انتخابات سنة 2008 | دليل الانتخابات الأميركية للعام 2008

09 ايلول/سبتمبر 2008

دور الأحزاب السياسية

حزبان رئيسيان يهيمنان على السلطتين التنفيذية والتشريعية الأميركيتين

 
ناخبون في ولاية نيوهامشير يستمعون إلى الطامح بالفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة جون إدواردز
ناخبون في ولاية نيوهامشير يستمعون إلى الطامح بالفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة جون إدواردز. (جيم كول/©AP Images)

(المقال التالي مقتطف من المطبوعة الالكترونية الخاصة الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية بعنوان: الانتخابات الأميركية بإيجاز).

عندما وضع مؤسسو الجمهورية الأميركية وأقروا الدستور الأميركي في العام1787، لم يتصورا دورا للأحزاب السياسية. بل إنهم سعوا من خلال ترتيبات دستورية متنوعة، كفصل السلطات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعن طريق الفدرالية، والانتخابات غير المباشرة للرئيس من قبل الهيئة الانتخابية (أنظر أدناه)، لعزل الجمهورية الجديدة عن الأحزاب والفئات السياسية.

ولكن رغم نوايا الآباء المؤسسين فقد أصبحت الولايات المتحدة في العام 1800 أول دولة تطور أحزابا سياسية ناشئة تنظم على الصعيد القومي لتحقيق نقل السلطة التنفيذية من فئة إلى أخرى عن طريق الانتخاب. وارتبط تطور وتوسع الأحزاب السياسية الذي أعقب ذلك عن قرب بتوسيع حقوق الانتخاب. وخلال الأيام الأولى للجمهورية، لم يسمح للتصويت إلا للذكور من أصحاب الممتلكات، إلا أن هذا التقييد بدأ بالانحسار في أوائل القرن التاسع عشر نتيجة للهجرة، ونمو المدن، وغيرها من القوى ذات النزعة الديمقراطية، كالتوسع نحو الغرب الأميركي. وتوسع حق التصويت على مر العقود بحيث شمل أعدادا أكبر من السكان الراشدين، مع التخلص من القيود المتعلقة بملكية الممتلكات، والعرق والجنس. ومع اتساع جمهور الناخبين، تطورت الأحزاب السياسية لتجنيد العدد المتزايد للناخبين كوسيلة للسيطرة السياسية. وأصبحت الأحزاب السياسية مؤسسات لإنجاز هذه المهمة الأساسية. وهكذا ظهرت الأحزاب في أميركا كجزء من التوسع الديمقراطي، وبدءا بثلاثينات القرن التاسع عشر، أصبحت قوية وراسخة الوجود.

ويهيمن على العملية السياسية في هذه الأيام الحزبان الجمهوري والديمقراطي، وهما وريثان لأحزاب سابقة من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ومع استثناءات نادرة، يسيطر هذان الحزبان الرئيسيان على الرئاسة والكونغرس وحكام الولايات والمجالس التشريعية في الولايات. فعلى سبيل المثال، كان كل رئيس منذ العام 1852 إما جمهوريا أو ديمقراطيا، وتقاسم الحزبان الرئيسيان في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى قرابة 95 بالمئة من الأصوات الشعبية للرئيس في المعدل. ونادرا ما تنتخب أي من الولايات الخمسين حاكما لا ينتمي إلى الحزب الديمقراطي أو الجمهوري. ويقتصر عدد أعضاء الكونغرس أو المجالس التشريعية في الولايات من المستقلين أو المنسبين لحزب ثالث على عدد قليل جدا.   

وقد صنفت أعداد متزايدة من الناخبين الفرديين أنفسهم كـ "مستقلين" خلال العقود الأخيرة، ويسمح لهم بالتسجيل للتصويت بصفتهم هذه في ولايات عديدة. ولكن، مع ذلك، فإن استطلاعات الرأي العام تشير إلى أنه حتى الأشخاص الذين يقولون إنهم مستقلون يتمتعون عادة بميول حزبية نحو حزب أو آخر.

ويمكن إيجاد استثناء لهذه القاعدة العامة على المستوى المحلي، خاصة في المدن الصغيرة والبلدات، حيث قد لا يلزم المرشحون بإعلان أي انتساب حزبي، أو قد يخوضون الانتخابات كجزء من قائمة مرشحين يشاطرونهم الآراء السياسية نفسها تحت شعار مبادرة محلية معينة، كإعادة تنمية منطقة وسط المدينة أو بناء المدارس.

ومع أن الحزبين الرئيسيين ينظمان ويهيمنان على الحكومة على المستوى القومي ومستوى الولايات والمستوى المحلي، فهما يميلان إلى أن يكونا أقل تماسكا عقائديا ومن حيث البرامج من الأحزاب في ديمقراطيات عديدة أخرى. وقد نجمت عن قدرة الحزبين السياسيين على التكيف مع التطور السياسي في البلاد هيمنة براغماتية على العملية السياسية.

لماذا نظام الحزبين؟

كما أشرنا آنفا، فإن الجمهوريين والديمقراطيين هيمنا على السياسة الحزبية منذ ستينات القرن التاسع عشر. وهذا السجل الذي لا نظير له لاحتكار نفس الحزبين باستمرار للسياسة الانتخابية في دولة ما، يعكس النواحي الهيكلية للنظام السياسي الأميركي بالإضافة إلى الأوجه الخاصة للحزبين.

والترتيب النموذجي لانتخاب مجالس تشريعية قومية أو تابعة للولايات في الولايات المتحدة هو نظام دائرة "العضو الواحد"، حيث يفوز بالانتخابات المرشح الذي يحصل على أغلبية نسبية من الأصوات (أي أكبر عدد من الأصوات في أي دائرة انتخابية معينة). ومع أن ولايات قليلة تتطلب أغلبية الأصوات للانتخاب، فإن معظم أصحاب المناصب المنتخبة يمكن أن ينتخبوا بأغلبية بسيطة.

وخلافا للأنظمة النسبية الشائعة في العديد من الديمقراطيات الأخرى، فإن ترتيب دائرة العضو الواحد يتيح لحزب واحد فقط أن يفوز في أي دائرة معينة. وهكذا فإن نظام العضو الواحد يخلق حوافز لتشكيل أحزاب قومية واسعة القاعدة تتمتع بمهارات إدارية كافية، وموارد مالية، وتجاوب شعبي للفوز بغالبيات دوائر تشريعية في سائر أنحاء البلاد. وفي ظل هذا النظام، يكون مرشحو الأقليات والأحزاب الثالثة في مواقف غير مواتية. وتميل الأحزاب التي تملك حدا أدنى من الموارد المالية والتأييد الشعبي إلى عدم الفوز بأي تمثيل على الإطلاق. وهكذا، فإن من الصعب حصول أحزاب جديدة على درجة حاسمة من التمثيل النسبي، وتحقيق نفوذ قومي، بالنظر لقاعدة "من يفوز، يفوز بكل شيء" للنظام الانتخابي الأميركي، ولكن، لماذا حزبان بدلا من ثلاثة أحزاب قومية ممولة جيدا؟ سبب ذلك، جزئيا، هو أن الحزبين يقدمان للناخبين، من وجهة نظرهما، خيارا كافيا، وجزئيا، لأن الأميركيين نفروا تاريخيا من التطرف السياسي، وجزئيا لأن الحزبين منفتحان على الأفكار الجديدة (أنظر أدناه).

الهيئة الانتخابية

هناك زخم إضافي نحو حل الحزبين، وهو نظام الهيئة الانتخابية لاختيار الرؤساء. وطبقا لنظام الهيئة الانتخابية، فإن الأميركيين من الناحية العملية لا يصوتون مباشرة للرئيس ولنائب الرئيس. بل هم يصوتون ضمن كل ولاية لمجموعة "أعضاء في الهيئة الانتخابية" ملتزمين لمرشح رئاسي أو لآخر. ويتطابق عدد أعضاء الهيئة الانتخابية مع عدد مندوبي الولاية في الكونغرس، أي عدد النواب والشيوخ من تلك الولاية. ويتطلب الانتخاب للرئاسة أغلبية مطلقة لأصوات أعضاء الهيئة الانتخابية البالغ عددهم 538 عضوا للولايات الخمسين. (هذا الرقم يشتمل على ثلاثة أصوات أعضاء هيئة انتخابية من العاصمة واشنطن أو مقاطعة كولومبيا، التي ليست ولاية والتي ليس لها تمثيل يتمتع بالتصويت في الكونغرس).

ويجعل متطلب الأغلبية المطلقة من الصعوبة بمكان لمرشح حزب ثالث أن يفوز بالرئاسة لأن أصوات الهيئة الانتخابية للولايات الفردية موزعة طبقا لترتيب حصول الفائز على جميع الأصوات (باستثنائين)، أي أن أي مرشح يحصل على أغلبية الأصوات الشعبية في ولاية ما – حتى لو كانت مجرد أغلبية بسيطة – يفوز بجميع أصوات الهيئة الانتخابية للولاية. إلا أن الفائز بالأصوات الشعبية في ولايتي مين ونبراسكا يمنح صوتين في الهيئة الانتخابية ويمنح الفائز في كل مقاطعة مقسمة وفقا للتمثيل في الكونغرس صوتا واحدا في الهيئة الانتخابية. وكما هو الحال بالنسبة لنظام دوائر العضو الواحد فإن الهيئة الانتخابية تعمل بشكل غير موات للأحزاب الثالثة، التي ليس أمامها فرصة تذكر للفوز بأصوات الهيئة الانتخابية لأي ولاية، ناهيك عن الفوز بعدد كاف من الولايات لانتخاب رئيس.

ووضع الآباء المؤسسون نظام الهيئة الانتخابية كجزء من خطتهم لتقاسم السلطة بين الولايات والحكومة القومية. وطبقا لنظام الهيئة الانتخابية، فإن التصويت الشعبي للرئيس في سائر أنحاء البلاد ليس له أهمية في النهاية. ونتيجة لذلك فإن من الممكن أن تؤدي أصوات الهيئة الانتخابية التي تمنح على أساس الانتخابات في الولايات إلى نتيجة مختلفة عن التصويت الشعبي في سائر أنحاء البلاد. وفي الواقع أن الولايات المتحدة شهدت 17 انتخابات رئاسة لم يحصل فيها الفائز على أغلبية الأصوات الشعبية التي تم الإدلاء بها. وكان أول هؤلاء جون كوينسي آدامز في انتخابات العام 1824، وكان أحدثها جورج دبليو. بوش في العام 2000. ويعتبر بعض الناس نظام الهيئة الانتخابية أثرا عفا عليه الزمن، فيما يفضله مراقبون آخرون لأنه يقتضي من مرشحي الرئاسة التنافس على الانتخاب في ولايات عديدة، بدلا من حصر ذلك بالولايات ذات الكثافة السكانية.

عوائق أخرى للأحزاب الثالثة

الهيئة الانتخابية لولاية نبراسكا مجتمعة في كانون الأول/ديسمبر، 2004، في لنكولن للإدلاء بأصواتها الخمسة للرئيس
الهيئة الانتخابية لولاية نبراسكا مجتمعة في كانون الأول/ديسمبر، 2004، في لنكولن للإدلاء بأصواتها الخمسة للرئيس. (ناتي هارنيك/©AP Images)

بالنظر لميل النظام لإيجاد حزبين قوميين على مر الزمن، ومع سيطرة الديمقراطيين والجمهوريين الحالية على الآلية الحكومية، فليس من الغريب أنهما أوجدا قواعد انتخابية أخرى تعمل لصالحهما. فعلى سبيل المثال، فإن تأهيل حزب جديد لأوراق الاقتراع في ولاية ما يمكن أن يكون مهمة شاقة ومكلفة، وكثيرا ما تتطلب عرائض تحمل عشرات الآلاف من التواقيع والقدرة على جذب نسبة "نقطة بداية" كافية من الأصوات في الانتخابات اللاحقة للبقاء على أوراق الاقتراع.

وتعد عملية الترشيح المميزة في أميركا عائقا هيكليا إضافيا للأحزاب الثالثة. والولايات المتحدة فريدة، بين ديمقراطيات العالم، في اعتمادها المهيمن على الانتخابات التمهيدية لترشيح مرشحين حزبيين لمناصب الرئاسة والكونغرس والولايات. وكما أشير آنفا، فإن الناخبين العاديين في الانتخابات التمهيدية، طبقا لهذا النوع من نظام الترشيح، يختارون مرشح الحزب للانتخابات العامة. وفي معظم الدول تتحكم منظمات وزعماء الحزب بالترشيحات الحزبية، إلا أن من المعتاد في الولايات المتحدة أن يتخذ الناخبون القرار النهائي المتعلق باختيار المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين.

ومع أن هذا النظام يؤدي إلى تنظيمات حزبية داخلية أضعف مما هو الحال في معظم الديمقراطيات الأخرى، فإن عملية الترشيح التشاركية هذه أسهمت في هيمنة الجمهوريين والديمقراطيين على السياسة الانتخابية. وبالفوز بترشيحات الحزبين عن طريق الانتخابات التمهيدية، فإن بوسع المرشحين المنشقين أو الإصلاحيين العمل ضمن الحزبين للوصول إلى الاقتراع في الانتخابات العامة، وبالتالي تعزيز فرصهم في تحقيق الفوز في الانتخابات العامة من دون الحاجة إلى تنظيم أحزاب ثالثة. وهكذا فإن عملية الترشيح في الانتخابات التمهيدية تميل إلى توجيه الانشقاق داخل الحزبين الرئيسيين وتجعل من غير الضروري، بصورة عامة، للمنشقين الانخراط في العمل الصعب المتمثل في تشكيل حزب ثالث. كما أن الأحزاب ومرشحيها يميلون إلى تكييف إستراتيجيتهم الانتخابية لاختيار رسالة مرشحي الأحزاب الثالثة والمرشحين المستقلين الذين يظهرون جاذبية واسعة.

الدعم واسع النطاق

يسعى كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي للحصول على دعم واسع النطاق، ويميلان إلى جذب الناخبين من مختلف الطبقات الاقتصادية والفئات الديمغرافية. وباستثناء الناخبين الأميركيين الأفارقة واليهود، الذين تصوت أغلبيتهم الواسعة عادة لمرشح الرئاسة الديمقراطي،  فإن كلا الحزبين يحصلان على مستويات دعم كبيرة من كل مجموعة اجتماعية اقتصادية رئيسية في المجتمع. كما أن الحزبين يظهران مرونة فيما يتعلق بالمواقف السياسية ولا يتمسكان بصورة عامة بشكل مشدد بإيديولوجية معينة أو مجموعة أهداف سياسية. بل إنهما أظهرا تقليديا اهتماما بالمقام الأول بالفوز بالانتخابات والسيطرة على السلطات الانتخابية للحكومة.

وبالنظر للقواعد الاجتماعية الواسعة للتأييد الانتخابي للأحزاب الأميركية وللحاجة إلى العمل ضمن مجتمع يتمسك بموقف معتدل من الناحية الإيديولوجية، فقد تبنت هذه الأحزاب مواقف سياسية معتدلة بشكل أساسي. وكما أشير آنفا، فهي تظهر أيضا مستوى عاليا من المرونة السياسية. وتمكّن هذه المقاربة غير العقائدية الجمهوريين والديمقراطيين من احتواء تنوع كبير في صفوفها، كما أسهمت في قدرتها على استيعاب أحزاب ثالثة وحركات الاحتجاج عندما حدثت. وبصورة عامة يعتبر الجمهوريون الحزب المحافظ في البلاد – بتأكيد أكبر على حقوق الملكية والجمع الخاص للثروة، كما يعتبر الديمقراطيون أكثر اتجاها نحو اليسار، حيث يفضلون السياسات الاجتماعية والاقتصادية المتحررة. ولكن كلا الحزبين يميلان إلى البراغماتية في الممارسة عند تولي السلطة.

الهياكل اللامركزية للأحزاب

بالإضافة إلى كون الحزبين الأميركيين الرئيسيين مرنين من الناحية الإيديولوجية، فهما معروفان بهيكلهما اللامركزي. وحين يتولى الرئيس منصبه فهو لا يستطيع الافتراض بأن أعضاء حزبه في الكونغرس سيكونون مؤيدين موالين لمبادراته المفضلة، كما لا يمكن لزعماء الحزب في الكونغرس أن يتوقعوا تصويتا مباشرا حسب الانتساب الحزبي من أعضاء حزبهم. والاجتماعات الانتخابية للديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس (يتألف ذلك من المشرّعين الذين يشغلون مناصبهم) مستقلة، وقد تتبع سياسات معارضة للرئيس، حتى لو كان الرئيس من الحزب نفسه. كما أن عملية جمع التبرعات الحزبية للانتخابات منفصلة، حيث أن لجان الحملات الجمهورية والديمقراطية لمجلسي النواب والشيوخ تعمل بصورة مستقلة عن لجان الحزب القومية التي تميل في توجهها نحو انتخابات الرئاسة. يضاف إلى ذلك أنه باستثناء فرض السلطة على الإجراءات المتعلقة باختيار المندوبين لمؤتمرات الترشيحات الحزبية، فإن منظمات الحزب القومية نادرا ما تتدخل في شؤون الحزب في الولايات.

يعكس هذا التفكك التنظيمي نتائج نظام فصل السلطات الدستوري – تقسيم السلطة بين سلطات الحكومة التشريعية والتنفيذية والقضائية، على المستوى الفدرالي ومستوى الولايات. وقد لا يخلق نظام تقسيم السلطة سوى حوافز محدودة لوحدة الحزب بين المشرعين وبين الرئيس التنفيذي لحزبهم. وينطبق ذلك بشكل عام سواء كنا نتحدث عن أعضاء الكونغرس مقابل رئيس حزبهم، أو علاقة مماثلة بين المشرعين في الولاية وحاكم الولاية.

ويقدم النظام متعدد الطبقات للحكومة الفدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية في الولايات المتحدة زخما إضافيا للامركزية الأحزاب عن طريق إيجاد آلاف الدوائر الانتخابية لأصحاب المناصب المنتخبة على المستوى الفدرالي ومستوى الولايات والمستوى المحلي. وكما أشير آنفا، فإن استخدام الانتخابات التمهيدية لترشيح المرشحين يضعف أيضا التنظيمات الحزبية بحرمانها من قدرة السيطرة على اختيار مرشحي الحزب. لذا فإن المرشحين الفرديين يشجعون على بناء منظمات حملاتهم الشخصية وأتباعهم الناخبين، للفوز أولا بالانتخابات التمهيدية ثم بالانتخابات العامة.

القلق العام

رغم الدليل القديم والمؤثر للحزبية المنظمة ضمن النظام السياسي الأميركي، فإن أحد العناصر المتأصلة في الثقافة المدنية الأميركية هو عدم الثقة المتزايدة بالأحزاب السياسية. ولعل تبني ونمو نظام الانتخابات التمهيدية لترشيح المرشحين لانتخابات الكونغرس والولايات دليل على وجود مشاعر شعبية، أو حتى معادية للأحزاب بين الجمهور. وينظر الأميركيون المعاصرون نظرة شك نحو زعماء أحزابهم السياسية  الذين يمارسون السلطة على حكومتهم. وتظهر استطلاعات الرأي العام على الدوام أن نسبا كبيرة من الشعب تعتقد بأن الأحزاب تقوم أحيانا بقدر أكبر من تشويش القضايا بدلا من توضيحها – وبأن من الأفضل عدم وجود شارات حزبية على أوراق الاقتراع.

لذا يتعين على الأحزاب أن تواجه مشكلة عدد كبير من الناخبين الذين يعلقون أهمية متناقصة على الانتساب الحزبي، ومن المؤشرات على ذلك مدى حدوث تقسيم الأصوات بين الحزبين. فعلى سبيل المثال، قد يصوت الناخب لمرشح حزبه للرئيس ولمرشح حزب آخر في دائرته للكونغرس. وهكذا، وفي عصر الحكومة المقسمة (أي سيطرة الرئيس المنتمي لحزب معين على البيت الأبيض وسيطرة الحزب الآخر الكونغرس)، يجد الرؤساء أنفسهم في كثير من الأحيان وهم يحاولون الحكم من دون أغلبية في أحد مجلسي الكونغرس أو في كليهما.

وقد أصبحت السيطرة على الأحزاب المقسمة في سلطتي الحكومة التنفيذية والتشريعية صفة مميزة مألوفة بالنسبة للحكومة القومية والحكومات في الولايات الخمسين. ويعتقد بعض المراقبين بأن الناخبين يفضلون حتى هذا الترتيب، لأنه يميل إلى إفشال المبادرات الحكومية الرئيسية التي قد تكون مصدرا لإزعاج الناخبين.

مرشحو الأحزاب الثالثة والمرشحون المستقلون

لقد كان مرشحو الأحزاب الثالثة والمرشحون المستقلون، رغم العقبات التي تم بحثها آنفا، صفة مميزة متعاقبة للسياسة الأميركية. وقد أثاروا في كثير من الأحيان مشاكل تواجه المجتمع فشلت الأحزاب الرئيسية في طرحها في صدر الخطاب العام – ثم في الأجنده الحكومية. إلا أن معظم الأحزاب الثالثة مالت للازدهار في انتخاب واحد ثم اختفت أو تلاشت أو تم استيعابها في أحد الحزبين الرئيسيين. ومنذ خمسينات القرن التاسع عشر، ظهر حزب جديد واحد هو الحزب الجمهوري وتحوّل إلى حزب رئيسي. وفي ذلك المثال، كانت هناك قضية أخلاقية ملحة هي الرق، وهي قضية قسمت الأمة. ووفر ذلك أساسا لتجنيد المرشحين وتعبئة الناخبين.

وهناك أدلة على أن من الممكن أن يكون للأحزاب الثالثة أثر كبير على نتائج الانتخابات. فعلى سبيل المثال، أدى ترشيح الحزب الثالث لثيودور روزفلت في العام 1912 إلى تقسيم أصوات الجمهوريين العادية، ومكن انتخاب وودرو ولسون الديمقراطي بأقل من أغلبية الأصوات الشعبية. وفي العام 1992 جذب ترشيح المستقل إتش. روس بيرو الناخبين الذين كانوا يصوتون أساسا للمرشحين الجمهوريين في ثمانينات القرن الماضي، مما أسهم في هزيمة الرئيس الجمهوري آنذاك جورج إتش بوش. وفي السباق المتقارب جدا في العام 2000 بين الجمهوري جورج دبليو. بوش والديمقراطي آل غور، كان من الممكن فوز غور بأصوات الهيئة الانتخابية للولايات ثم بالرئاسة لو أن مرشح حزب الخضر رالف نادر لم يكن على بطاقة الاقتراع في ولاية فلوريدا.

وقد أظهرت استطلاعات الرأي العام منذ تسعينات القرن الماضي على الدوام مستوى عاليا من الدعم الشعبي لمفهوم الحزب الثالث. وأظهر استطلاع لمؤسسة غالوب قبل انتخابات العام 2000 أن 67 بالمئة من الأميركيين يفضلون وجود حزب ثالث قوي  يقدم مرشحين لمنصب الرئيس وللكونغرس وللمناصب المنتخبة في الولايات ضد المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين. ومثل هذه الميول، إضافة إلى الإنفاق السخي على الحملات الانتخابية، هي التي مكّنت الملياردير من ولاية تكساس روس بيرو من الحصول على 19 بالمئة من الأصوات الشعبية لانتخاب الرئيس في العام 1992، وهي أعلى نسبة يحققها مرشح عن حزب غير رئيسي منذ فوز ثيودور روزفلت (الحزب التقدمي) بسبعة وعشرين بالمئة من الأصوات في العام 1912.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي