التنوع | توفير حيز لنمو الجميع

31 تموز/يوليو 2008

حي في مدينة نيويورك يمثل عالماً من التعددية الدينية

حي فلاشينغ في كوينز، يضم أكثر من 200 مكان عبادة

 
صورة أكبر
موكب غانيش شاتورذي السنوي يمر في حي فلاشينغ قرب مركز كيسينا اليهودي، وهو كنيس لليهود الأورثوذوكس
موكب غانيش شاتورذي السنوي يمر في حي فلاشينغ قرب مركز كيسينا اليهودي، وهو كنيس لليهود الأورثوذوكس.

من كاري لونثال، مراسلة موقع أميركا دوت غوف

بداية النص

نيويورك، 31 تموز/يوليو، 2008- قد تبدو المسافة طويلة بين المربعات السكنية في شوارع حي فلاشينغ في منطقة كوينز، بمدينة نيويورك، لمن يتمشى فيها في يوم حار من أيام الصيف، ولكنها في الواقع تقصر المسافة بين ديانات العالم المختلفة الكثيرة.

ففي مربع واحد من هذه المربعات، يقع مركز كيسينا اليهودي قبالة معبد شري شوامينارايان مندير الهندوكي، الذي يقع بجوار كنيسة بون التابعة للإرسالية الصينية في الخارج، التي تقع بدورها مقابل معبد سينغ سبها للسيخ. وما هذا المربع سوى مثال لا يختلف عن بقية أنحاء فلاشينغ، الحي الذي يقع على بعد 16 كيلومتراً إلى الشرق من منهاتان ويضم أكثر من 200 مكان لممارسة الشعائر الدينية في مساحة لا تتعدى 6,5 كيلومتر مربع. ويقع حي فلاشينغ في منطقة كوينز، أحد الأقسام الإدارية الخمسة التي تشكل مجتمعة مدينة نيويورك.

وتدل إحصاءات جمعها مساعد أستاذ التاريخ الزائر في جامعة بنغهامتون التابعة لولاية نيويورك، سكوت هانسون، على أنه ما على المرء سوى السير مسافة قصيرة في هذا الحي ليشاهد 151 كنيسة مسيحية و30 معبداً بوذياً و7 معابد هندوكية و6 هياكل يهودية و4 مساجد ومعبدين للسيخ وهيكلين للطاويين ومجموعة تمارس الفالون غونغ.

ويعود الفضل في هذه التعددية إلى عريضة احتجاج فلاشينغ، وهي العريضة التي قدمها سكان فلاشينغ في عام 1657 وطلبوا فيها من حاكم مستعمرة نيويورك  الهولندي (التي كانت آنذاك مستعمرة نيو آمستردام الهولندية) دعم البنود الخاصة بالحرية الدينية في شِرعة تأسيس البلدة. وتعتبر هذه الوثيقة أقدم إصرار سياسي على حرية الضمير والدين في نيويورك. (أنظر مقالة "الحرية الدينية في أميركا مدينة لوثيقة إصلاح جذري صاغها سكان المستعمرات الأميركية"، المتعلقة بالموضوع).

وقد تضافرت عدة عوامل أخرى بمرور الزمن، بالإضافة إلى روح التعددية، لجعل فلاشينغ أحد أكثر المناطق تعددية دينية في الولايات المتحدة. وقال هانسون إن بين تلك العوامل سهولة الوصول إلى فلاشينغ من مطارين رئيسيين من مطارات نيويورك، ومحطات قطارات الأنفاق والقطارات القريبة، ومنفذ في نص قانون توزيع وتحديد المناطق لعام 1961. فقد سمح القانون للكثير من المجموعات المهاجرة بتشييد ما يعرف باسم "منشآت الجالية،" بما فيها بيوت العبادة، في الأحياء السكنية. وهكذا انتشرت المتاجر والمنازل التي تم تعديلها وأصبحت تُستخدم ككنائس ومعابد على طول الشارع بين أماكن العبادة الأكبر حجما.

وتجتذب هذه الأوضاع أعداداً لا حصر لها من المهاجرين إلى المنطقة لأنها تسهّل إنشاء مراكز الجاليات الدينية التي تجعل الوطن الجديد الغريب مألوفاً إلى حد ما. وقالت صحيفة النيويورك تايمز إن أفواجاً من الإيرلنديين والروس واليونانيين والإيطاليين والأميركيين الأفارقة، تقاسمت هذه الفسحة على مر السنين مع موجات أحدث من القادمين الجدد من الصين وكوريا وتايوان وفيتنام والهند وباكستان وأفغانستان والمكسيك وأهالي أميركا الوسطى، قبل أن تنتقل منها وتتخلى عنها لهم.

وجاء في إحصاء السكان الأميركي للعام 2000 أن أكثر من نصف سكان فلاشينغ هم من الأميركيين الآسيويين. وقالت مجلة نيويورك إن شارع البلدة الرئيسي "يزخر بالتنوع التجاري ويزدحم بالمشاة ويعج بالحركة والنشاط والحيوية بشكل يجعله حلماً بعيد المنال بالنسبة لشوارع أميركا المألوفة."

وقال هانسون إنه رغم قدرة حي فلاشينغ على احتضان هذه الفئات الكثيرة المختلفة من الناس، فإن تعلم التعايش معاً احتاج إلى بعض الوقت لأن "الناس يعتادون التعددية أكثر فأكثر بمرور الوقت."

وأضاف أن "فترة السبعينات كانت فترة التكيف المؤلم، وامتد ذلك إلى عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عندما ازدادت التعددية كثيراً فعلا." أما الآن، "فقد أصبح الناس واعين على الأقل. أصبح هناك تحسس للوضع."

صورة أكبر
تحمل هذه الصورة، وهي بعدسة كيم بدوي، اسم
تحمل هذه الصورة، وهي بعدسة كيم بدوي، اسم "فسحة بين الكنيسة والمسجد في فلاشينغ بكوينز، وهي موجودة في متحف كوينز للفنون.

ويوافق على ذلك غاناباثي بادمانابهان، المسؤول عن العلاقات العامة في جمعية معابد الهندوس في أميركا الشمالية، قائلاً "إننا نجد أن فلاشينغ يظهر الاحترام والتسامح."

وقد تم تكريس الهيكل في فلاشينغ في العام 1977، وقال بادمانابهان إن أتباعه يبذلون جهدهم ليكونوا جيراناً جيدين. ويستقبل الهيكل حوالى 500 شخص يومياً خلال أيام الأسبوع في حين يؤمه ما يصل إلى 3 آلاف نسمة في عطلة نهاية الأسبوع.

ويحاول المسؤولون عن الهيكل الحيلولة دون إزعاج هذا الإقبال عليه سكان الحي الآخرين. وقال بادمانابهان حول ذلك: "إننا نقيم علاقات جيدة جداً مع الجيران. ونحرص على عدم إزعاجهم."

ولا تقتصر العلاقات مع الجيران على محاولة عدم الإزعاج إذ إن الهيكل يقيم علاقات تفاعلية مع أتباع الديانات الأخرى في الحي. فالهيكل لا يبعد أكثر من مربع سكاني واحد عن كنيسة بون وعن معبد سينغ سبها للسيخ ويقع على بعد حوالى أربع مربعات سكانية فقط من أقدم مسجد في كوينز، المركز الإسلامي في نيويورك.

وأشار هانسون إلى وجود تاريخ طويل من عدم وجود أي نزاع حول الأديان في فلاشينغ. وأوضح أن التعددية موجودة "بدون معارك وإراقة دماء." ولا توجد أي حوادث نزاع بسبب الدين في الماضي، مما يفسح المجال أمام ظهور روح من التعايش كل حسب طريقته أو "العيش وترك الآخرين يعيشون" كما يشاؤون.

أما بادمانابهان فقال: "يأتي الكثير من المسلمين والمسيحيين واليهود إلى هنا. يزور الهيكل أشخاص، وخاصة طلبة، من أتباع الأديان الأخرى. ونحن نأخذ الزوار في جولة في الهيكل ونعرفهم على شعائرنا الدينية."

وهناك أماكن أخرى في الولايات المتحدة أصبحت التعددية أمراً مألوفاً فيها بينها سيلفر سبرينغ، بولاية ماريلاند، وهي ضاحية قريبة من واشنطن العاصمة؛ وفريمونت، بولاية كاليفورنيا، قرب مدينة سان فرانسيسكو؛ وروجرز بارك، بولاية إلينوي، قرب مدينة شيكاغو. وتقع كل هذه المناطق، مثلها في ذلك مثل فلاشينغ، قرب مراكز حضرية.

ومع هذا، أقر هانسون أنه حتى في حي فلاشينغ الذي يتصف بهذا القدر الكبير من التعددية يبقى التواصل بين المجموعات المختلفة "سطحياً" في الكثير من الأحيان. وقال في محاضرة ألقاها في متحف كوينز للفنون إن "سكان المدينة حريصون على خصوصيتهم، ولذا فإنه في حين يعيش السكان ويعملون ويمارسون شعائر دينهم قرب بعضهم البعض، إلا أنه لا يوجد إجمالاً تفاعل دائم ذو مغزى بين المجموعات الإثنية/العرقية/الدينية المختلفة."

ولكنه تكهن بأن الحي سيستمر في الازدهار كمركز للتعددية الدينية، وقد أشاد هانسون بجون ليو، عضو مجلس مدينة نيويورك عن حي فلاشينغ وأول أميركي من منطقة آسيا-المحيط الهادئ يشغل مقعداً في مجلس المدينة، للجهد الكبير الذي بذله في سبيل مد الجسور للتغلب على ما يوجد من تباعد ما زال  قائماً بين المجموعات المختلفة في المنطقة.

وقال حول ذلك، "أشعر بتفاؤل بشأن المستقبل."

ويمكن الحصول على ?زيد من المعلومات عن التعددية الدينية في الولايات المتحدة من خلال الرجوع إلى الصفحة الخاصة: التعددية في الممارسات الدينية، على موقع أميركا دوت غوف باللغة الإنجليزية.

نهاية النص

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي