الحكومة الأميركية | توازن ثابت بين المؤسسات

01 ايلول/سبتمبر 2008

وثيقة قابلة للتكيّف

 

بداية النص

كان هناك إحساس بتأثير الدستور خارج حدود الولايات المتحدة فور صدوره. ففي أواخر القرن الثامن عشر، أصبح تبني دستور مدوّن أمرا يتماهى مع طموحات المتطلعين إلى الحكم الذاتي. في 3 أيار/مايو، 1791، أصدرت بولندا أول دستور مكتوب في أوروبا، وتبعتها فرنسا بعد وقت قصير.

ليس من المستغرب اذاً ان يتم ذكر التجربة الأميركية تكراراً في المناقشات التي كانت تجري في دول أخرى حول صياغة مسودات دساتيرها. فمثلا، في ألمانيا كان المندوبون الذين اجتمعوا في كنيسة القديس بطرس في فرانكفورت العام 1848-1849 يستشهدون تكراراً بالأفكار الأميركية عند وضع دستورهم المقترح.

لم يفترض، بالطبع، أي كان في فرنسا، أو ألمانيا، أو غيرهما من الدول ان على المرء أن يستنسخ النموذج الأميركي بكل بساطة. فعلى كل دستور، كي يكون قابلا للحياة، ان يقوم على أساس التاريخ الخاص للبلاد وثقافتها وتقاليدها. لكن دستور الولايات المتحدة، خاصة كما يجري تطبيقه بالترافق مع التفسيرات الرئيسية التي ادخلتها عليه المحاكم طوال أكثر من قرنين، ساعد بلا شك في رسم اطر المناظرات حول القوانين الأساسية في أماكن أخرى.

ما هي المساهمات التي حققها مندوبو المؤتمر الدستوري في فيلادلفيا، وأولئك الذين عملوا لاحقا على تعديل الدستور في سبيل الديمقراطية الدستورية في الداخل وفي الخارج؟ نذكر من بين هذه المساهمات ما يلي:

1- الدستور يعني، لكونه يشير بوضوح الى انه يُسنّ من جانب "نحن الشعب"، ان الحكومة تستند إلى الموافقة الشعبية.

2- الدستور يعلن بأنه سيشكل، بالترافق مع القوانين التي سنُّت بموجبه، "القانون الأعلى للبلاد"، وانه سيؤمن مبدأ المراجعة القضائية، أي سلطة المحاكم في إلغاء القوانين التي تتعارض مع أحكام الدستور، وحماية الضمانات الدستورية لحقوق الأقليات وحريتها، وحتى ضد الاغلبيات المنتخبة ديمقراطيا.

3- نصوص الدستور، والمناقشات التي جرت عند صياغته الأولى، تذكرنا ان المؤسسات والهيكليات أمران أساسيان لتحقيق التوازن بين حاجات المجتمع لاقامة النظام وبين الحرية الفردية. فالحكومة المحدودة الصلاحيات تحصل على ما يخدمها في المفاهيم التي وضعها الرئيس الأميركي الرابع، جيمس ماديسون، مثل الفصل بين السلطات وعمليات المراجعات والتوازنات، التي تُمكن توزيع السلطة والصلاحيات الفعلية بين الفروع الثلاثة، التنفيذية والتشريعية والقضائية للحكومة.

4- الدستور يهدف جزئيا، من خلال الترضيات العملية، إلى إنشاء حكومة مركزية تملك القدرة الكافية، مع المحافظة على قدرة المواطنين في معالجة المسائل المحلية على المستوى المحلي. فنظام الحكم الفدرالي بأشكاله المختلفة، كتفويض السلطات، أي الاحتفاظ بحكومة للولاية وبحكومات محلية قابلة للحياة كما بهيكلية للحكومة الفدرالية، اثبت جاذبيته المتزايدة كأسلوب لتحقيق التوازن بين الحاجات القومية والمحلية في دول عديدة.

يعود نجاح المؤتمر الدستوري في العام 1787 إلى أسباب مختلفة. بغض النظر عن اختلافهم حول بعض المسائل المهمة، فقد تشاطر المندوبون شعورا مشتركاً بالهدف العام. اثبتوا أنهم قادرون على الترفع عن المصالح المحلية الضيقة لخدمة الصالح العام الأعظم. اثبتوا ان للقيادات دوراً بالغ الأهمية. كان ماديسون، عندما توجه إلى المؤتمر وهو يحمل معه أهدافا قومية، مستعداً لأن يتكيّف مع نتائج المؤتمر والدفاع بقوة عن الترتيب القومي جزئيا والفدرالي جزئياً.

نُسب إلى رئيس الوزراء البريطاني وليم غلادستون، الذي حكم بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر، على انه وصف دستور الولايات المتحدة بأنه "اكبر عمل رائع نفذه خلال أي وقت ما عقل الإنسان لغاية الإنسان."  فما من شك ان مندوبي مؤتمر فيلادلفيا أنتجوا إحدى الوثائق الأكثر استدامة وتأثيرا في التاريخ. وكما قال جون مارشال، رئيس قضاة المحكمة العليا الثالث، ان الدستور برهن على انه قابل للتكيف مع أعظم الأزمات التي واجهتها أعظم الدول. يتحدث العلماء أحياناً عن "اللحظات الدستورية"، تلك الأحداث التحفيزية التي ترسم الإطار الأساسي للكيان السياسي. فإذا وجدت مثل هذه "اللحظات الدستورية"، فمن المؤكد أن مؤتمر العام 1787 كان إحدى هذه اللحظات.

نهاية النص

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي