مواطنون لهم حرية التعبير | الديمقراطية في العالم

03 ايلول/سبتمبر 2008

تعزيز الشفافية العالمية لدى الشركات الكبرى

 

فيليب أوروفسكي

سنة 1977، سنّ الكونغرس الأميركي قانون الممارسات الأجنبية للفساد (FPCA) لوضع حد لرشوة المسؤولين الأجانب ولإعادة الثقة العامة بنزاهة نظام الأعمال الأميركي بعد أن وجدت التحقيقات الحكومية أن أكثر من 400 شركة أميركية أقرّت بأنها أجرت مدفوعات مشكوك بأمرها أو غير شرعية تزيد عن 300 مليون دولار إلى مسؤولين حكوميين أجانب، وإلى سياسيين وأحزاب سياسية. اليوم، على الشركات الأميركية الساعية إلى القيام بأعمال حول العالم أن تكون على معرفة بقانون الممارسات الأجنبية للفساد.

يُحظر القانون المذكور، بوجه عام، المدفوعات المفسدة للمسؤولين الأجانب بغرض الحصول على، أو الاحتفاظ بمشاريع الأعمال. كان للقانون أثر هائل على الطريقة التي تمارس بها الشركات الأميركية الأعمال. تعرضت عدة شركات دفعت رشاوى للمسؤولين الأجانب إلى إجراءات جنائية ومدنية نتج عنها غرامات كبيرة، وتوقيف عن العمل، وشطب أسمائها من عقود المشتريات الفدرالية كما تمّ إرسال موظفيها ومسؤوليها إلى السجن. لتجنب مثل هذه النتائج، طبق العديد من الشركات برامج امتثال مفصلة ترمي إلى منع واكتشاف أية مدفوعات غير سليمة من جانب الموظفين أو الوكلاء.

الكاتب فيليب أوروفسكي مستشار خاص في مجموعة الاحتيال في الأعمال وإجراءات المقاضاة المعقدة لدى شركة المحاماة كالدوالادار ويكرشام  اند تافت المحدودة(Caldwalader Wickersham & Taft LLP)، في واشنطن العاصمة. كان  أوروفسكي سابقاً مدعياً عاماً في قسم الاحتيال في وزارة العدل الأميركية، حيث كان مسؤولاً عن الإشراف والتحقيقات والمقاضاة لانتهاكات قانون الممارسات الأجنبية للفساد.

كل عمل تقوم به شركة كبرى، سواء في الخارج أو في الولايات المتحدة، يتم بالضرورة عبر أعمال أحد موظفيها والعاملين فيها أو وكلائها. يمكن، بموجب القوانين في بعض البلدان، اعتبار الشركات الكبرى مسؤولة عن الأعمال غير الجائزة التي يقوم بها هؤلاء الأفراد. الشركات الكبرى تتألف أحياناً كثيرة من آلاف الموظفين والعاملين والوكلاء، الذين كثيراً ما يكونون موزعين على مساحة جغرافية واسعة. إذا قام أحد موظفي الشركة بنشاط فاسد، يمكن اعتبار كامل الشركة مسؤولة عن عمل شخص واحد بصرف النظر عن مركزه أو رتبته في الشركة.

برامج الامتثال للقواعد

لمعالجة هذه القضايا، أنشأ العديد من الشركات في الولايات المتحدة برامج امتثال للقواعد، مفصلة وشاملة، للتأكد من أن الموظفين والعاملين أو العملاء يفهمون كيفية تطبيق القوانين الأميركية، مثل قانون الممارسات الأجنبية للفساد في التعامل اليومي مع أعمالهم. صحيح أن برامج الامتثال كانت مُصممة أصلاً لمنع حصول مشاكل قانونية للشركات، غير أن الحكومة الأميركية أدركت قيمة هذه البرامج كشكل من "التطبيق اللين للقوانين" وشجعت تطويرها.

يحتاج برنامج الامتثال للقواعد إلى معالجة المخاطر المُعيّنة التي تواجهها الشركات. أحد هذه المخاطر، في كل من الولايات المتحدة والخارج، هو أن أحد موظفي الشركة أو أحد العاملين فيها أو أحد عملائها، قد يعرض، أو يتم حثّه على عرض، رشوة لمسؤول حكومي للحصول على بعض الامتيازات أو لتجنب أمر سلبي قد يحدث للشركة. بالنسبة للشركات الأميركية التي لها عمليات في الخارج، تُسّمى هذه المخاطر بمخاطر قانون الممارسات، أي خطر تعرض الشركة للمقاضاة من قِبَل الحكومة الأميركية بموجب القانون المذكور للفساد، كما ومن جانب الحكومات الأجنبية بموجب القوانين الأجنبية لمكافحة الرشاوى.

الممارسات الفضلى

عند صياغة برنامج الامتثال للقواعد، لا توجد مجموعة واحدة من الممارسات الفضلى التي تضمن للشركة السلامة من مخاطر قانون الممارسات الأجنبية للفساد. طبعاً، وبطرق عدة، فإن الممارسة الفضلى الأولى تكمن في تصميم برنامج يعالج المخاطر المحددة التي تواجهها منظمة أعمال معينة. غير أن هناك إجراءات ووسائل تحكّم وتقنيات أخرى للأعمال ثبت أنها أعطت نتائج قد تساعد الشركات في تطوير برامج امتثال حسب احتياجاتها الخاصة.

الممارسة الفضلى الثانية تتعلق بوجوب توافق برنامج الامتثال مع نوع الأعمال التي تقوم بها الشركة في الخارج، ومع كيفية قيامها بأعمالها. مثلاً، الشركات التي يتكون زبائنها الرئيسيون من الحكومات، كما في الصناعة الدفاعية، أو التي تخضع منتجاتها لأنظمة متشددة، مثل شركات التأمين أو المصارف، يكون لها بكل وضوح تفاعلات كبيرة مع المسؤولين الحكوميين، وبإمكان الشركة توجيه جهودها للامتثال لهذه التفاعلات وللموظفين المشاركين فيها. من جهة ثانية، على الشركات، مثل شركات الصناعات الصيدلية التي تبيع إلى تشكيلة أوسع من الزبائن، ويمكن أن يكون بعضها حكومات أو موظفي حكومات، أن تطبق برنامج امتثال يستهدف كامل العاملين في المبيعات لديها.

الممارسة الفضلى الثالثة هي وجوب الترويج لبرنامج الامتثال، بطريقة قابلة للتصديق، على يد المسؤولين الإداريين الرئيسيين، والمعروفة "بالنغم الذي يلعبه الكبار"، وعلى أنه الطريقة التي تمارس بها الشركة أعمالها. الرسالة التي يجب إبلاغها إلى جميع الموظفين والعاملين وعملاء الشركة هي أن برنامج الامتثال ليس شكلاً من الإجراءات البيروقراطية الزائدة عن اللزوم التي تلهي عن الأعمال وتعرقل ممارستها، أو حتى أنها "شرّ لا بد منه". على كبار المدراء، بدلاً من ذلك، تبنّي البرنامج كانعكاس لقيم الشركة وكطريقة لتأمين نجاح الشركة على المدى الطويل. وعلى الإدارة أن تشدد على أن استخدام الأساليب غير السليمة لتحقيق نجاح قصير الأجل، مثل الفوز بعقد مُربح مُعيّن، قد يقود إلى فشل على المدى البعيد إذا ما فقدت الشركة سمعتها بخصوص الأمانة والنزاهة، كما يعرضها ذلك لإجراءات الإرغام على تطبيق القانون من جانب حكومة أو أكثر، وكذلك يصبح من الممكن استبعادها عن مناقصات المشاريع الحكومية في المستقبل.

هناك عدد من العناصر الأساسية لبرنامج الامتثال تتعلق بقانون الممارسات الأجنبية للفساد. تضم هذه العناصر:

* التدريب. يجب تدريب جميع العاملين في الشركات في الخارج، حتى عندما تكون هذه الشركات مقيمة في الولايات المتحدة، حول جوهر ما يحظرّه قانون الممارسات الأجنبية للفساد، وحول الإجراءات المعينة التي تبنتها الشركات الكبرى لمعالجة مخاطر هذا القانون. زد على ذلك انه لما كانت القوى العاملة والإجراءات تتغير مع الوقت، فقد وجب تكرار هذا التدريب على أساس منتظم كما أن على الشركات التأكد من أن جميع العاملين يحضرون التدريب.

* رسالة حسب الطلب. صحيح أنني أشرت إلى مخاطر قانون الممارسة الأجنبية للفساد، إلا أن الخطر الحقيقي هو الفساد نفسه، سواء كان في انتهاك القانون المذكور أو في انتهاك قوانين مكافحة للرشاوى في البلدان الأخرى. عندما تقوم شركة أميركية بتدريب موظفين غير أميركيين، يجب أن تشرح لهم لماذا يكون القانون الأميركي مهماً (لأن الشركة الأم أميركية ولأنها خاضعة للقانون الأميركي)، لكن يجب أن تشدّد الشركة أيضاً على أهمية الامتثال لجميع القوانين. وإذا صح أن الشركات ترغب بوضوح ببعث رسالة واحدة إلى جميع العاملين لديها حول العالم، فان عليها أيضاً معالجة الهواجس والقوانين المحلية عبر التدريب.

* التيقظ المطلوب من الوكلاء. قبل توظيف أي كان للعمل بالنيابة عن الشركة/باسم الشركة، يجب أن تعمد الشركة إلى التأكد من أنها لا توظف إنساناً قد يسبب لها المشاكل. وعليها أن تتأكد، من خلال المقابلات الشخصية، والاستمارات، والأبحاث المستقلة والمراجع، من أن الوكيل مؤهل وانه يتمتع بسمعة النزاهة والأمانة في تعاطيه الأعمال.

* التيقظ المطلوب لدى الأطراف الثالثة. قبل الدخول في مشاريع أعمال مع أي فريق ثالث، سواء كان شريك أعمال، أو مقاولاً من الباطن، أو شريك ائتلاف من الشركات، أو مورّداً، أو مزود خدمات، يجب أن تقوم الشركة بالتأكد من أنها لا تكون بذلك توفر الأموال بصورة غير سليمة لمسؤول حكومي. هذه المسألة قد تحصل عندما يكون المسؤول الحكومي مالكاً للفريق الثالث أو إذا كان سيستفيد بصورة غير مباشرة من الأعمال، أو عندما سيستفيد المسؤول الحكومي بصورة غير مباشرة لأن الفريق الثالث يملكه، أو يوظف إنسانا من الأقرباء القريبين من المسؤول الحكومي. في معظم الحالات، يتم إجراء هذا النوع من التحقق عبر مطالبة الفريق الثالث ملء استمارة تبيّن الأصحاب، والموظفين والمدراء الرئيسيين لمؤسسة الفريق الثالث، ومن ثم التحقق من صحة هذه المعلومات عبر مصادر ومراجع عامة، وفي العديد من الحالات، عبر إجراء مقابلات شخصية مع أفراد الفريق الثالث المحتمل.

* الشروط التعاقدية. على الشركات أن تفرض في عقودها على العملاء والأطراف الثالثة بالموافقة على عدم اللجوء إلى مدفوعات غير مشروعة، والتأكد، وهذا هو المهم، أن بإمكانها قطع العلاقات التجارية معها في حال انتهك العميل أو الفريق الثالث الاتفاقية. وعلى الشركة أن تسعى، حسب نوع الأعمال والقيمة النسبية للفرقاء، إلى القدرة على التدقيق في إنفاق الأموال من جانب العميل أو الفريق الثالث صاحب العلاقة بأعمال الشركة.

* الدفاتر والسجلات الداخلية. أحد الأوجه الهامة لبرنامج الامتثال للقواعد هو التأكد من قيام العاملين بإنشاء سجل يمكن التدقيق به، وانهم قاموا بالتحقيقات اللازمة بجديّة وراقبوا إنفاق أموال الشركة. على المستوى الأول، لا يُشكِّل ذلك أكثر من الممارسة السليمة للأعمال؛ اما على المستوى القانوني، فيؤكد ذلك انه في حال زُعم أن الشركة عمدت إلى مدفوعات غير صحيحة، بإمكانها الإثبات اما أن هذه المدفوعات لم تحصل أو أن المدفوعات حصلت دون إذنها وعكس سياستها وإجراءاتها الواضحة.

* التدقيقات الدورية. على الشركات التي لها مدققون خارجيون أو داخليون، أو الاثنين معاً، أن تتأكد من إجراء التدقيقات المناسبة سواء فيما يخص برنامج الامتثال نفسه أو الدفاتر والسجلات المتعلقة بميادين الأعمال التي تواجه مخاطر قانون الممارسة الأجنبية الفاسدة. في العالم المثالي، سوف تؤكد مثل هذه التدقيقات غياب أي مشاكل أو قضايا. في العالم الحقيقي، ربما قد توحي هذه التدقيقات بوجود ميادين تحتاج إلى رقابة إضافية، وميادين حيث برنامج الامتثال لم يعد يتعقّب تنظيم الأعمال، أو العاملين أو مجموعات العاملين الذين قد يستفيدون من التدريب الإضافي. في أسوأ الحالات، قد تكشف التدقيقات عن انتهاكات سابقة أو جارية للقانون على الشركة معالجتها بسرعة.

لا يمكن لأي برنامج امتثال منع أي جهد مثابر قد يقوم به موظف إفرادي، أو مجموعة من الموظفين، للتهرب من ضوابط الشركة، ولن يكون هذا البرنامج فعالاً من دون دعم المدراء الكبار في الشركة. غير أن على البرنامج المصمم بالطريقة الصحيحة، والذي يتبنى أفضل الممارسات للحاجات المُعينة للشركة، أن يتمكن من اكتشاف ومنع السلوك الخاطئ، وان يمكّن الشركة من التركيز على أعمالها الأساسية.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسات الحكومة الأميركية

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي