الصحة العالمية | التصدي لتحديات الصحة العالمية

06 أيار/مايو 2008

القضاء على شلل الأطفال إلى الأبد

 

شارلين بورتر

في مجمل تاريخ الطب لم يتم القضاء التام إلاّ على مرض واحد كنتيجة لجهود البشر. فقد تمّ الاستئصال الكامل لمرض الجدري المميت والمشوه، والذي كان يسبب البلاء للإنسانية، في العام 1980. وما جعل هذا الإنجاز ممكناً كان تطوير لقاح ضده.

ومنذ العام 1988، جرى إطلاق حملة ثانية لتخليص العالم من مرض قاتل غيره، ومرة اخرى كانت خشبة الخلاص إنتاج لقاح يستطيع اجتثاث فيروس كان يسبب قدراً هائلاً من الشقاء للبشر. شارلين بورتر هي مديرة تحرير المجلات الإلكترونية في موضوع "قضايا عالمية."

تجمع المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال (GPEI) سوية شبكة واسعة من الخبرات، والموارد، والمتطوعين الذين يشنون حملة عالمية للقضاء على فيروس مميت، ويستطيع أن يشل تماماً حركة طفل أو مراهق صغير السن خلال ساعات، ويؤدي، في نهاية المطاف، إلى وفاة المصاب أو إصابته بإعاقة مدى الحياة. تُعتبر هذه المبادرة العالمية أوسع مبادرة للصحة العامة عرفها العالم حتى اليوم.

كان النجاح الذي حققته هذه الحملة، التي انطلقت قبل 18 سنة، ثابتاً. كان مرض شلل الأطفال (أو البوليو) يظهر في 125 بلداً حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي، أمّا اليوم فلم يعد الفيروس مستوطناً، أي متكاثراً في الطبيعة، إلاّ في أربع دول فقط. فقبل عشرين عاما كان شلل الأطفال يصيب حوالي 350 ألف فرد، في كل سنة عبر سائر أنحاء العالم. وفي تاريخ إرسال هذه المقالة للطباعة لم يكن قد تمّ الإبلاغ عن حصول سوى 1985 حالة من حالات شلل الأطفال خلال سائر العام 2006.

إن مجموع الحالات المرضية المسجلة خلال العام 2006 يعكس التقدم الواسع منذ ثمانينات القرن الفائت، ولكنه يؤكد أيضاً أهمية الجهود المبذولة لاستئصال هذا المرض. فقد جاء عدد الحالات المرضية في العام 2006 أعلى من العدد الإجمالي السنوي للإصابات التي حصلت في السنوات المبكرة من هذا العقد، عندما تمّ الإبلاغ عن حصول اقل من 800 حالة مرضية سنوياً.

وهناك اليوم حاجة لإطلاق جهود دؤوبة على يد عشرات الآلاف من العاملين الصحيين، والمتطوعين، والقرويين وأهل المصابين الراغبين في التأكد من حصول كل طفل على الجرعات المتعددة اللازمة من اللقاح لمنع الإصابة بالمرض، وهذا يعني حرفياً كل طفل، كما يشمل الأطفال الذين سوف يولدون غداً، وفي الشهر القادم، وفي السنة القادمة، وفي السنة التي تليها.

إن ضمان الحماية لكل طفل، وفي كل مكان، هو هدف كثيراً ما يجري السعي وراءه وبنفس الدقة والتخطيط اللازمين لأي حملة سياسية أو عسكرية.

الأيام القومية للمناعة (NIDs) هي كناية عن أحداث تقام في دول لا زالت مهددة بخطر انتشار شلل الأطفال. يحشد اختصاصيون في الصحة العامة، وآلاف المتطوعين أكداساً هائلة من التجهيزات والموارد، وينقلونها إلى كل زاوية معزولة في بلادهم، لضمان ابتلاع كل الصغار دون سن الخامسة القطرات القليلة من سائل يستطيع أن يحميهم من الإصابة بهذا المرض المُسبب للشلل. في العام 2005، تم تلقيح 400 مليون طفل في 49 بلداً خلال الأيام القومية للمناعة التي لم تستمر سوى لأيام معدودة.

قال ديباك كابور، رئيس اللجنة القومية لمبادرة "بوليو بلاس" في منظمة الروتاري الدولية في الهند، "أنه التزام هائل، هائل، هائل". منظمة الروتاري هي منظمة دولية للخدمة لا تبغي الربح، وكانت أول من تصوّر احتمال وجود عالم خالٍ من شلل الأطفال. ومنذ العام 1985 عملت المنظمة كشريك مع منظمات دولية للصحة العامة، وزودت الطاقات والتعهدات المقدمة من أعضائها البالغ عددهم 1.2 مليون فرد حول العالم.

قال الدكتور كانوالجيت سينغ، وهو طبيب مسؤول يعمل في المشروع القومي الهندي لرصد شلل الأطفال، كما شارك في أحداث الأيام القومية للمناعة لمدة تزيد عن عشر سنوات، "يأتي الملقّحون، وهم في غالبيتهم مفعمون بالأمل والتصميم"، وأضاف قائلاً، "ويكون الجو العام حول أكشاك التحصين (التي تقام في أماكن عامة) احتفالياً ومرحاً، فترفع فيه الرايات والأعلام الملونة، ويتميز الحدث بنشاط وصخب الأطفال الذين يلعبون، ويأتون بأشقائهم وشقيقاتهم الأصغر سناً معهم من أجل تلقيحهم".

وإذا لم يتم إحضار الأطفال إلى أكشاك التلقيح في الحدائق العامة والأسواق، تنطلق فرق التلقيح في عملية مسح من بيت إلى بيت، بحثاً عن كل طفل لتلقيحه. قال كابور، "انها تجربة مثيرة للغاية لكنها قد تكون مثبطة في نفس الوقت". وأردف يقول: "أحياناً يقابلونك بالترحاب ويعبرون عن سرورهم لأنك تحملت المشاق واجتزت مسافات بعيدة من اجل الوصول إليهم، فيشكرونك لأنك أتيت لتحصين أطفالهم". إلاّ أن كابور واجه أيضاً آباء وأمهات لا يرحبون بفرق المناعة، فيخبئون أطفالهم لمنع تلقيحهم خوفاً من أن يُلحق ذلك الأذى بصغارهم.

وكانت هذه المخاوف، التي لا أساس لها، قد زُرعت في العديد من الأماكن. ولكن عندما حصلت حادثة من هذا القبيل في نيجيريا في العام 2003، فإنها أحدثت تراجعاً في الجهد العالمي لاستئصال شلل الأطفال.

تذكّر بوسو اونابولو، نائب رئيس اللجنة القومية لحملة "بوليو بلاس"، التابعة لمنظمة الروتاري الدولية في نيجيريا، فقال، "في قرى معينة، سمعوا من قادتهم بأن التلقيح سوف يؤثر على أطفالهم."

انتقل الفيروس بسرعة في صفوف السكان المعرضين للخطر الذين تجنبوا التلقيح. ولذلك، في العام 2004، تضاعف العدد الإجمالي لحالات الإصابة بشلل الأطفال في نيجيريا، وفي 12 دولة اخرى كانت قد أعلنت في السابق أنها خالية من شلل الأطفال، وواجهت إعادة ظهور المرض، الذي ارتبط وراثياً بسلالة فيروسية كانت قد تُركت تعيش بحرية في نيجيريا.

أدّت مفاوضات ومناقشات ذات شأن إلى تهدئة المخاوف حول اللقاح، كما قال اونابولو، وفي آب/أغسطس 2004 سُمح باستئناف حملات التلقيح الواسعة التي لا تزال تجري على نحو دوري حتى يومنا الحاضر. لكن معركة نيجيريا ضد شلل الأطفال انتهت في العام 2006، مسجلة ما يزيد عن ألف حالة مرضية، أي حوالي 40 ضعف عدد الحالات المسجلة في العام 2000.

قال اوناوبولو، "نندفع قُدماً ببطء، ونعتقد بأن القضاء التام على شلل الأطفال أصبح في متناول اليد في هذه البلاد، فلا يمكننا ان نترك جهود هذه السنوات تضيع هدراً، وهل نستطيع ذلك حقاً؟"

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي