بيئة | حماية مواردنا الطبيعية

04 كانون الأول/ديسمبر 2008

مدينة بورتلاند بأوريغون تعتز بوسائط نقل مقتصدة للطاقة وصديقة للبيئة

وتثبت للعالم أن شبكة مواصلات كهذه تكون أفضل إذا ارتبطت "بالنمو الذكي"

 

من أندريه تسوانيكي، المحرر في موقع أميركا دوت غوف

بورتلاند، أوريغون،- هذه ثالث مقالة من سلسلة المقالات عن النمو الذكي في مدينة بورتلاند.

بداية النص

حالف الحظ هذه المدينة عندما أفلست الشركة الخاصة التي كانت تدير نظام مواصلاتها العامة في الستينات من القرن المنصرم. فقد أوجد الوضع فرصة لبناء نظام مواصلات جديد من أساسه ويتناسب مع استراتيجية بورتلاند الخاصة "بالنمو الذكي"، أي التوسع المحدود في الضواحي يقوم على أساس وجود أحياء مصغرة قائمة بذاتها.

ومنذ ذلك الحين عمدت المدينة إلى إنشاء شبكة عاملة جيدا وفاعلة من خطوط الحافلات (الأتوبيس) وقاطرات السكة الحديد الخفيفة وخطوط الترام المتصلة ببعضها وذلك من أجل الحد من التلوث الناجم عن السيارات وتخفيف حركة السير على الطرق السريعة وشوارع المدينة. ويستخدم 15 بالمئة من سكان المدينة شبكة المواصلات جاعلين من بورتلاند واحدة من مدن الولايات المتحدة العشرين الأكثر استخداما للمواصلات العامة.

أما توسع الضواحي الذي استمر وانتشر دون إبطاء في مدن أميركية كثيرة، فقد أدى إلى زيادة طول رحلات التنقل بالسيارات فيما ازداد ازدحام حركة السير وساءت حالة التلوث الناجمة عن ذلك. ورد كثير من حكومات الولايات، التي تتلقى في كثير من الأحيان دعما فدراليا، على الوضع ببناء مزيد من الطرق السريعة.

والنتيجة، كما يقول ركس بيركهولدر، عضو مجلس مترو حكومة منطقة بورتلاند "أصبحت لنا طرق كثيرة ولكن ليست لنا بالضرورة مدن منشأة جيدا."

ودوى النذير في السنوات الأخيرة عندما ارتفعت أسعار النفط ارتفاعا كبيرا وأصبحت احتمالات الاحترار العالمي تنذر بالخطر. حتى المدن التي كانت فيها السيارة ملكة المدينة، اكتشفت فوائد وجود مواصلات عامة. ولذا، يقول إرين فلين، مدير التنمية الاقتصادية في لجنة تطوير بورتلاند، فإن كل مدينة من المدن الكبرى تقريبا تدرس اليوم خياراتها لتحسين وسائل النقل، وصار جعل المواصلات العامة "الأكثر اخضرارا" (ملاءمة للبيئة) هو الاتجاه السائد.

وتشير إحصائيات الجمعية الأميركية للمواصلات العامة إلى أن 16 بالمئة من أنظمة النقل الجماهيري تستخدم مصادر بديلة للطاقة. ففي بورتلاند يستخدم وقود الديزل الذي يحتوي على كميات منخفضة من الكبريت لتشغيل سيارات الأتوبيس العادية، والديزل البيولوجي لتشغيل الأتوبيسات الصغيرة. ويستخدم الغاز الطبيعي أو الديزل البيولوجي المستخرج من الزيوت المستهلكة في المطاعم لتشغيل أتوبيسات المدن في أماكن قليلة. وهناك عدد من البلديات، بما فيها بورتلاند وإنديانابوليس ومنيابوليس تطبق مشاريع طليعية تجريبية باستخدام أتوبيسات مهجنة (تمزج في الاستخدام بين الوقود والكهرباء) أو تخطط لاستخدامها في المستقبل القريب. وفي دنفر بكولورادو انضم قادة الأعمال التجارية إلى حملة تهدف إلى بناء نظام قاطرات سكة حديد خفيفة.

جهود تطوير النقل وتحديثه ليست مقتصرة على المشاريع الكبرى. فهناك في نيويورك، على سبيل المثال، خطة نقل شاملة تشمل تحسينات على مستوى مصغّر كالسيطرة الرقمية على إشارات المرور في حركة السير واستخدام المصابيح (اللمبات) المقتصدة للطاقة في محطات المترو تحت الأرض وفي محطات الأتوبيس. وفي بورتلاند عدّلت الوكالة المشرفة على النقل أجهزة نقل الحركة في الأتوبيسات كي تحسن كفاءة استعمال الوقود بنسبة 15 بالمئة.

ويقدم عدد من المدن حسومات ومنحا مباشرة كحوافر للركاب كي يتحولوا من التنقل بالسيارات إلى استخدام القطارات أو الأتوبيسات. غير أن فرض وسائل عدم التشجيع أو الردع الأخرى كالرسوم على الطرق والإشارات الضوئية على مداخل الطرق السريعة والأجور العالية في مواقف السيارات لا يزال موضع جدل وغير مقبول سياسيا في كثير من الأحيان. إلا أن بعض المدن يجرب هذه الوسائل لعدم التشجيع بحذر لمعرفة ما إذا كان الناس سيتقبلونها.

وينبه الخبراء إلى أن أنظمة النقل يجب أن يخطط لها جيدا، كما يجب التفكير بدقة في جهود التحديث لجعلها قابلة اقتصاديا وبيئيا. وقد كتب براد تمبلتون، وهو صاحب عمل متخصص ببرامج الكمبوتر والإنترنت في مدوّنته على الإنترنت بعد أن أجرى بحثا لنظام النقل الأميركي، قائلا إن المشاركة بالسيارات (ركوب عدة أشخاص في سيارة واحدة) على نطاق واسع في بعض المدن الكبيرة سيؤدي إلى اقتصاد في الطاقة أكثر من الاقتصاد في استخدام المواصلات العامة. ويشار إلى أن الأتوبيسات والقطارات غالبا ما تكون مزدحمة في ساعات الازدحام (مواعيد الذهاب والعودة من العمل) وقليلة الاستخدام في كل الأوقات الأخرى، وهو نمط يقوض الكفاءة الاقتصادية. (تحاول وكالة بورتلاند للنقل إقناع أصحاب مؤسسات الأعمال الكبرى بوضع مواعيد أوسع للعمل).

إن أي نظام نقل لا يكون أخضر (ملائما للبيئة) إلا بمقدار خضرة مصادره للطاقة. فإذا كان النظام يستخدم طاقة كهربائية مولدة بالطاقة المائية، على سبيل المثال، فإن الفائدة من ذلك واضحة. أما إذا كانت الطاقة مستمدة من الفحم الحجري فإنها أقل فائدة. ثم إن الجيل الأول من وسائل النقل التي تستخدم الوقود البديل أكثر كلفة بكثير بالنسبة لصيانتها وأقل كفاءة في اقتصاد الطاقة من الدعاية لها. (يقول بيركهولدر إن بورتلاند تستعد للتخلي عن مشروعها الطليعي التجريبي للأتوبيسات الكهربائية المهجنة لأن النتيجة مخيبة للآمال). وكذلك فإن جهود ردع الناس عن استخدام السيارات بتحديد استخدامهم للطرق السريعة أو بعض مساربها غالبا ما تؤدي إلى ازدحام أشد وتلوث أسوأ للهواء.

ويسارع بيركهولدر إلى القول إن الجدل القائم حول النقل غالبا ما يخطئ أهم نقطة وهي أن النقل العام وسيلة وليست غاية بحد ذاتها. فالغاية هي التنمية الاقتصادية والبيئة الصحية ونوعية أفضل للحياة. وهو يقول مثالا على ذلك، إن أحسن نظام مصمم للنقل لن يحقق النتائج المرجوة إذا كان يخدم مدينة مترامية الأطراف متوسعة. فالناس الذين يقيمون في أحياء كثيفة السكان، طبقا لدراسات بيركهولدر، يستهلكون طاقة أقل ويستخدمون نقلا أقل من أولئك القاطنين في أحياء عادية، طبقا للمعدل الفردي. ولذا يقول بيركهولدر إن طريقة معالجة مشاكل الطاقة وتغير المناخ لا تكمن في إصلاح نظام المواصلات والنقل، بل بجعل استراتيجية النمو الحضري أكثر استدامة وبتصميم نظام نقل يلبي أهدافها.

وتأمل مدينة بورتلاند الكبرى أن تحقق هذا الهدف بحيث تستوعب زيادة سكانية تبلغ نسبتها 50 بالمئة بحلول العام 2035.

غير أن منطقة بورتلاند العاصمة (المدينة وضواحيها) شأنها شأن العواصم الأخرى التي تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، تواجه عجزا ماليا كبيرا.

ويقول بيركهولدر "نحن نحاول أن ندرس ونركز اهتمامنا في كيفية استخدام المال العام ونحفز الاستثمارات الخاصة. ويضيف أن بورتلاند تأمل من مشاركتها مع القطاع الخاص أن تذلل هذا التحدي.

طالع المقال الأول في سلسلة المقالات حول سياسة النمو الذكية التي تعتمدها مدينة بورتلاند، بولاية أوريغون، وهو بعنو?ن: مدينة أميركية نموذجية تحد من تمدد الضواحي وتوسعها؛

والمقال الثاني بعنوان: مدينة بورتلاند تتكيف أثناء استمرار تجربتها في النمو الذكي.

نهاية النص

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي