الطعام لذيذاً جداً.

ليلا: كان ذلك مدهشاً.

إريك: وهكذا، فإنك تتذوق القليل من بلادهم، وتسمع عن بلادهم، وتتعلم عنهم بنفس القدر الذي يتعلمون هم عنك.

بعضهم لا يتقن الإنجليزية ولا يتكلمها بطلاقة في البداية. نساعدهم في تعلم الإنكليزية، وعندما نستمع إليهم في نهاية زيارتهم، نجد أن لهجتهم أصبحت كأنهم من الولايات المتحدة.

سؤال: إنكما ترحّبان بهؤلاء الشباب في منزلكما بصورة شخصية وخاصة جدا، لكن هل تعتبران أنكما تؤديان دوراً في التفاهم الدولي؟

ليلا: نعم، بالطبع

إريك: إنني نشط جداً في منظمة الروتاري، وأحضر المؤتمرات. وقد قال رئيس منظمة (نوادي) الروتاري قبل عامين إنه في حال أصبح كل شاب عمره 17 عاماً في العالم طالباً تبادلياً، فلن تقع أي حروب، لأن الشباب سيتمكنون من زيارة البلدان الأخرى والتعرف على أحوال تلك البلدان وماهيتها بأنفسهم فيصبحون بذلك من مواطنين عالميين حقيقيين، ولن يرغبوا في شن حروب على الدول الأخرى. إنني أعتقد أن هذه حقيقة بديهية. إنني مقتنع بذلك فعلا.

سؤال: وما هو موقف الجيران وأهل الحي والمجتمع المحلي؟ ففي بيفر كريك، بأوهايو، تقدمان طلابكما الزائرين إلى الأصدقاء والجيران الذين تلتقيان بهم في متاجر البقالة مثلا. هل تعتقدان أنكما تساعدان مجتمعكما بذلك في التعرف أكثر على البلدان الأخرى من خلال هؤلاء الشباب؟

ليلا: أعتقد ذلك. أظن أن الجميع يقعون في حب هؤلاء الطلاب بنفس القدر الذي نحبهم نحن فيه. فالطلاب لا يتوقفون عن الكلام عن تجاربهم أثناء وجودهم معنا. والناس هنا يقعون في حبهم كما أنهم يساعدونهم أيضا. وفي المدرسة، شبابنا يتقبلونهم جدا، إنهم يندمجون معهم تماماً وكأنهم منهم.

إريك: أعتقد أن ذلك هو المكان الذي يحصل فيه الاندماج على أوثق شكل، أي مع طلاب المدرسة الثانوية. فطلابنا الزوار يصبحون جزأً من الصفوف الدراسية في المدرسة. والجميع في المدرسة يعرف من هم هؤلاء الشباب. ويتيح ذلك لهم لقاء أناس من بلاد أخرى ويتعرفون بذلك على تلك البلاد.

وأروع ما في برنامج الروتاري لتبادل الشباب هو أننا نرسل الشباب الأميركيين أيضاً في عملية تبادل مع هؤلاء الزوار. فكل طالب يأتي إلى الولايات المتحدة يقابله طالب أميركي يتوجه إلى بلاده. إن البرنامج تبادلي حقاً يعمل على أساس تلميذ مقابل تلميذ. 

 

الآراء المعبر عنها في هذه المقابلة لا تعكس بالضرورة رأي الحكومة الأميركية أو سياساتها.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي