السلام والأمن | إقامة عالم أكثر استقراراً

07 أيار/مايو 2008

لاعبون جدد في الساحة: عبد القدير خان والسوق السوداء النووية

 

الكولونيل تشارلز د. لوتس

يقول الكولونيل في سلاح الطيران الأميركي تشارلز د. لوتس إن الأنظمة الراهنة للحد من انتشار الأسلحة "قد لا تكون ملائمة لمعالجة أمر التهديد المتزايد للانتشار غير الخاضع لسيطرة الدول" الذي  يجسده العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان. وهو يرى أن ذلك يعود إلى أن هذه الأنظمة تستند إلى معايير دولية متعارف عليها تستند بدورها إلى الافتراض بأن الحكومات هي الوحيدة القادرة على صنع أسلحة نووية.

ويقول لوتس، وهو كبير الزملاء العسكريين في معهد الدراسات الاستراتيجية القومية في جامعة الدفاع القومي بواشنطن العاصمة، إن حكومة الرئيس بوش، إدراكا منها لخطأ هذا الافتراض، بدأت تعتمد نهجاً ذي مسارين، هما مهاجمة العرض والطلب للمواد النووية.

في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2003 أوقفت زوارق تابعة لخفر السواحل الإيطالي سفينة شحن ترفع العلم الألماني متجهة نحو ليبيا اسمها بي. بي. سي. الصين. ووجدت السلطات لدى تفتيش السفينة أن على متنها أدوات أجهزة دقيقة وأنابيب مصنوعة من الألومنيوم ومضخات جزيئية وغيرها من عناصر بناء حوالي عشرة آلاف جهاز طرد مركزي للغاز مصممة لتخصيب اليورانيوم بمواصفات ضرورية لصنع سلاح نووي.

وتم تعقب هذه العناصر إلى شركة هندسية ماليزية تباع أسهمها في سوق الأسهم تعرف باسم شركة سكومي للهندسة الدقيقة. وقد صنعت شركة سكومي هذه القطع بطلب من مواطن من سريلانكا يدعى بهاري سيد أبو طاهر. ورتّب أبو طاهر، عن طريق شركة في دُبي يملكها ويستخدمها كواجهة، وهي شركة س. م. ب. لأجهزة الكمبيوتر، شحن القطع إلى ليبيا لاستخدامها في برنامج أسلحتها النووية السري.

وهكذا ضمنت السلطات الإيطالية عدم وصول هذه الشحنة إلى البلد المقصود إطلاقا. وكان الاستيلاء على حمولة السفينة بي. بي. سي. الصين حلقة رئيسية في سلسلة من الأحداث التي حملت الزعيم الليبي معمر القذافي على وقف نشاطاته السرية ونبذ برامجه الخاصة بأسلحة الدمار الشامل في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2003.

وعلى نفس القدر من الأهمية، كانت عملية اعتراض السفينة ومصادرة حمولتها الخيط الذي كشف شبكة نشر الأسلحة النووية التي كانت تعمل في الخفاء بإمرة رئيس أبو طاهر ومرشده، العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان. (ملاحظة: التفاصيل الواردة في هذا المقال حول عملية الاستيلاء على السفينة بي. بي. سي. الصين وحول شبكة خان مأخوذة  من مصادر منشورة، وبخاصة أنظر مقال بيل باول وتيم مكغيرك بعنوان "الرجل الذي باع القنبلة" في مجلة تايم بتاريخ 14 شباط/ فبراير 2005 صفحة 22 – 30. أنظر أيضاً مقال بارتون غيلمان ودافنا ليزنر بعنوان "خطر غير مسبوق يرغم على اتخاذ قرارات صعبة: الرئيس يواجه معركة متعددة الجبهات ضد تهديدات معروفة ومجهولة" في صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2004، صفحة أ1).

سوق نووية

إن الأب الروحي لبرنامج الأسلحة النووية الباكستانية عبد القدير خان شخصية شهيرة أسطورية في بلاده بفضل سنوات من العمل السري قضاها في صنع أول "قنبلة إسلامية" لمواجهة تهديد الهند، التي ما فتئت تنافس باكستان منذ فترة طويلة.  

وكان خان، كعالم يعمل مع شركة يورينكو الهولندية في فترة السبعينيات من القرن الماضي، قد اطّلع على مخططات تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، فسرقها وجلبها إلى باكستان عندما عاد إلى وطنه.

وقام رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك علي بوتو بتعيين خان رئيسا لبرنامج الأبحاث النووية الباكستاني، بهدف مواجهة الطموحات النووية الهندية عن طريق صنع سلاح نووي باكستاني. وبما أن خان كان يعمل على أمر مخالف لجميع مبادئ الحد من انتشار الأسلحة المتفق عليها في المجتمع الدولي، أرغم على السعي لتحقيق هذا الهدف بسرية تامة. إلا أن البنية التحتية العلمية والهندسية المحلية الباكستانية لم تكن متطورة بما فيه الكفاية لإنجاز هذه المهمة. لذا فعل خان ما يفعله أي صاحب مشروع تجاري مجتهد: أوكل مهمات لجهات خارجية.

وقد اكتسب خان ثقة شبكة من المورّدين والمصانع، الذين لم يدرك كثيرون منهم الهدف النهائي للمشروع العلمي الذي كان يتم تنفيذه في مختبرات أبحاث خان. إلا أنه بحلول عام 1998 لم يعد هناك أدنى مجال للشك. ولدهشة المجتمع الدولي، أكملت باكستان خمس تجارب نووية تحت سطح الأرض وانضمت إلى نادي النخبة الذي يضم الدول التي تملك أسلحة نووية.

ولم  تكن الحماسة الوطنية التي أحاطت بهذا الإنجاز إلا مجرد البداية بالنسبة لعبد القدير خان. فقد أدرك، وهو رجل الأعمال الذكي، وجود إمكانية لتحقيق الربح المالي بين شبكة مورّديه وبين سوق أسلحة نووية بدأت تنمو بسرعة. وكانت كوريا الشمالية وإيران والعراق وسوريا وليبيا على رأس قائمة الدول التي كانت تستطلع على الأقل مثل هذه الإمكانية.

وكشف تحقيق ما زال مستمراً أن شبكة خان لعبت دورا مهما، ابتداء من أوائل فترة التسعينات من القرن الماضي، في تطوير تكنولوجيا التخصيب الإيرانية والكورية الشمالية. وفي المقابل، يبدو أن كوريا الشمالية قدمت لباكستان التكنولوجيا المتعلقة بصواريخها البالستية.

ويواصل التحقيق في البرنامج الليبي جني ثروة استخباراتية غير متوقعة تكشف عن مدى تعاون خان مع الأنظمة المارقة في مختلف أنحاء العالم. وفي حين أن هناك نقاشاً واسعاً حول دور الحكومة الباكستانية فيما يتعلق بنشاطات خان، فإنه من غير المحتمل أن يكون المسؤولون في إسلام أباد قد كانوا على معرفة تامة بمدى نشاطات ونطاق شبكة خان.

وشبكة الراعين والمورّدين المزعومين لخان، التي يستمر الكشف عن أعضائها وتفاصيلها، مثيرة للغاية. فقد تضمن هذا التجمع التجاري الذي بدأ بتصميمات أجهزة الطرد المركزي المسروقة من هولندا ، والتي أُضيفت إليها تصميمات الأسلحة الصينية، مساعدة هندسية من بريطانيا؛ ومضخات تفريغ للهواء من ألمانيا؛ ومخارط من إسبانيا مخصصة لأغراض محددة، وأفراناً من إيطاليا؛ ومحركات نابذات مركزية ومحولات تردد من تركيا؛ وقطع تخصيب من جنوب إفريقيا وسويسرا؛ وألومنيوم من سنغافوره؛ وأجزاء من آلات الطرد المركزي من ماليزيا. وتم تنسيق كل ذلك من مركز إداري رئيسي في دبي.

ومن غير المرجح، رغم الأدلة المتزايدة، التوصل إلى معرفة الحقيقة الكاملة عن الشبكة التي وصفها مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، "بالسوبر ماركت النووي".

العرض دائما يلبي الطلب

لا تزال هناك أسئلة مقلقة شائكة معلقة، بعد أن فرضت الإقامة الجبرية على عبد القدير خان في باكستان مع عدم إتاحة استجوابه من قبل السلطات الغربية. ومن الواضح أن خان اجتمع مع  مسؤولين في عدد من الدول ذات الطموح النووي، وربما باعهم بعض الأجزاء الأساسية. وقد ربط التحقيق المستمر بين خان وبين البرامج النووية في العراق وإيران وكوريا الشمالية وليبيا. وعلاوة على ذلك، حدد? تقارير منشورة قيام خان بعقد اجتماعات مع زبائن محتملين في مصر والمملكة العربية السعودية والسودان وماليزيا والجزائر والكويت ومينمار وأبو ظبي. ومع اتساع انتشار هذه المعرفة والخبرة الخطرة تزداد فرصة تسلح الإرهابيين بقنبلة نووية.

ومن الواضح أن القاعدة ومنظماتها الفرعية تبحث في السوق عن أسلحة نووية. فمن جهة، تبدو مجموعة خان المنتشرة على نطاق واسع من رجال الصناعة المشبوهين والوسطاء البغيضين أخلاقياً والتجار غير المشروعين، المورّد المثالي لتلبية طلب الإرهابيين للأسلحة النووية. وتعكس هذه الشبكة المرتبطة ارتباطا فضفاضا بنيانا خلويا يفضله الإرهابيون المنتمون إلى تنظيم القاعدة. فهذه الهيكلية تسهل التعاملات السرية التي يصعب تعقبها نسبيا بين أولئك الراغبين في القيام بأعمال عنف كارثية.

 تقول التقارير إن هذا المبني الذي يقع في ألماتي بقازاخستان، والذي صُور في 18 شباط/ فبراير 2004 يضم مكتباً لشركة س. م. ب. لأجهزة الكمبيوتر، وهي شركة تقع في دبي وترتبط بسوق سوداء عالمية للمواد النووية. وقال الرئيس جورج دبليو. بوش في خطاب ألقاه في 11 شباط/ فبراير 2004 "إن رجلا يدعى ب. س. أ ( بهاري سيد أبو طاهر) أدار شركة س. م. ب. لأجهزة الكمبيوتر... كواجهة لنشاطات نشر الأسلحة النووية التي كانت تمارسها شبكة عبد القدير خان". (سريك كوفلانباييف، أسوشييتد برس وايد وورلد فوتوز)

ومن الجهة الأخرى، من المهم عند أخذ الصلة الإرهابية بعين الاعتبار النظر إلى المواد التي عرضها خان وزمرته للبيع. فقد قام خان أساسا بتأمين الأجهزة واللوازم الضرورية لبرنامج دولة نووي: قطع وتصميمات لأجهزة الطرد المركزي، وتصميمات أسلحة، وخبرة فنية. وليست هناك أي تقارير منشورة عن تعامل خان بالمواد القابلة للانشطار نفسها، وهي الناتج النهائي لعملية التخصيب التي تزود السلاح النووي بالوقود.

ويفترض أن الإرهابيين يفضلون شراء سلاح جاهز، أو على الأقل المواد القابلة للانشطار، حيث أنه من غير المحتمل أن تتوفر لديهم القدرة أو الصبر الكافي لتطوير بنية تحتية لبرنامج نووي. لذا فإن التعامل مع خان بالنسبة للإرهابي سيكون بمثابة طلب كلاشينكوف مع طلقات والحصول عوضا عن ذلك على فولاذ وقوالب معدنية وكتيب تعليمات يتعلق بالتصنيع.

ورغم حجم الأضرار التي ربما تكون السوق السوداء قد سببتها في نقل كوريا الشمالية وإيران خطوات تقرّبها من الدخول في عضوية النادي النووي، فإن الخطر الحالي يكمن في كيفية تكيف شبكة المورّدين بعد أن فقد خان زمام القيادة.

ومع أن الرئيس بوش ذكر أن شبكة خان قد أُوقفت عن العمل فإنه من المحتمل أن يكون بعض أجزائها قد عمد فقط إلى مجرد الاختفاء بشكل أفضل. وفي حين أنه من غير المحتمل أن تمارس مختبرات أبحاث خان مزيدا من النشاط في السوق السوداء، فإننا لا نعرف ما سيحدث لشركائها.

فكما تقوم الشبكات الإرهابية بالتكيف وإعادة تكوين بنيتها، يمكن لشبة المورّدين أن تفعل الشيء ذاته. وستكون السلعة المهيمنة هي قاعدة المعرفة والخبرة الموجودة في نقاط التوريد الباقية. وقد تتوحد شبكة جديدة من العلماء والمهندسين النوويين حول السوق الإرهابية بعد حرمانها من القدرة على الوصول إلى سوق الدول المارقة التي وفرها خان.

وتتضاعف خطورة إمكانية وصول الأسلحة النووية إلى الإرهابيين إلى الحد الذي قد يتمكن فيه هؤلاء الانتهازيون من الحصول على المواد القابلة للانشطار أو حتى على السلاح الجاهز. ولسوء الحظ، يكون الغرض من امتلاك سلاح نووي في حالة العناصر الإرهابية، خلافا للدول،غرضاً واحداً لا غير على الأرجح: تفجيره ليشكل سحابة انفجار نووي بادية للعيان.

من الاتفاقيات التعاونية إلى العمل التعاوني

قد تكون أنظمة الحد من انتشار الأسلحة النووية الحالية غير ملائمة لمعالجة أمر التهديد المتعاظم بانتشارها إلى جهات غير دول كما يتجسد في شبكة خان للتهريب النووي. فالمبادئ الدولية، التي تشكل أساس هذه الأنظمة، تقوم على أساس الافتراض بأن الدول هي الوحيدة التي تملك الموارد الضرورية لتطوير أسلحة نووية.

ويشير مثال خان، عند النظر إليه عبر مجموعة جديدة من الافتراضات في عالم ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر، إلى أن هذا الافتراض الأساسي غير سليم. ولهذا السبب، بدأت حكومة الرئيس بوش حثّ المجتمع الدولي على التحرك من موقف الاتفاقيات التعاونية إلى موقف العمل التعاوني.

وتبعا لذلك، طورت الولايات المتحدة وشركاؤها أسلوبا يتميز بمشاركة استباقية فاعلة بشكل أكبر لمعالجة جانبي المشكلة. فللحدّ من الطلب، تسعى الحرب على الإرهاب إلى هزيمة الجماعات الإرهابية في الأمد القصير، مع تقويض إيديولوجيا الإرهاب ودعمه في الأمد الطويل. وبالنسبة للدول المارقة، يهدف الضغط الدبلوماسي الدولي المدعوم بالتهديد باستخدام القوة ضد الدول المارقة إلى عزل الأنظمة الخارجة على القانون. وتظهر تجربة العراق التحديات التي تواجه هذه السياسة عندما تتم بتوافق دولي محدود فقط.

أما على جبهة العرض، فيتم في الوقت الحاضر تطبيق أسلوبين. الأول هو جمع الكميات المحدودة نسبيا من المواد القابلة للانشطار.  وقد توسعت أساليب الحد من التهديد المطبقة على دول الاتحاد السوفييتي السابق وأصبحت تمارس على نطاق عالمي عن طريق مبادرة مجموعة الثماني لتقليص التهديد العالمي. وتمثل اتفاقية حديثة بين الولايات المتحدة وروسيا لتعزيز التعاون في مقاومة الإرهاب النووي مثالا آخر على ذلك. 

ويتجسد الأسلوب الثاني في مبادرة أمن انتشار أسلحة الدمار الشامل، التي تتعاون الحكومات المشاركة فيها بموجبها على اعتراض ومصادرة شحنات القطع والمواد اللازمة لصنع أسلحة الدمار الشامل. ويعكس الشعار القائل بأن المبادرة "نشاط وليس منظمة" التحول في النموذج نحو العمل التعاوني. وكان التعاون وفقا لمبادئ هذه المبادرة هو الذي أدى إلى اعتراض السفينة بي. بي. سي. الصين وكشف وتفكيك شبكة خان.

إلا أن نشاطات السوق السوداء التي مارسها عبد القدير خان قد تكون مجرد قمة جبل الجليد. فطالما ظل هناك طلب كبير على القدرة النووية طالما ظل المورّدون يحاولون إيجاد السبل لتلبيته. ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحلى بالمرونة في أساليبه من أجل مواجهة الطبيعة دائمة التغير لشبكة المورّدين النووية. وهذا التحول من الاتفاقيات التعاونية إلى العمل التعاوني للحد من الطلب والعرض على حد سواء عنصر ضروري للنجاح.

التدرب على مبادرة أمن انتشار أسلحة الدمار الشامل. قوات دولية تتدرب على أساليب الاعتراض. الصورة في الأعلى: قوات عمليات خاصة إسبانية تفتش بحارا بعد الصعود إلى ظهر السفينة يو. إس. إن. إس. ساترن خلال  مناورات سي سيبر 2004 بمشاركة 15 دولة في 17 كانون الثاني/يناير 2004. الصورة في الوسط: مفتشون من دائرة الشرطة القومية اليابانية يرتدون ألبسة واقية لتحليل مواد محملة في حاوية خلال تدريب على ضبط الصادرات في طوكيو في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2004. الصورة في الأسفل: رجال إطفاء إيطاليون يرتدون ملابس واقية من مواد التلوث الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية يعلقون لافتات تحذيرية حول حاوية يشتبه في أنها تنقل أسلحة دمار شامل أثناء مناورات كليفر سينتينيل 2004 في 22 نيسان/ إبريل 2004 في صقليه.

* إن الآراء الواردة في هذا المقال هي أراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة آراء جامعة الدفاع القومي أو سلاح الطيران الأميركي أو الحكومة الأميركية.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي