مواطنون لهم حرية التعبير | الديمقراطية في العالم

14 أيار/مايو 2008

حكومات وشركات تُعيق التعبير الحر على الإنترنت

 

بقلم إريكا رزّوق

يتيح تنوع وسائل الإعلام والتحسن في تكنولوجيا المعلومات للناس الاطلاع على مجموعة أكبر من الأفكار المتباينة. لكن بعض الحكومات تريد التحكم بالأفكار، وتحاول حرمان مواطنيها من الوصول إليها. وتعكف منظمة العفو الدولية(آمنستي إنترناشنال)، وهي منظمة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، حالياً على العمل للتصدي لإجراءات تلك الحكومات القمعية ومقاومتها.

إريكا رزوق زميلة مختصة بالقانون لدى برنامج مؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان، التابع لمنظمة العفو الدولية في  الولايات المتحدة الأميركية، ومقرها الرئيسي في مدينة نيويورك.

هناك عملية بسيطة للغاية، توضح طول باع الرقابة على الإنترنت. ابحث عن “Tiananmen Square” )ساحة تيانانمن( على موقع www.google.cn (موقع غوغل الصيني الذي يفرض رقابة ذاتية على نفسه)، ثم قم بنفس عملية البحث على موقع غوغل www.google.com (الموقع الرئيسي القائم في الولايات المتحدة).

إن النتائج مختلفة بشكل لافت للنظر. فعلى موقع غوغل الصيني  google.cn، تصف كل النتائج الموقع الجغرافي للساحة وتخلو تماماً بشكل فاضح من أي ذكر لمجزرة الطلاب في العام 1989، وهو الحدث الذي يوصف في نتائج البحث المدرجة في المراتب الأولى (دليلاً على مدى ارتباطها بالموضوع الذي يتم البحث عنه) على موقع غوغل الأميركي google.com. ولا ينفرد غوغل وحده في هذا الأمر.  فشركات مثل مايكروسوفت، وياهوو!، وبايدو، وغيرها من شركات الإنترنت العاملة في الصين، سواء كان مقرها في الولايات المتحدة أو الصين، تنخَل أو تصفي نتائج البحث على الإنترنت بدقة تنفيذاً لأوامر الحكومة الصينية.

وفي هذه الفترة التي نتلقى فيها هذا القدر الكبير جداً من المعلومات والمعرفة عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الجديدة، يثبت هذا الإسقاط الصارخ الواضح جداً للأحداث التاريخية، وللمعلومات المتعلقة بالأحداث الراهنة التي توفرها وكالات الأنباء والحكومات الديمقراطية والمرّبون ومنظمات حقوق الإنسان، وجود هجوم واسع النطاق على حرية الكلام والتعبير. والأمر الأكثر إثارة للقلق من رؤية الحكومات تقمع حرية الكلام، هو إدراك كون شركات، وشركات أميركية في أحيان كثيرة، تساعدها على القيام بذلك.

تقارير من الصين

أصدرت منظمة العفو الدولية أول تقرير لها حول مسألة قمع حرية التعبير والإعلام على الإنترنت في الصين في تشرين الثاني/نوفمبر 2002. ففي التقرير الذي حمل عنوان، رقابة الدولة على الإنترنت في الصين، أشارت منظمة العفو الدولية إلى عدة شركات أميركية، مثل سيسكو سيستمز، ومايكروسوفت، ونورتل نتواركس، وويب سنس، وصن مايكروسيستمز، بوصفها شركات زودت، حسب ما أفادت التقارير، الحكومة الصينية بالتكنولوجيا اللازمة لفرض الرقابة على الإنترنت والتحكم باستعمالها. وإثر نشر هذا التقرير، رفضت عدة شركات هذه الاتهامات بأنها قد تكون مساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان في الصين. فقد أنكرت شركة سيسكو سيستمز أنها تعدل منتجاتها طبقاً لما ترغب فيه الحكومة للسوق الصينية،  وقالت، "إذا كانت حكومة الصين راغبة في مراقبة الإنترنت، فهذا شأنها. أمّا نحن فإننا حياديون أساساً في ما يتعلق بالسياسية." وقالت مايكروسوفت إنها "تركز اهتمامها على تسليم أفضل التكنولوجيا للناس في جميع أنحاء العالم." ولكنها "لا تستطيع التحكم في طريقة الاستعمال النهائي لهذه التكنولوجيا."

وأعطتنا مثل هذه الردود لمحة مُبكرة عن المناورات والتحذلق والفذلكة اللفظية المغيظة  التي أصبحت السمة المميزة لكيفية رد شركات التكنولوجيا الأميركية عند مواجهتها بكونها متواطئة مع حكومات قمعية. وقد امتثلت عدة شركات بشكل كامل تماماً لطلبات عدة حكومات بأن تؤمن لها بصورة مباشرة ونشطة الخدمات اللازمة لمراقبة البريد الإلكتروني، ومدونات الإنترنت، وفرض الرقابة على محتوى مواقع الإنترنت، وتصفية نتائج عمليات البحث على الإنترنت. ورغم كون خطاب هذه الشركات العام حول حقوق الإنسان أصبح أكثر ذكاء في استخدام الكلمات المنطوية على اختلاف لا يكاد يلاحظ في المعنى، إلا أنها ما زالت مستمرة في الامتثال للإجراءات التعسفية التي تمارسها الحكومات التي تستغل التكنولوجيا لقمع حرية التعبير.

وفي تموز/يوليو 2006، نشرت منظمة العفو الدولية بحثاً جديداً حول دور شركات الإنترنت الأميركية، وذلك في تقريرها الذي حمل العنوان،  "تقويض حرية التعبير في الصين." وقد ركز التقرير على تعاون شركات مثل ياهوو!، ومايكروسوفت، وغوغل في مجال التصفية التي تقوم بها الحكومة الصينية لمحركات البحث على الإنترنت، والبريد الإلكتروني، ومجال فرض الرقابة على محتويات المواقع والمدونات الإلكترونية.

ووصف التقرير كيف تقوم شركة مايكروسوفت، على سبيل المثال، بتصفية نتائج محركات البحث على الإنترنت لتنتج فقط ما توافق عليه الحكومة الصينية. وبالإضافة إلى ذلك،  رفضت مايكروسوفت منح مستعملي خدمة المدونات إم إس إن سباسيز (MSN Spaces) القدرة على الكتابة حول مواضيع معينة أو إعطاءها عناوين معينة تعتبر غير مقبولة من جانب الحكومة الصينية، مثل "فالون غونغ" (Falun Gong)، و"استقلال التيبت"

 (Tibet Independence)، و"4 حزيران/يونيو (June 4) (تاريخ حصول مجزرة ساحة تيانانمن). وكان الصحافي والمدون الصيني جاو جينغ (المعروف أيضاً باسم مايكل أنتي)، الناشط في انتقاد الرقابة في الصين، ينشر مدونته على خدمة مدونات إم إس إن سبايسيز. لكن مايكروسوفت أغلقت مدونة جاو هذه في كانون الأول/ديسمبر 2005، عقب تلقيها على ما يبدو طلباً للقيام بذلك من السلطات الصينية.

وأصدرت الحكومة الصينية، في تحرّك آخر لاتخاذ إجراءات صارمة ضد حرية الكلام، حكماً على الصحافي شي تاو بالسجن مدة عشر سنوات لإرساله بريداً إلكترونياً عبر حسابه في خدمة ياهوو! إلى موقع على الإنترنت في الولايات المتحدة مناصر للديمقراطية. وقد تضمنت الرسالة الإلكترونية معلومات كانت دائرة الدعاية المركزية الصينية قد أرسلتها إلى الصحيفة التي كان يعمل فيها شي تاو. وكان الأمر الذي مكن الحكومة من مقاضاة شي تاو والحكم عليه هو تقديم شركة ياهوو! معلومات شخصية عن صاحب الحساب هذا إلى الحكومة الصينية. وفي حين أن ياهوو! ادّعت وشهدت أمام الكونغرس الأميركي بأنها لم تكن تعرف شيئاً حول "طبيعة التحقيق" الذي جرى في قضية شي تاو، أظهرت وثائق الطلب الحكومي التي تم نشرها عكس ذلك.

وقد مثل مسؤولون من شركة ياهوو! أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي في تشرين الثاني/نوفمبر 2007 للرد على التهمة بأن الشركة كانت تعرف بأنها تمتثل لطلب غير عادل لتسلم معلومات عن شي تاو. واتهم النائب توم لانتوس، رئيس اللجنة، ياهوو! أيضاً بأنها كذبت على الكونغرس عندما أكدت أنها لم تكن تعرف شيئاً عن طبيعة الطلب. وبعد أن عبّر أعضاء اللجنة من الحزبين عن حزمهم ، عبر أسئلتهم المنتقدة وشجبهم لتجاوب ياهوو! مع الطلبات التي تلقتها من مكتب أمن الدولة في بيجينغ، وعن عدم استعدادها للتعويض على عائلات الضحايا، وصف لانتوس رئيس الشركة التنفيذي ومستشارها القانوني بأنهما "قزمان" من الناحية الأخلاقية ووصف أداءهما بأنه "مُخيب للآمال إلى حدّ مرعب."

بعد عشرة أيام من جلسة الاستماع هذه، سوّت شركة ياهوو! مع عائلة شي تاو وصحفي صيني سجين آخر دعوى كانتا قد رفعتاها ضدها. وقد سعى الصحفيان في الدعوى إلى إثبات كون فرع شركة ياهوو! الذي يتخذ من هونغ كونغ مقراً له مسؤولاً عن سجنهما. وفي حين أنكرت الشركة مسؤوليتها إلا أنها وافقت على دفع مبلغ لم يُكشف عن مقداره للمدعين. (أنظر التعليق الجانبي التالي، "مأزق صناعة الإعلام").

وخلال الفترة التي انقضت بين التحقيق الأوّلي الذي أجراه الكونغرس في شباط/فبراير 2006، وأحدث جلسات المساءلة والاستماع التي عُقدت في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، انضمت شركات ياهوو!، ومايكروسوفت، وغوغل، وغيرها من شركات الإنترنت والاتصالات إلى مبادرة تشارك فيها عدة منظمات حقوق إنسان، من ضمنها منظمة العفو الدولية، تهدف إلى التوصل إلى وضع معايير طوعية تتقيد بها صناعة الإعلام في مجالي حرية التعبير والخصوصية الشخصية. ولكن ياهو! (إلى جانب مايكروسوفت وبعض الشركات الصينية) وقعت  تعهداً آخر في الصين ينص على ممارسة الانضباط الذاتي ويشكل اعتداء إضافياً على حق المستعملين في التعبير عن معارضتهم السياسية عبر الإنترنت، مما يتناقض بوضوح مع المبادرة.

وقد نشرت المنظمة غير الحكومية للدفاع عن الصحافة، "مراسلون بلا حدود" (التي تعرف أيضاً باسم صحفيون بلا حدود)، تفاصيل الاتفاق الذي وافقت الشركات بموجبه على تسجيل الأسماء الحقيقية للمدونين والاحتفاظ بها وعلى مراقبة وحذف محتويات المدونات "غير القانونية" (قالت شركتا ياهوو! ومايكروسوفت إنهما لن تطبقا شرط تزويد الاسم الحقيقي "للمدونة". ولكن، نظراً لسجلهما في ما يتعلق بالإذعان للطلبات الصينية المتعلقة بإزالة محتوى المدونات وتزويدها بالمعلومات الشخصية حول أصحاب حسابات البريد الإلكتروني لديهما، فإن توقيعهما على هذا التعهد ليس مشجعا). والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن ياهوو! لم تكن قادرة على الإثبات للكونغرس وإقناعه بأن ما حدث لتشي تاو لن يحدث مرة أخرى إطلاقا.

قيود مفروضة في أماكن أخرى

غير أن الصين ليست طبعاً الدولة الوحيدة التي تتخذ إجراءات تقيد حرية الكلام على الإنترنت أو عبر الشبكة. ففي فيتنام، حيث قيّدت قوانين سُنت أخيراً حرية التعبير على الإنترنت، يقبع الآن نغوين فو بينه في السجن بعد أن حكم عليه بالسجن سبع سنوات لنشره  انتقاداً، نشر بعضه على الإنترنت، حول الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. كما أُلقي القبض على ترونغ كيوك هوي في مقهى للإنترنت في مدينة هوشي منه؛ ولا يعرف مكان وجوده الآن، كما أنه لم يتم توجيه أي اتهامات علنية إليه.

كما أفادت التقارير الصحفية بأن الحكومة العسكرية البورمية تقوم بحملة تخويف ضد شعبها، إذ تحتجز الآلاف من الرهبان والمدنيين في ظروف رثّة وقذرة للغاية، وتقوم بضربهم وترويعهم وترويع عائلاتهم-  حتى الأطفال الصغار والذين كانوا مجرد متفرجين غير مشاركين في مظاهرات أيلول/سبتمبر السلمية.

ولم يتم قمع المعارضين السياسيين البورميين في الشوارع فقط بل وعلى الإنترنت أيضا. فما فتئت السلطات تمارس منذ سنوات طويلة عملية واسعة من الرقابة والتصفية والحذف للمعلومات على الإنترنت. ولعل جهود فرض الرقابة وصلت ذروتها في 29 أيلول/سبتمبر 2007، عندما قامت الطغمة العسكرية الحاكمة في بورما بوضع حد لأي إمكانية للحصول على خط إنترنت أو استعمال الإنترنت وأوقفت، حسب ما ذكرت التقارير الصحفية، أعمال معظم شركات خدمات الهاتف الخليوي، بعد أن بدأ بث تقارير شهود العيان والصور وأفلام الفيديو التي تظهر انتهاكات الحكومة الهائلة لحقوق الإنسان إلى مختلف أنحاء العالم عبر المدونات والوسائل الإعلامية الأخرى المرتبطة بالإنترنت.

وتظهر الاحتجاجات السياسية في بورما والرد الحكومي عليها، ابتداءً من آب/أغسطس وحتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2007، قدرة الإنترنت على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى أن تكون أيضاً أداة في يد أنظمة الحكم القمعية لتنفيذ مرامها في الحد من قدرة مواطنيها على الاتصال مع العالم.

وهذه الازدواجية المتناقضة في قدرات الإنترنت بالذات هي التي أدت إلى ظهور موقع "غير قابل للكبح"، )http://irrepressible.info/(، وهو حملة مقرها موقع على الإنترنت تهدف إلى تسخير تكنولوجيا الإنترنت في إنهاء الرقابة. وتُشكِّل شبكة الإنترنت أداة لا مثيل لها للتعبير الحر رغم الجهود المتنامية للتحكم بها وفرض الرقابة عليها ولمقاضاة وسجن الأشخاص الذين ينتقدون حكوماتهم على الإنترنت ويطالبون بالديمقراطية وحرية الصحافة، وصيانة حقوق الإنسان. وقد قام موقع "غير قابل للكبح" irrepressible.org، الذي أنشأته منظمة العفو الدولية ودعمته صحيفة الأوبزرفر الصادرة في المملكة المتحدة ومبادرة الشبكة المفتوحة (OpenNet)، بنشر أخبار عمليات القمع التي تجري في أي مكان في العالم، في دول بينها بورما والصين وفيتنام وتونس وإيران والمملكة العربية السعودية وسوريا.

ويشجع الموقع المذكور الناس على نشر "نتف"، أو قطع مجزأة، من محتويات الأخبار التي ستُخضع للرقابة والحذف من قبل الحكومات والشركات المتعاونة معها في حال نشرها متكاملة. كما يطلب الموقع من الناس التعهد بإلزام أنفسهم بدعوة الحكومات إلى إنهاء القيود غير المبررة على حرية التعبير على الإنترنت، ودعوة الشركات إلى التوقف عن مساعدتها في القيام بذلك. وقد أصبح هذا الموقع بمثابة مستودع للأخبار المتعلقة بجميع نواحي فرض الرقابة على الإنترنت.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، 2006، قدمت منظمة العفو الدولية تواقيع 50 ألف شخص التزموا بتعهد "غير قابل للكبح" إلى رئيس "منتدى حاكمية الإنترنت (IGF) التابع للأمم المتحدة." ويقوم في هذه الأثناء آلاف بإلزام أنفسهم بالتعهد، وسوف تستمر منظمة العفو الدولية في العمل في سبيل تحقيق حرية التعبير على الإنترنت وصيانتها من خلال أطر عمل دولية، مثل منتدى حاكمية الإنترنت، ومن خلال دعم الجهود التشريعية المحلية لضمان عدم مشاركة شركات أميركية في عملية المنع غير المبرر للكلام والتعبير العلني السلمي عن الأفكار عبر الإنترنت.

ويتطلع مؤيدو حرية التعبير على الإنترنت إلى اليوم الذي تحول فيه الحكومات والشركات هذه المقالة والهواجس التي تناولتها إلى مسألة تجاوزها الزمن. وإنني أحثّ القارئ على إجراء تجربة البحث على الإنترنت الواردة في الفقرة الأولى من المقال في المستقبل. وآمل أن تجد أن الاختلاف في نتائج البحث الذي وصفناه سابقاً قد اختفى ولم يعد له وجود وأن بإمكان كل شخص إلقاء نظرة على العالم وما يجري فيه دون أن يحجب أي أمر عنه. ومقياس تحقيقنا للإنجازات هو أنه كلما أصبحت هذه المقالة قديمة ولّى زمنها وكلما تضاءلت أهمية موقع irrespressible.info وأصبح غير ذي صلة بالوضع، كلما نكون قد نجحنا في تحقيق إنجازنا الجماعي.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسات الحكومة الأميركية.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي