الحكومة الأميركية | توازن ثابت بين المؤسسات

01 كانون الثاني/يناير 2009

للسجل

 

بقلم تيري غود

"تدخل حاملاً لا شيء وتخرج حاملاً لا شيء". هذا هو الإرشاد البسيط الذي يُقدّم إلى موظفي البيت الأبيض لدى مغادرتهم بحيث يشرح لهم أن قانون السجلات الرئاسية للعام 1978 نصَّ على مُلكية الحكومة لجميع سجلات البيت الأبيض. وقد عُهد إلى مكتب إدارة السجلات مسؤولية الإشراف على نقل هذه السجلات إلى دائرة الأرشيف القومي، ومن ثم إلى مكتبة الرئيس.

 

لقد تمّ نقل تيري غود من دائرة الأرشيف القومي إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، 1969، لكي ينضم إلى فريق عُهد إليه الإعداد لإنشاء مكتبة الرئيس ريتشارد إم نيكسون. وعقب استقالة الرئيس نيكسون، إلتحق تيري بمكتب إدارة السجلات في البيت الأبيض، وفي تشرين الأول/أكتوبر، 1988، أصبح مديراً لهذه الإدارة وبقي يشغل هذا المركز حتى تقاعده في تموز/يوليو، 2004. يعيش تيري وزوجته إيفلين حالياً في أوهايو.

20 كانون الثاني/يناير، الساعة 11:55 صباحاً.

الحمد الله! وأخيراً، لقد أنجزنا العمل. عملية انتقال أخرى. عملية تفريغ ضخمة أخرى لمجمع البيت الأبيض. إفراغ من الناس، من الورق، من السجلات الإلكترونية. وكل ذلك قبل الساعة الثانية عشرة ظهراً.

تهاويت على أريكة في مكتبي منهكاً ونعساً، بعد أن أمضيت طوال الليل في المكتب، لم أحظَ خلاله سوى بغفوة قصيرة من وقت لآخر، حيث كنت أواصل المسح النهائي لمجمع البيت الأبيض (الجناح الغربي، الجناح الشرقي، مبنى أيزنهاور للمكاتب التنفيذية، المبنى الجديد للمكاتب التنفيذية، وعدة مرافق أخرى). كنت أبحث عن تلك الملفات وتلك الوثائق التي من المحتّم أن يكون قد جرى إغفالها بطريقة ما، عند إفراغ المكاتب. ثم أدرت جهاز التلفزيون لمشاهدة احتفالات يوم التنصيب في الكابيتول هيل وأنا ارشف كوباً من القهوة الباردة وأنهي تناول كعكة دونات بائتة.

ولكني لا أستطيع الاستراحة لفترة طويلة. عليَّ أن أقوم بجولة مسح أخرى في الجناح الغربي. فمن المنتظر خلال خمس دقائق أن تدخل البوابات طليعة حرس الإدارة الرئاسية الجديدة.

لم يكن قد أنجز سوى نصف العمل. فقد ودعت أعضاء الإدارة الراحلة، أشخاصاً أصبحت أعرفهم جيداً، احترمهم، وأحبهم. أربع او ثماني سنوات تبدو وكأنها وقت قصير عند العودة بالذاكرة إلى الماضي. ولكن لا يتوفر لنا الآن الكثير من الوقت للاستغراق في الذكريات. فقد باتت المرحلة التالية من عملية الانتقال على وشك ان تبدأ. يجب أن أكون مستعداً للترحيب بالقادمين الجدد بابتسامة، وان أعرض عليهم المساعدة بأكبر قدر ممكن من التفاني والحماس اللذين أظهرتهما إلى من سبقوهم، بغض النظر عن السياسات الحزبية.

وسوف أفعل ذلك، وسوف يفعل ذلك أيضاً الموظفون العاملون معي في مكتب إدارة السجلات لأننا جزء من هيئة موظفي البيت الأبيض الذين يظلون محتفظين بوظائفهم من إدارة إلى أخرى. فنحن من الموظفين "المهنيين" غير الحزبيين في البيت الأبيض الذين يخدمون "المنصب وليس الرجل."

خلال تلك اللحظات القليلة كنت أفكر بما هو مخبأ للإدارة القادمة ولمكتبي بالذات. فاستغليت هذه الفرصة لاستعراض صور سريعة عبر دورة الحياة للسنوات الأربع أو الثماني المقبلة.

لديك بريد!

بغضون بضعة أيام سوف تهبط كتلة هائلة من الرسائل على القادمين الجدد. ستكون تلك الرسائل بمثابة الموجة الأولى. وسوف تكتسحهم. نعم، لقد انذروا مسبقاً، لكن سيظل ذلك يُشكِّل صدمة لهم. فهناك عدد مذهل من صناديق الرسائل الواردة من عامة الناس قد تراكمت خلال الأسابيع التي تلت يوم الانتخاب. سوف يتوجب وضع طاولات في أروقة مبنى أيزنهاور للمكاتب التنفيذية المجاور للبيت الأبيض. وسوف يكتشفون، مع مرور الوقت، ان قراءة 200 رسالة في اليوم تُشكِّل رقماً متوسطاً تقريباً. سوف يضعون رمزاً على كل رسالة لاتخاذ الإجراء المناسب بصددها لاحقاً: الإجابة، أو الإحالة إلى وكالة للاهتمام بها، أو في بعض الأحيان، عدم القيام بأي شيء بشأنها. ولكن سوف يستمر ورود ذلك الكمّ الهائل من الرسائل طوال فترة الإدارة الجديدة.

من المدهش حقاً أن تكون مهمة معالجة هذه الرسائل غير خالية من المرح والخفة. فالشعب الأميركي يتحلى بقدرٍ من الإبداع يتجاوز التصديق. وهناك طرق ووسائل لا يمكن تصورها تقريباً استعملت، وسوف تستعمل، للاتصال بالرؤساء: علب من الصفيح، قطع من الخشب، والكوسى الأخضر، وجوز الهند كلها توفر أمثلة عن المجموعة الشديدة التنوّع من الخيارات المستخدمة.

سنكون نحن العاملون في مكتب إدارة السجلات مستعدين لتقديم مشورتنا حول كيفية التعامل مع هذا البريد. سوف يكون ذلك أول اختبار لنا، وأول فرصة تتوفر لنا للقيام بذلك. يجب أن نكون قادرين على إقناع الإدارة الجديدة بعدم لزوم الاحتفاظ بالغالبية العظمى من هذه الرسائل لأكثر من عدة أشهر، بعد قراءتها ومعالجتها. فإذا نجحنا في إقناعهم بأنه من الممكن الاستغناء عن هذه الرسائل، لن نستطيع مجرد تقليص مساحة التخزين وحسب بل وأيضاً التخفيف من التحديات اللوجستية التي تنتظرنا عندما نواجه من جديد قدرنا المرعب الأعظم، المتمثل في الانتقال التالي. نعم، فالتخطيط للانتقال يبدأ في وقت مبكر.

لحسن الحظ، لن يستمر فيضان الرسائل الإلكترونية، الذي كان كاسحاً في البداية، في خلق الأزمة التي نشأت في الماضي عندما كانت هذه التكنولوجيا الجديدة لا زالت تنضج. سوف تكون كمية الرسائل مذهلة ولكن معالجتها ستتم بشكل روتيني إلى حدٍ ما. سوف تصل الموجة التالية قريباً مع أنها لن تكون بهذا الكمّ الكبير. سوف تبدأ أجهزة الهاتف بالرنين في مكتب إدارة السجلات لطلب ملفات حول الأشخاص الذين أرسلوا رسائل أو للحصول على خلفيات حول السياسات الحكومية التي أصبحت تتعامل معها الإدارة الجديدة الآن. سوف تكون إجابتنا هي نفسها دائماً، باعثة على الدهشة ومخيبة للآمال: ودائماً ملفاتنا فارغة. كافة المعلومات، الأوراق، والسجلات الإلكترونية لم تعد موجودة. عليك أن تبدأ من نقطة الصفر. تستطيع أن تساعدك الوكالات العاملة في الفرع التنفيذي للحكومة، فهي تتحمل مسؤوليات البرامج ولديها المعرفة بذلك. وهكذا، سوف تتمكن الإدارة الجديدة ضمن وقت قصير من ترسيخ أقدامها وثمّ تبدأ عجلة الحكم بالدوران وتحقيق السرعة المطلوبة خلال فترة قصيرة.

وسوف تبدأ موجة جديدة بالتكوَّن عبر مجمل مجمع البيت الأبيض خلال الأسابيع التالية. فمهمات ومسؤوليات هيئة الموظفين ستحتاج إلى كميات كبيرة من المعلومات، وفي كل مكتب سوف تتدفق الأوراق، والوثائق، والكتب بكميات أكبر بكثير مما شهدته غالبية الموظفين على الإطلاق في السابق. سوف يكون الدفق قاسٍ وكاسح من حيث جسامته. سوف يحاولون في بادئ الأمر التأقلم مع هذا الدفق بطلب المزيد من خزائن الملفات والرفوف. وخلال أسابيع ستختفي كافة الفسحات الفارغة المتوفرة داخل كل غرفة مكتب. والأسوأ من ذلك، ان الأوراق والوثائق والكتب  ستتراكم وتتكدس في خزائن الملفات، وعلى الرفوف، وعلى المكاتب، والكراسي، والطاولات، والأرائك وأخيراً على الأرض. وفي حالات نادرة، ستتراكم الأوراق إلى درجة لن تبقى فيها سوى ممرات ضيقة بين الأبواب وطاولات المكاتب، وربما إلى الحد الذي لن يحصل فيه تنظيم وترتيب غرف المكاتب، سوى نتيجة التهديد بقرب زيارة مدير دائرة الإطفاء، كما حصل في إحدى المرات.

التحدي التنظيمي

بحلول هذا الوقت، سوف يغمر بعض الموظفين الإداريين الشعور بالإحباط. سوف يكون العديد منهم غير مستعد لمواجهة هذا التحدي المروع، ولن يكون لسوى القليل منهم تجربة سابقة في مكتب منشغل ومثقل بالأعمال إلى هذه الدرجة، وبحاجة إلى هذه الدرجة من الاستجابات السريعة التي تُشكِّل جزءاً لا يتجزأ من مكتب في البيت الأبيض. أمّا تعيين موظفين إضافيين فلن يكون خياراً مطروحاً. فخشية الإدارة الجديدة من الانتقاد بأن عدد موظفي البيت الأبيض أصبح "منتفخاً"، يحتم عليها الاكتفاء بعدد ضئيل من الموظفين يساعدهم جزئياً متطوعون مقيمون. ولن يكون هذا أمراً سهلاً.

ولن يفاجئ ذلك مكتب إدارة السجلات. فقد كان تحدي تنظيم المعلومات، مهما كان شكلها، مسألة ذات أولوية متدنية مبدئياً في كل إدارة. فنادراً ما كان القادمون الجدد يتوقعون إلى حدٍ كافٍ الطبيعة الحرجة لهذا العنصر من العمل الحكومي أو جسامته. وللضرورة، على الموظفين أن يركزوا اهتمامهم على الأحداث العالمية والقومية التي تُقزّم المهمات الروتينية، مثل أين يجب أن توضع الوثائق. فالتاريخ سوف يعيد نفسه.

مكتب إدارة السجلات، أي المكتب الذي لم يعلموا حتى بوجوده، يصبح بسرعة بمثابة مصادفة سعيدة لهم. سوف يتمكن مدراء السجلات في مكتب إدارة السجلات من البدء بإجراء بعض التخفيف من تراكم الأوراق ضمن المكاتب. وفي بعض الحالات، سوف تشمل الاقتراحات ترتيبات الاحتفاظ بها في الملفات، وفي مرات عديدة ستحل المسألة من خلال تشجيع الموظفين بإجراء جردة لتلك المواد التي لن تستعمل فوراً وتعبئتها في صناديق. يمكن بعد ذلك نقل هذه الصناديق ووضعها تحت رعاية مكتب إدارة السجلات حيث يتم تصويرها وإدخالها في قاعدة بيانات مكتب إدارة السجلات. ثم ترقم الصناديق وتحفظ على الرفوف، بحيث تكون جاهزة خلال ساعة في حال تطلب الأمر استعادة أي صندوق منها. ومع أن مكتب إدارة السجلات لا يذكر ذلك، لكنها بالفعل قطعة أخرى من المرحلة الأولى لعملية "إنهاء عمل الإدارة الحالية"، والإعداد لخروج هذه الإدارة عند نهاية أربع او ثماني سنوات. سوف تكون الملفات التي جرى جردها وتعبئتها في صناديق جاهزة للنقل إلى دائرة الأرشيف والسجلات القومية عند انتهاء فترة الإدارة الحالية. لن يُشكِّل نقل صندوق واحد في كل مرة الكثير من التحدي على مدى أربع أو ثماني سنوات، لكن عدد هذه الصناديق سوف يتراكم ليصل إلى ما لا يقل عن 12 ألف صندوق عند نهاية أربع سنوات والى ما لا يقل عن 20 ألف على مدى ثماني سنوات.

وبنفس الأهمية، وربما بأهمية أكبر، فإن مكتب إدارة السجلات ينظر إلى هذا العمل على انه يُشكِّل المرحلة الأولى من كتابة تاريخ هذه الإدارة. فالوثائق هي الشهود: إنها تتكلم. والوثائق المنظمة تخبر قصصاً. وإلى المدى الذي يستطيع فيه مكتب إدارة السجلات إقناع الموظفين بإنشاء ملفات منظمة والاحتفاظ بها، إلى ذلك المدى يمكن فهم تاريخ الإدارة بشكل أفضل، وكتابته بشكل أفضل، والإخبار عنه بشكل أفضل، أولاً من قبل الرئيس عند كتابة مذكراته، ولاحقاً من قبل المؤرخين وغيرهم عند محاولتهم التأكيد على أحداث وسياسات مختارة وتفسيرها.

وهكذا، ومع مرور الوقت، سوف تنتشر سمعة مكتب إدارة السجلات، إمّا لأن مكاتب هيئة الموظفين سوف تشعر بأنها أُنقذت في كفاحها لتجنب الغرق في وسط الرمال المتحركة المتعاظمة من الورق، أو لان مكتب إدارة السجلات سوف يتمكن في الواقع من الاستجابة بسرعة إلى طلباتها للحصول على المعلومات، أو لإعادة ملفاتها المعبأة في الصناديق أو الموجودة في الملفات المخزونة.

الدوران دورة كاملة

مع مرور الأسابيع، والأشهر، والسنين، ومع تقدم الإدارة في العمر ونضوجها، سوف تنمو علاقة مكتب إدارة السجلات مع هيئة الموظفين السياسيين تبعاً لذلك. المعارف يتحولون بصورة محتومة إلى أصدقاء، وحالات الرحيل، أكان خلال او عند نهاية فترة الإدارة، تصبح مناسبات للحزن الحقيقي. ورغم أن التشبيه التالي مبالغ فيه قليلاً، فمن الممكن أن نجد شيئاً من التشابه بين تجربة البيت الأبيض وبين السفر على ظهر سفينة تحاول الإبحار عبر مياه غادرة. وجنباً إلى جنب، سوف يجذف كل واحد قاربه بالتساوي كي تجتاز "سفينة الدولة" بأمان منحدرات المياه التي لا تحصى، والقنوات غير المرسومة على أي خريطة، والتيارات الجارفة للوصول إلى الميناء. سوف تنتقل الاختلافات بين الموظفين السياسيين والمهنيين إلى الخلفية وثم ستتطور بينهم روابط من الصداقة.

ومع دخول الإدارة سنتها الأخيرة، يبدأ مكتب إدارة السجلات، بهدوء وبنعومة بادئ الأمر، بالإشارة بصورة متكررة اكثر إلى فائدة وضرورة ان يقوم الموظفون بجرد وتعبئة الملفات في مكاتبهم في الصناديق. سوف يدرك معظم الموظفين هذا الأمر ويسعون بوعي إلى "تنظيم شؤون مكاتبهم"، من أجل الأجيال القادمة، من أجل رئيسهم، كما من أجلهم هم.

لن يكون الوضع على هذه الدرجة من الهدوء في حال خسر الرئيس الحالي في إعادة انتخابه. سوف يتعاظم كل شيء خلال أسابيع معدودة ابتداءً من الأسبوع الأول في تشرين الثاني/نوفمبر وحتى 20 كانون الثاني/يناير. سوف يتحول مجمع البيت الأبيض إلى جنازة هائلة تعاني عبر حالة من اليقظة الطويلة.

لحسن الحظ، عندما تنطلق عملية الانتقال، فإنها سوف تتبع مساراً سبق المرور فيه مرات عديدة. سوف تصدر إرشادات إلى الموظفين للاستمرار في تنفيذ مسؤولياتهم وهم يستعدون للمغادرة. فهناك تفهم مشترك بأن مجمع البيت الأبيض، كمكان لسكن الرئيس، يعود إلى الشعب الأميركي، ولذلك يجب القيام بكل ما هو ممكن لضمان تركه كما يترك الضيف منزل مضيفه، في حالة جيدة، وربما بحالة افضل مما كان عليه. و سوف يكون هذا الموقف هو السائد في معظم الحالات.

أما بالنسبة للسجلات، فسوف تصدر أيضاً بصددها إرشادات ومواعيد نهائية لتسليمها. سوف يتلقى مكتب إدارة السجلات الضوء الأخضر لمسح كافة المكاتب داخل مجمع البيت الأبيض للتأكد من عدد الصناديق التي يجب توزيعها على الموظفين لتعبئة الملفات المتبقية.

ثمّ يبدأ رحيل الموظفين، وهذا سيثير مسألة أخرى، أي مسألة ملكية الملفات.

من المحتم أن يكون بعض أفراد هيئة الموظفين قد اصبحوا يعتقدون بأن ملفات مكتبهم هي ملفاتهم الشخصية. قبل صدور قانون السجلات الرئاسية عام 1978، كانت هذه الأوراق وكافة الأوراق الأخرى داخل البيت الأبيض، تعتبر تاريخياً ملكاً للرئيس، الذي تترك له حرية التصرّف بها. لكن هذا الأمر توقف الآن. فقد نص القانون على ملكية الحكومة للسجلات. وباستثناء بعض السجلات "السياسية"، لا يحق لا للرئيس ولا للموظفين ان يطالبوا بها أكانت أصلية او نسخاً. لا يمكن لهذه الأوراق أن تغادر البيت الأبيض ألا لكي تنقل إلى دائرة الأرشيف القومي. بالتالي، إلى مكتبة الرئيس. وبسبب كونه يقف في الخطوط الأمامية لهذه المسألة، فإن مكتب إدارة السجلات يكافح لتفسير هذا القانون مدركاً من خلال التجربة انه سوف يتلقى قبولاً فاتراً في معظم الأحيان. وفي العديد من أحيان سيكفي تقديم إرشاد بسيط: "تدخل حاملاً لا شيء وتخرج حاملاً لا شيء".

وتيرة العمل تتسارع

لكن مسألة الملكية هذه لا تماثل في الأهمية المسألة الأهم المتمثلة بتعبئة السجلات في الصناديق ونقلها إلى خارج المجمع. من المفهوم أن هذه المهمة تُشكِّل المرحلة الأهم. بعد وقت قصير من الانتخابات، تصل دائرة الأرشيف القومي ووزارة الدفاع للمساعدة في هذه العملية. تتسارع وتيرة العمل لتصل إلى أوجها مع انقضاء أسابيع شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر.

تبدأ الاتصالات الهاتفية لإبلاغ مكتب إدارة السجلات بأن الصناديق التي تمّ تسجيل محتوياتها أصبحت جاهزة للاستلام. وتنظم مناطق للتجميع من أجل تكديس الصناديق على منصات نقالة، وربطها وتغليفها في النهاية بغطاء بلاستيكي يُعرف بالغلاف الانكماشي. ثم تنقل رافعات شوكية هذه الصناديق إلى عربات نصف مقطورة تقف على طريق خاصة تمتد بين الجناح الغربي ومبنى أيزنهاور للمكاتب التنفيذية. وبعد أن تملأ هذه العربات تنقل الصناديق إلى مواقع بعيدة عن المجمع. العمليات اللوجستية تكون مضنية. ولسوء الحظ، فإن الملفات التي تنقل من المجمع لن يكون محظوراً الوصول اليها. تبقى هناك ملفات ناشطة في حال احتاج اليها الموظفون. وهكذا، سوف تُشكِّل عملية استعادة أي صندوق معين جهداً مرعباً. ولكن هذا الأمر سوف يحصل. نعم، وسوف يكون الصندوق المطلوب في أسفل منصة التكديس النقالة وفي الزاوية الأبعد من منطقة التجميع.

سوف تتخذ هذه المهمة شكلاً من أشكال الدراما المثيرة المرعبة بطرق أخرى أيضاً. قاعدة البيانات الإلكترونية، التي تكون قد أصبحت عند ذاك بمثابة تراكم هائل من المعلومات، يتوجب تنزيلها إلى الكمبيوتر، واستنساخها، ونقلها، ككل شيء آخر، إلى رعاية دائرة الأرشيف  القومي. تكون العملية كالعادة متشابكة إلى أقصى درجة. يعمل اختصاصيو الكمبيوتر في دائرة الأرشيف القومي لمدة أسابيع مع نظرائهم في البيت الأبيض لتسهيل تنفيذ هذه المهمة العملاقة. وبعد استنساخ قاعدة البيانات، تتبعها سلسلة من الاختبارات، تبدو وكأنها بلا نهاية، للتأكد المطلق ان كل "بيت وبايت" في جميع البيانات قد تمّ استنساخها ويمكن استعادتها، لانه إذا فشلت قاعدة البيانات المستنسخة في عملها فقد يعني ذلك تحطم قلوب كثيرة وخسارة وظائف عديدة. وأمّا إعادة استحداثها فسوف يؤدي إلى عجز موازنات عديدة. هذا، إذا كان الاستحداث ممكناً على الإطلاق؟ وهكذا لن يبقى هناك أي هامش للخطأ. وسوف تقام الاحتفالات عند انتهاء آخر اختبار والتأكد من أن النتائج تتوافق بالكامل مع النتائج التي تعطيها قاعدة البيانات الأصلية. عندئذٍ، وفقط عندئذ، يستطيع مركز الكمبيوتر في البيت الأبيض أن يبدأ أخيراً في نقل جميع هذه البيانات والبدء بالإعداد لدعم الإدارة السياسية الجديدة.

ولكن حتى هذا القرار وتوقيته يحتاج إلى تفكير متأنٍ نظراً لوجود تشعبات خطيرة في حال تم قطع هذا الحبل السري. نعم، من تلك النقطة، وحتى انتهاء فترة الإدارة الجديدة، سوف تتمكن قاعدة البيانات المستنسخة من أن تلبي احتياجات مكتب إدارة السجلات لجهة تزويد معلومات إلى البيت الأبيض. هذا لو كان ذلك هو الشيء الوحيد المتوجب أخذه في عين الاعتبار.

ولكن، لسوء الحظ، هناك وجه آخر لتلك العملية. إذ لن يتمكن بعد الآن مكتب إدارة السجلات من إدخال البيانات لا في قاعدة البيانات القديمة ولا في الجديدة. سوف يكون السجل المحفوظ في الكمبيوتر لهذه الإدارة قد انتهى وأغلق. بعد تنفيذ ذلك العمل سوف تتغير طبيعة السجلات على الكمبيوتر لهذه الإدارة وسوف تصبح مجرد قاعدة بيانات أرشيفية. من ناحية معينة، سوف يموت الجسد في غياب الحبل السري. وهكذا، فإن توقيت هذه العملية الجراحية سيشكل بالنسبة لمكتب إدارة السجلات صراعاً عنيفاً بين رغبتها في التهيؤ للعمل لصالح الإدارة الجديدة ورغبتها في إدخال أكبر كمية من البيانات حول الإدارة السابقة. ولن يكون القرار بين الرغبتين سهلاً.

في هذا الوقت، سوف يحوم عامل آخر فوق أرض الملعب، ويؤدي إلى إلقاء نظرات قلقة على مقياس درجة الحرارة وعلى السماء. فأمنا الطبيعة قد تعبس أو تبتسم لهذا الجهد الذي سوف يحصل بين تشرين الثاني/نوفمبر وشباط/فبراير. وفي أحسن الحالات، يأمل المرء في الحصول على درجات حرارة فوق الصفر. سوف يكون المطر والثلج والجليد ضيوفاً غير مرحب بهم: فإذا ترافقوا مع طقس بارد ودرجة حرارة تحت الصفر، فإنهم سوف يصبحون عبئاً أسوأ بكثير، ويحدثون الفوضى خلال تحرك وتوقيف الشاحنات نصف المقطورة والرافعات الشوكية. وتصبح ساعات الطقس الجيد وأيامه سلعاً ثمينة فعلاً.

لن يتوقف الأمر عند هذا الحد. يلوح فوق كل هذا الأفق القلق من أن يأتي يوم 19 كانون الثاني/يناير ولا تزال المواد في مختلف مراحل نقلها داخل أقسام من مجمع البيت الأبيض. وقد حصل هذا الأمر فعلاً. ففي العادة، لن يتحرك أي شيء في صبيحة يوم 20 كانون الثاني/يناير: لا الشاحنات، ولا الصناديق. مجرد عدد محدود جداً من الموظفين قد يدخلون إلى المجمع. سوف يدخل كل شيء في مرحلة "الاقفال" والاستعداد لاستعراض يوم التنصيب الرئاسي في جادة بنسلفانيا. ومن لم يكن قد غادر مجمع البيت الأبيض سوف يحتجز ببساطة حتى اليوم التالي. وبقدر ما يتعقد هذا الأمر، سوف يتفهمه كل فرد ويقبل الوضع. ففي نهاية المطاف، هناك أولويات. والواقع، ان الأمر لا يكون وكأنه لن يتم أبداً إدخال أية وثائق لم تجمع حتى هذه النقطة إلى المكتبة الرئاسية. فبعد انقضاء أسابيع وأشهر على تسلّم الإدارة الجديدة مهامها، سوف تظهر من الخزانات، ومن خزائن الملفات المحفوظة، وطاولات المكاتب الشاغرة ملفات أُغفل أمرها. وعند الإبلاغ عنها، سوف يقوم مكتب إدارة السجلات بنقل هذه الملفات إلى دائرة الأرشيف القومي لإيداعها في المكتبة الرئاسية المناسبة.

الترحيب والوداع

الساعة تشير الآن إلى 12:15 بعد الظهر. علي ان أقوم بزيارة أخرى للجناح الغربي من مكتبي في مبنى أيزنهاور للمكاتب التنفيذية. وعندما اقتربت من الباب المؤدي إلى الجناح الغربي، صادفت مشهداً سوف يبقى مطبوعاً في ذاكرتي.

كان بعض المتخلّفين يغادرون مدخل الدور الأرضي للجناح الغربي بينما كان عدة أعضاء من الإدارة الجديدة يقتربون. وخلال لحظة قصيرة كان كل واحد منهم يتوقف غير متأكد مما يفرضه البروتوكول في مثل هذا اللقاء الصدفة. ثم يتصافحون مترددين، ويبتسمون، ابتسامات نضرة على وجهي اثنين منهم، وابتسامات باهتة على وجهي الاثنين الآخرين.

"مرحباً"

"مساء الخير"

مستغلاً الفرصة، لم يدع أحد الخارجين اللحظة تمر بدون أن يغمز إلى الخلافات الحزبية طالباً بنعومة ومبتسماً، "الرجاء الاعتناء بالمكان ... سوف نعود إليه بعد أربع سنوات."

يرد القادمون الجدد الابتسامة، ويجيب أحدهم بلهجة تعبر عن الفهم: "موافقون."

ويفترقون بعد ذلك، كل واحد في سبيله. مصافحات، ولكن لا ملاكمات، لا حواجز، لا أسلحة.

وهكذا، تنتهي دورة وتبدأ دورة أخرى. الديمقراطية الأميركية تعمل.

 

الآراء المُعبّر عنها في هذا المقال لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسات حكومة الولايات المتحدة.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي