انتخابات سنة 2008 | دليل الانتخابات الأميركية للعام 2008

01 تشرين الأول/أكتوبر 2008

باراك أوباما: فتح آفاق جديدة

 
السيناتور باراك أوباما خلال إحدى حملات الانتخابات التمهيدية في سانت بول بولاية مينيسوتا في حزيران/يونيو، 2008
السيناتور باراك أوباما خلال إحدى حملات الانتخابات التمهيدية في سانت بول بولاية مينيسوتا في حزيران/يونيو، 2008.

يجلب المرشح الديمقراطي لمنصب الرئيس شباباً وبلاغة وتاريخاً شخصياً مقنعاً لحملة عام 2008 الانتخابية. وقد فاز أوباما بترشيح حزبه عن طريق مناداته بالتغيير في السياسة الأميركية الخارجية والداخلية.

الكاتب المستقل دومينيك ديباسكال موظف سابق في السلك الدبلوماسي، عمل في غانا وكينيا والبرازيل والبوسنة وسنغافورة وسلوفينيا.

 

فتحت سيرة باراك أوباما الفريدة والحملة الناجحة للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له لانتخابات الرئاسة لعام 2008 فصلاً جديداً في السياسة الأميركية.

 

باراك أوباما، أول مرشح أمريكي من أصل أفريقي للرئاسة يفوز بترشيح حزب سياسي أمريكي كبير، يأتي بقصة حياة مختلفة عن أي مرشح سابق آخر. وقد حلَّق أوباما، الابن المختلط عرقيا لأب أفريقي من كينيا وأم بيضاء من وسط أميركا، إلى الشهرة على النطاق القومي بخطابه الهام الذي قوبل بالاستحسان في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في عام 2004، وهوالعام الذي تم فيه انتخابه لمجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي. وبعد أربع سنوات فقط، صعد إلى القمة في ميدان مزدحم بالديمقراطيين من الوزن الثقيل واقتنص ترشيح حزبه له لدخول البيت الأبيض.

وبأسلوب خطابي منمق، وبلاغة فصيحة منهضة، وقدرة على إثارة حماسة الناخبين الشباب، واستخدام محنك لشبكة الإنترنت كأداة ترويج في الحملة الانتخابية، أظهر أوباما أنه بالفعل مرشح القرن الحادي والعشرين. ثم إنه أبدى علاوة على ذلك المهارات الدائمة في كل زمان والمألوفة في كل الحملات، بما في ذلك القدرة على شن حرب خندقة سياسية فعالة من الطراز القديم مسببة للشقاق أحيانا وهو يشق طريقه بجد لمدة خمسة أشهر طويلة في موسم الانتخابات التمهيدية لهزيمة منافسته الرئيسية هيلاري رودهام كلينتون.

شدد أوباما في حملته الانتخابية على موضوعين مهيمنين هما تغيير أسلوب واشنطن التقليدي في إدارة شؤون الدولة، ومناشدة الأميركيين على اختلاف إيديولوجياتهم وانتماءاتهم الاجتماعية والعرقية الاتحاد من أجل الصالح العام.

قال أوباما في خطابه للمؤتمر القومي للحزب الديمقراطي لعام 2004 "ليس هناك أميركا ليبرالية وأميركا محافظة – هناك الولايات المتحدة الأميركية. "ليس هناك أميركا سوداء وأميركا بيضاء وأميركا لاتينية وأميركا آسيوية. إنما هناك الولايات المتحدة الأميركية. ... نحن شعب واحد، وكلنا نتعهد بالولاء للنجوم والخطوط (العلم الأميركي)، وندافع جميعا عن الولايات المتحدة الأميركية."

السنوات الأولى

تحدّر والدا أوباما من بيئتين مختلفتين اختلافا كبيرا جداً. فقد ولدت أمه، آن دنهام، ونشأت في مدينة صغيرة في ولاية كانزاس. وبعد أن انتقلت أسرتها إلى جزر هاوائي، قابلت باراك أوباما الأب الذي كان طالباً كينياً في جامعة هاوائي بمنحة دراسية. تزوج الاثنان في عام 1959، وفي 4 آب/أغسطس 1961 ولِد لهما باراك أوباما الإبن في هونولولو. وبعد سنتين غادر أوباما الأب أسرته الجديدة، من أجل متابعة الدراسات العليا في هارفرد أولا، وبعد ذلك من أجل العمل كإخصائي اقتصادي في الحكومة في كينيا. وقابل أوباما الابن والده بعدها مرة واحدة فقط وهو في سن العاشرة.

كان أوباما في السادسة من عمره عندما تزوجت والدته للمرة الثانية، وهذه المرة من موظف تنفيذي إندونيسي يعمل في صناعة النفط. وانتقلت العائلة إلى إندونيسيا حيث أمضى أوباما أربع سنوات في الدراسة بمدرسة في العاصمة جاكرتا. وفي نهاية المطاف، عاد إلى هاوائي والتحق بمدرسة ثانوية هناك حيث كان يعيش مع جديه والدي أمه.

في كتابه الأول، أحلام من أبي، يصف أوباما هذه المرحلة في حياته على أنها انطبعت على قدر أكبر من المعتاد من اضطراب فترة المراهقة، حيث كان يكافح لفهم إرثه العرقي المختلط والذي كان لا يزال حينئذ غير مألوف نسبياً في الولايات المتحدة. ولعل جذوره التي كانت مترسخة في الثقافتين السوداء والبيضاء هي التي ساعدت في إكساب أوباما الرؤيا الشاملة التي جاء بها إلى السياسة بعد عدة سنوات،زهي رؤيا تتفهم وجهتي النظر معاً.

كاساندرا بتس، زميلة أوباما في كلية الحقوقو وصفته بأنه "يتمتع بقدرة لا تُصدَّق على دمج حقائق تبدو متناقضة وجعلها مترابطة." وأضافت في تصريح للكاتبة في مجلة نيويوركر، لاريسا ماكفاركوهر بقولها "إن ذلك يتأتي من الخروج من بيت يقوم فيه أشخاص بيض على تنشئته، إلى ينطر ‘ليه الناس فيه على أنه شمص أسود." 

غادر أوباما هاوائي مرة أخرى للدراسة في جامعة أوكسيدنتال في لوس أنجلوس لمدة سنتين. وانتقل بعدئذ إلى مدينة نيويورك حيث حصل على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة كولومبيا في عام 1983. وفي كلمة له في حفل التخريج، وصف أوباما تفكيره في ذلك الوقت بقوله "... في الوقت الذي حان فيه موعد تخرجي من الجامعة كانت تتملكني فكرة مجنونة – هي أنني سأعمل من الجذور الأساسية للمجتمع لإحداث تغيير."

دعوة إلى الخدمة العامة

في غمرة بحثه عن هويته وعن توجّه هادف في الحياة، ترك أوباما في النهاية عمله ككاتب مالي مع شركة استشارية دولية في نيويورك وتوجّه إلى مدينة شيكاغو في عام 1985. وهناك عمل كمنظِم مجتمعي لائتلاف من كنائس محلية في الجزء الجنوبي من المدينة، وهي منطقة للأميركيين الأفارقة الفقراء كانت تعاني بسبب تحويلها من مركز تصنيع إلى اقتصاد خدماتي.

وبعد سنوات، استحضر أوباما في خطاب أعلن فيه ترشيحه للانتخابات الرئاسية ذكرى ماضيه هناك بقوله "في هذه هي الأحياء تلقيت أفضل تعليم، وفيها عرفت فيها المعنى الحقيقي لديني المسيحي."

وجد أوباما متعة في تحقيق بعض النجاحات الملموسة في هذا العمل، مانحاً سكان الجزء الجنوبي صوتاً في قضايا مثل إعادة البناء الاقتصادي والتدريب المهني وجهود تنظيف البيئة. من ناحية أخرى، نظر إلى دوره الأولي كمنظِّم مجتمعي على أنه دور محفِّز يحشد مواطنين عاديين في جهد يبدأ من الطبقة الدنيا لصياغة استراتيجيات محلية أصيلة للتمكين من الحقوق السياسية والاقتصادية.

وبعد ثلاث سنوات من هذا العمل، وصل أوباما إلى قناعة بأنه لتحقيق تحسن حقيقي في مجتمعات مسحوقة من هذا القبيل ، فإن الأمر يتطلب مشاركة على مستوى أعلى في ميداني القانون والسياسة. وبناء على ذلك، ذهب للدراسة في كلية جامعة هارفرد للحقوق حيث برز وتميز بانتخابه كأول رئيس أسود لـمجلة هارفارد لو ريفيو (مجلة مرموقة لنقد القوانين تصدرها لجنة من طلبة الحقوق بالكلية المرموقة) وتخرَّج بدرجة شرف في عام 1991.

بتلك الدرجات والشهادات الجامعية المعتمدة "كان بإمكان أوباما أن يعمل في أي مجال يريده." بهذه العبارعلَّق ديفيد أكسلرود على أوباما وهو الآن الخبير الاستراتيجي لحملته الانتخابية. لكن أوباما عاد إلى المدينة التي تبناها، شيكاغو، حيث مارس المحاماة دفاعاعن الحقوق المدنية، وقام بتدريس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو. وفي عام 1992 تزوج من ميشيل روبنسون، وهي خريجة أخرى في القانون من هارفرد ، وعمل بجد في تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة المرشحين الديمقراطيين ومن بينهم بيل كلينتون.

ومع التزام شديد متواصل بالخدمة المدنية، قرر أوباما في عام 1996 أن يعلن أول ترشيح له لمنصب انتخابي وفاز بمقعد عن شيكاغو في مجلس شيوخ ولاية إلينوي. وكان دخوله االسباق الانتخابي، من عدة نواح، استطرادا منطقياً لعمله السابق كمنظِّم مجتمعي. وجاء أوباما بالكثير من النظرة الشمولية للسياسي– كممكّن لتوجيه جهود القاعدة الشعبية للمواطنين، وبان لتحالفات ذات قاعدة عريضة – لرؤياه السياسية.

وقد قال في حينه: "أي أميركيين أفريقيين يتحدثون عن العنصرية كعائق لنجاحنا يكونون مضلَّلون جدا إذا هم لم يتصدوا للقوى الاقتصادية الأكبر التي تتسبب في خلق عدم استقرار اقتصادي لكل العاملين – من بيض ولاتينيبن(إسبانيين) وآسيويين." ومن بين إنجازاته التشريعية على مدى السنوات الثماني التالية في مجلس شيوخ الولاية كان إصلاح تمويل الحملات الانتخابية وتخفيضات ضريبية للفقراء العاملين وإدخال تحسينات على نظام القضاء الجنائي للولاية.

المرحلة القومية

في عام 2000 أعلن أوباما أول ترشيح له للكونغرس متحدياً، ولكن بدون تحقيق نجاح، بوبي رَش، الذي كان ديمقراطياً يحتل مقعدا عن شيكاغو، من أجل انتزاع مقعد رش في مجلس النواب. ومع شعوره بالإحباط بسبب خسارته غير المتوازنة في الانتخابات التمهيدية لصالح رش، وبحثاً عن نفوذ بعيداً عن الهيئة التشريعية لولاية إلينوي، أقنع ميشيل بفكرة ترشيح نفسه لمجلس الشيوخ الأميركي في آخر محاولة في "استراتيجية الصعود أو التخلي" للارتقاء بعمله السياسي.

كان سباق الترشيح لمجلس الشيوخ في إلينوي للعام 2004  قد تحوّل إلى سباق عام مفتوح للجميع في السنة السابقة، وذلك عندما أعلن صاحب االمقعد الجمهوري، بيتر فيتزجيرالد، أنه لن يسعى إلى إعادة انتخابه. وتنافس سبعة ديمقراطيين، وثمانية جمهوريين في الانتخابات التمهيدية لحزبيهما على الترشيح لمجلس الشيوخ. وفاز أوباما بسهولة بترشيح الحزب الديمقراطي، محرزاً حصة أكبر من حصص خصومه الستة مجتمعة من الأصوات بلغت 53 بالمئة.

ومع هيمنة الجمهوريين آنذاك على مجلس الشيوخ المكوّن من 100 عضو بأغلبية ضئيلة جدا باحتلالهم 51 مقعداً (بأغلبية مقعد واحد) فقد أولى الديمقراطيون المنافسة على الترشيح لمجلس الشيوخ في إلينوي نظرة هامة باعتباره فرصتهم لاستعادة السيطرة على مجلس الشيوخ في تشرين الثاني/نوفمبر (لم يستعيدوا السيطرة في الواقع إلا في عام 2006). وتجاوبا مع الرغبة في منح حملة أوباما دفعة قوية من خلال  إسناد دور بارز له، ونظرا للمهارات الخطابية المشهورة التي كان يمتلكها أوباما والإنطباع الإيجابي جداً الذي تركه عند مرشح الرئاسة الديمقراطي جون كيري، حسم جميعها قرار اختيار أوباما ليكون الخطيب الذي يلقي الخطاب الرئيسي للمؤتمر.

عمل خطاب أوباما، بلغته الراقية المنمقة عن الحاجة إلى تجاوز الانقسامات الحزبية، ودعوته إلى "سياسات آملة" بدلاً من السياسات التهكمية أكثر من مجرد إثارة رواد المؤتمر، فقد قذف بأوباما إلى دائرة أضواء وسائل الإعلام القومية كنجم صاعد  من الحزب الديمقراطي. وواصل مسيرته ليفوز ببراعة في سباق مجلس الشيوخ في ذلك الخريف، محققاً نسبة ساحقة من الأصوات الشعبية بلغت 70 بالمئة.

وبالرغم من أن شبه الفوضى العارمة التي اجتاحت الجمهوريين في إلينوي في تلك السنة ساهمت، بلا ريب، بهامش الفوز الساحق، فقد كان انتصار أوباما مؤثراً بحد ذاته، حيث فاز في 93 مقاطعة من مقاطعات الولاية الـ 102، وحاز على أصوات ناخبين بيض بهامش أكبر من اثنين إلى واحد.

نمت سمعة أوباما بشكل مطرد كنسل جديد من السياسيين، نسل قادر على التغلب على الانقسامات العنصرية التقليدية. وفي نبذة عن أوباما في مجلة نيويوركر، قال الكاتب ويليام فينيغان، مشيراً إلى موهبة أوباما في "الانسلال ببراعة إلى استخدام تعابير محدّثه" إن أوباما "يتكلم بكل اللهجات الأميركية الدارجة." وقدَّم أوباما تفسيره الخاص للسبب الذي جعله قادراً على التواصل مع الناخبين البيض.

قال "أنا أعرف هؤلاء الناس. أولئك هم جدّاي. ... تصرفاتهم ومشاعرهم وإدراكهم للصواب والخطأ،  جميعها أمور مألوفة تماماً بالنسبة لي." 

في مجلس الشيوخ، كوّن أوباما سجل تصويت منسجما مع ذلك السجل الخاص بالجناح الليبرالي للحزب الديمقراطي. وكان انتقاده للحرب في العراق أحد سماته المميِّزة التي تعود إلى خطاب ألقاه في عام 2002، حتى قبل أن تبدأ الحرب، وذلك عندما حذّر من أن أي عمل عسكري من هذا القبيل لن يكون مبنياً "على أساس مبدأ، وإنما على أساس سياسة." كما عمل لتعزيز المعايير الأخلاقية في الكونغرس ولتحسين رعاية المحاربين القدامى، ولزيادة استخدام أنواع الوقود المتجدد.

الترشيح لمنصب الرئيس

لقد كانت الحملة الانتخابية التمهيدية الطويلة لانتخابات الحزب الديمقراطي لعام 2008، بما فيها من انتخابات أو اجتماعات حزبية انتخابية في الولايات الخمسين جميعها، تاريخية بعدة طرق. لقد تم اختيار مرشحين أميركيين من أصل إفريقي، ومرشحات نساء للرئاسة من قبل، ولكن هذه المرة كان كِلا المرشحين المتقدمين هما امرأة وأميركي من أصل إفريقي. وعندما بدأ أوباما وسبعة متنافسين آخرين يتنافسون على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، بالانتظام في عام 2007، وضعت استطلاعات الرأي أوباما، بشكل ثابت، في المركز الثاني وراء السناتور من ولاية نيويورك، التي كان يُفترَض أنها المفضلة، هيلاري كلينتون. وبالرغم من ذلك كان أوباما ناجحاً إلى حد كبير في هذه المرحلة المبكرة من السباق في حشد مجموعة متحمسة من المؤيدين، ولا سيما بين الشباب، مقيماً تنظيماً لحملة ذات قاعدة شعبية على نطاق الدولة، وجامعاً أموالاً عبر الإنترنت.

ومع كون كلينتون تتمتع باسم معروف أكثر، وبمجموعة منظمين للحملة يعملون بدون عوائق، وبدعم على مستوى الولاية من الديمقراطيين القياديين، فقد ابتكر معسكر أوباما استراتيجية إبداعية لتحييد هذه المزايا: استهداف الولايات التي تستخدم الاجتماعات الانتخابية الحزبية أكثر من الانتخابات التمهيدية لاختيار المندوبين، والتركيز على ولايات أصغر صوّتت بشكل تقليدي للحزب الجمهوري في الانتخاب العام. هذا النهج المُستفيد من نظام الحزب الديمقراطي للتمثيل التناسبي – منح مندوبي المؤتمر في كل ولاية ما يتناسب تقريباً مع حصة المرشح من الأصوات – خلافاً لنظام الجمهوريين في منح معظم مندوبي المؤتمر، أو جميعهم، للفائز في كل ولاية.

ونجحت الاستراتيجية مع الاجتماعات الانتخابية الحزبية الأولى في الولاية، في ولاية آيوا، في 3 كانون الثاني/ يناير 2008، عندما سجل أوباما نصراً غير متوقع على كلينتون. وكان الفوز في ولاية آيوا مغيّراً للعبة؛ كما عبرت عن ذلك جريدة واشنطن بوست: "هزيمة كلينتون ... غيّرت مجرى السباق بإثبات أن أوباما منافسها الرئيس – المرشح الوحيد الذي لديه رسالة، وقوة تنظيمية، وموارد مالية للطعن في وضعها كمرشحة متقدمة."  

ونجحت مرة ثانية في انتخابات ما يسمى "الثلاثاء العظيمة" – تم إجراء الانتخابات في 22 ولاية في الوقت ذاته في 5 شباط/فبراير – عندما تنافس أوباما مع كلينتون بنديّة واكتسح ولايات ريفية في الغرب والجنوب. ونجحت مرة أخرى عندما واصل أوباما الفوز في 10 منافسات متتالية في شباط/فبراير، معززاً تقدماً في المندوبين لم تتمكن كلينتون من اللحاق به مرة أخرى أبداً.   

أخيراً، في 3 حزيران/يونيو، بعد خمسة أشهر بالضبط من بدء المنافسة، انتهى السباق المرهق. ومنح مزيج من الفوز في مونتانا، مع الدعم المتنامي لأوباما من مندوبين فوق العادة لم يكونوا ملتزمين سابقاً، غالبية المندوبين اللازمين للفوز بالترشيح للانتخابات الرئاسية.

"لأنكم اخترتم عدم الاستماع إلى شكوككم، أو إلى مخاوفكم، بل إلى آمالكم الأعظم، وطموحاتكم الأسمى،" قال أوباما للمؤيدين في ذلك المساء في حشد احتفال بالنصر في سانت بول في ولاية مينيسوتا، "فإننا سنحدد الليلة نهاية رحلة تاريخية مع بداية رحلة أخرى."

رئاسة أوباما

في حال تم انتخاب أوباما، فإنه سيكون أحد أصغر الرؤساء الأميركيين في التاريخ. لقد ولد في الجزء الأخير من جيل ما سمى بطفرة المواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة (1946 – 1964)، كما سيكون أول رئيس يبلغ سن الرشد في ثمانينيات القرن العشرين، وهذا وحده يمكن أن يبشر بتغيير. وقد كان الجو الذي نشأ فيه مختلفاً بشكل ملحوظ عن ستينيات القرن العشرين العاصفة اجتماعياً، والتي شكَّلت مستقبل جيل الزيادة الفجائية في الولادات الأسبق. وكما قال أوباما ذات مرة عن الانتخابات الرئاسية للعامين 2000 و2004، والتي كان فيها التنافس بين مرشحين من فوج يسبق بكثير ذلك الفوج من جيل ما بعد الحرب، "كنت أشعر أحياناً وكأنني كنت أشاهد الدراما النفسية لجيل طفرة الولادات – قصة متجذرة في أحقاد قديمة وخطط انتقام تم تدبيرها في حفنة من ساحات حرم الجامعات منذ فترة طويلة – انتهت على الساحة القومية."

يعكس شعارا أوباما "تغيير يمكننا أن نؤمن به" و"تغيير نريده" تشديد حملته على أخذ الولايات المتحدة نحو اتجاه جديد. وقد دعم أوباما جدولاً زمنياً ثابتاً لانسحاب القوات الأميركية المقاتلة من العراق، على الرغم من أنه سيترك بعضها من أجل مهام التدريب ومكافحة الإرهاب. وتشمل مواقف سياسة خارجية أخرى زيادة القوات العسكرية الأميركية، والمساعدة الإنمائية لأفغانستان، وإغلاق سجن خليج غوانتاناموا للمعتقلين المتورطين بأعمال إرهابية، وتعزيز جهود منع إنتاج ونشر الأسلحة النووية. محلياً، يريد أوباما استثمار 150 بليون دولار أميركي على مدى 10 سنوات لتحفيز تطوير تكنولوجيا الطاقة النظيفة، وزيادة الاستثمار في التعليم والبنية التحتية لجعل اقتصاد الولايات المتحدة أكثر تنافسية عالمياً، ولاستعادة الانضباط المالي لإنفاق الحكومة.

قدمت لاريسا ماكفاركهار من مجلة نيويوركر نظرية عن جاذبية أوباما الملحوظة عبر خطوط سياسية تقليدية. وعلّقت قائلة: "إن سجل أوباما الانتخابي هو من أكثر السجلات ليبرالية في مجلس الشيوخ، ولكنه كان دائماً جذاباً للجمهوريين، ربما لأنه يتحدث عن أهداف ليبرالية بلغة محافظة."

وكتبت: "في رؤيته للتاريخ، وفي احترامه للتقاليد، وفي تشككه في أن العالم يمكن تغييره بأية طريقة إلا ببطء شديد جداً، فإن أوباما محافظ إلى حد بعيد."

وسواء فاز أم خسر في انتخابات 4 تشرين الثاني/نوفمبر، فإن أوباما قد أحدث آفاقاً جديدة للسياسة الأميركية. وجاء ترشيحه تماماً في الوقت الذي اعتقد فيه كثير من الأميركيين أن بلادهم كانت بحاجة إلى تحول جذري في توجهها. وقد قام المعلِّق الصحفي، إي. جيه. ديون، من جريدة واشنطن بوست، بتقديم إيجاز عن الالتقاء التصادفي بين ترشح أوباما، وروح العصر الأميركية بإتقان، عندما كتب يقول: "التغيير، وليس الخبرة، كان هو مطلب اليوم. والنظرة الشاملة، وليس هيمنة التفاصيل، كانت الميزة المثمّنة أكثر في خطابات الحملة الانتخابية. والانفصال التام عن الماضي، وليس مجرد العودة إلى أيام أفضل، كان الوعد الأعلى تقديراً."

 

الآراء المُعبًّر عنها في هذه المقالة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسات الحكومة الأميركية.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي