مواطنون لهم حرية التعبير | الديمقراطية في العالم

14 أيار/مايو 2008

وسائل الإعلام الجديدة والميدان السياسي في الولايات المتحدة

 

بقلم توماس ب. إدسال

أخذت التكنولوجيات الجديدة وأمهر مستخدميها وأكثرهم فهماً لكيفية الاستفادة منها يتركون بصماتهم على العديد من الحملات الانتخابية الأميركية، إذ يكشفون هفوات المرشحين ويعززون حملات جمع الأموال ويعيدون تشكيل الدورة الإخبارية.

توماس ب. إدسال هو أستاذ كرسي جوزف بوليتزر الثاني وإيدث بوليتزر مور لتغطية  أنباء الشؤون القومية، في كلية الدراسات العليا للصحافة في جامعة كولومبيا، في مدينة نيويورك. وقد غطى الأخبار السياسية الأميركية لمدة 25 عاماً في صحيفة الواشنطن بوست، ويعمل حالياً مراسلاً لمجلة نيو ريبابليك، ومحرراً مشاركا في مجلة ناشونال جورنال، كما يشغل منصب المحرر السياسي لمجلة هافينغتون  بوست، وهي مطبوعة تصدر على شبكة الإنترنت.

أحدثت الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) التي تغطي جميع أنحاء العالم وما رافقها من ازدياد هائل مفاجئ في عدد "وسائل الإعلام الجديدة" ثورة في الميدان السياسي الأميركي في أربعة مجالات على الأقل، مستحدثة: 1) أساليب مبتكرة للوصول إلى الناخبين، 2) نظاماً إخبارياًً مختلفاً بصورة جوهرية، 3) تدفقاً غير مسبوق للتبرعات من المانحين الصغار، و4) مجموعات مصالح تم تمكينها حديثاً تنتمي إلى اليمين واليسار السياسيين. 

وعلى المستوى الأكثر وضوحاً للعيان، أطلق عدة مرشحين للرئاسة حملاتهم الرسمية في العام 2007 من خلال الإعلان عن نيتهم التنافس لنيل الترشيح على الإنترنت، وهي طريقة تختلف جذرياً عن التقليد الذي كان يتبع في الماضي إذ يعلن من يود ترشيح نفسه قراره أمام الجماهير المحلية، عادة في مدينته.

وقد استخدمت عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية هيلاري كلينتون، على سبيل المثال، فيديو الإنترنت للإعلان عن تشكيل لجنتها  الاستطلاعية، وهو نبأ رئيسي، وظهرت في الفيديو جالسة على أريكة في حجرة جلوس منزلها في شاباكوا، إحدى ضواحي مدينة نيويورك.

وخاطبت كلينتون المشاهدين قائلة "دعونا نتكلم، دعونا نتحادث، دعونا نبدأ حواراً حول أفكاركم وأفكاري. وفي حين أنني لا أستطيع زيارة حجرة جلوس كل واحد منكم، لكن يمكنني المحاولة. وببعض المساعدة من التكنولوجيا الحديثة، سوف أجري محادثات مباشرة حية على فيديو الإنترنت هذا الأسبوع، ابتداءً من يوم الاثنين. فلتبدأ التحدث إذن."

وتعود هذه التكنولوجيا على المرشح بفوائد وفيرة. فالإعلان عبر الإنترنت، أمر يمكن للمسؤولين عن الحملة الانتخابية التحكم به تماماً على عكس أي نشاط عام يمكن للصحافة أن تطرح فيه الأسئلة. كما يمكن إعادة تصويره مرة تلوَ الأخرى إلى أن يصبح خالياً من كافة العيوب، وفي نفس الوقت يوفر للمشاهدين شعوراً بالألفة والعفوية.

الفرص والأخطار غير المتوقعة

لا يوفر الكثير من الابتكارات التكنولوجية الأخرى التي تقوم عليها وسائل الإعلام الجديدة مثل هذه الفوائد للحملات الانتخابية. والواقع هو أنها أوجدت مجموعة جديدة كاملة من الأخطار المحتملة غير المتوقعة التي يمكن أن تؤدي إلى التعثر.

فالمرشحون يتعرضون اليوم، في كل مرة يظهرون فيها أمام الناس، لمراقبة مستمرة من قبل موظفي حملات خصومهم السياسيين ومناصريهم، المجهزين بكاميرات رقمية صغيرة وأجهزة تسجيل سهلة الاستعمال.

ففي العام 2006 هزم السناتور جورج ألن، الجمهوري من ولاية فيرجينيا، الذي كانت التوقعات ترشحه بشدة للفوز  بإعادة انتخابه، أمام الديمقراطي جيمس ويب. وكان سبب الهزيمة أن حملته تضررت  بصورة غير قابلة للإصلاح بعد أن سخِر من أحد موظفي ويبّ الذي كان يلتقط صوراً له، حين قال: "هذا الشخص هنا، الذي يرتدي القميص الأصفر، ماكاكا، أو مهما يكن اسمه. انه يعمل مع خصمي. يتبعنا في كل مكان نذهب إليه... دعونا نرحب بماكاكا هنا. أهلاً بك في أميركا وفي العالم الحقيقي لولاية فرجينيا". وتعتبر كلمة ماكاكا في بعض الثقافات الأوروبية كلمة ازدراء تستخدم لوصف لوصف المهاجرين الأفارقة. 

وتحول شريط الفيديو، الذي أطلق عليه اسم ماكاكا، إلى حدث كبير في الحملة، وشوهد مئات آلاف المرات على موقع يوتيوب، وهو موقع فيديو على الإنترنت يمكن للجميع الاطلاع على فحواه، وعُرض مراراً وتكراراًً على شاشات التلفزيون المحلية والقومية.

ومن المتنافسين على الفوز بترشيح حزبهم لهم للرئاسة الذين استفادوا كثيراً من تكنولوجيا شبكة الإنترنت الجديدة، النائب الجمهوري من ولاية تكساس رون بول،  ففي حين أن احتمال فوزه بترشيح الحزب الجمهوري له للرئاسة في عام 2008 ما زال، في أفضل الحالات، بعيداً جداً، إلا أن مبادئه المنادية بحق الفرد في التمتع بحرية التصرف بشخصه وممتلكاته أكسبته الكثير من المؤيدين على الإنترنت حيث يحظى   بشعبية كبيرة في مواقع مثل "ماي سبيس" و "يوتيوب".

وقد عادت الإنترنت بفائدة كبيرة على رون بول إذ ساعدته على جمع مبلغ 5.3 مليون دولار خلال الربع الثالث من العام 2007، وهو مبلغ يساوي تقريباً ما جمعه السناتور المعروف أكثر بكثير جون مكين، الجمهوري من ولاية أريزونا، الذي جمع مبلغ 5.7 مليون دولار.

وهناك ثلاثة استعمالات أخرى جديدة تماماً لم يسبق اعتمادها في وسائل الإعلام الجديدة أثرت فعلاً حتى الآن في الانتخابات الرئاسية للعام 2008. ففي إحدى الوسائل، قام أحد المساعدين في حملة السناتور باراك أوباما، الديمقراطي من إلينوي- وكان يعمل بصورة غير رسمية-باقتباس إعلان لشركة أبل (Apple) للكمبيوتر تشّبه فيه دور مايكروسوفت المهيمن بنظام الحكم الديكتاتوري الموصوف في رواية جورج أورويل، 1984،  وحوّل ذلك الإعلان إلى إعلان يصور هيلاري كلينتون كديكتاتور يتمتع بكامل السلطات.

وقد نأت حملة أوباما بنفسها عن الإعلان، واستقال المساعد، إلا أنه تمت مشاهدة الإعلان الكاذب مئة حوالى مليون مرة على موقع يو تيوب مما سبب إزعاجاً كبيراً لهيلاري كلينتون.

وقد شعر أوباما بدوره بالحرج نتيجة فيلم فيديو أُنتج بصورة مستقلة وعُرض على موقع يوتيوب، وعُرف باسم فيلم "فتاة أوباما". وتظ?ر في الفيلم الممثلة وعارضة الأزياء، آمبر لي إتينغر، تحرك شفتيها وكأنها  تغني أغنية تقول "أنا مولعة... بأوباما" أثناء الرقص بإغراء.

وكان الضرر الذي ألحقه فيلم الفيديو هذا بحملة أوباما أقل بكثير من الضرر الذي ألحقه فيلم سجل سراً، وعرض أيضاً على يوتيوب، يظهر المرشح الرئاسي الديمقراطي جون إدواردز أثناء عملية الماكياج قبل ظهوره على التلفزيون. فقد ظهر إدواردز وهو يقوم، على أنغام موسيقى كلمات أغنية أُخذت من المسرحية الغنائية التي حولت إلى فيلم أيضاً، وست سايد ستوري، وهو يكرر تمشيط ونفش وترتيب شعره عدة مرات. أما كلمات الأغنية التي استعملت كموسيقى خلفية فتغنيها البطلة وتقول: "أشعر بأنني جميلة، آه جميلة للغاية، آه جميلة وظريفة للغاية هذه الليلة..."

إن التوزيع الواسع على الإنترنت لمثل هذه الأفلام لم يكن ممكناً من الوجهة التقنية في العام 2004.

تأثيرات أقل لفتاً للنظر

حدثت أيضاً، في نفس الوقت، مجموعة من التطورات الأصعب ملاحظة وأقل لفتاً للنظر التي نجمت  عن توسع قدرات وسائل الإعلام الجديدة. تشمل هذه التطورات:

أصبحت الإنترنت وسيلة لحشد اليسار المناهض للحرب كمجموعة مصلحة خاصة ديمقراطية لها تأثيرها ويتعين الآن على جميع المرشحين وقادة الكونغرس معاملتها باحترام وبمراعاة خاصة.

تشكل مواقع على الإنترنت مثل “OpenLeft”، و“Atrios”، و”DailyKos”، مع مجموعة من المدونين الذين يقدمون التقارير إلى هذه المواقع ومواقع أخرى، مجموعة ناخبين يسعى المرشحون الديمقراطيون إلى عدم إغضابها. بل على العكس من ذلك، يجري الكثير من المرشحين وكبار موظفيهم اتصالات جماعية منتظمة بمجتمع المدونين اليساريين ويسعون إلى تأمين أفضل تغطية ممكنة لأنفسهم.

نجاح المرشح الرئاسي الديمقراطي هوارد دين في العام 2004 في جمع مبالغ كبيرة من الأموال من الكثير من المتبرعين بمبالغ ضئيلة عبر وصلات بطاقات ائتمان على الإنترنت، كرره الآن جميع المرشحين الديمقراطيين الرئيسيين لانتخابات عام 2008، كما حققه أيضاً إلى حد أقل، ولكنه مهم، المرشحون الجمهوريون. وكانت إحدى النتائج التي أدى إليها ذلك زيادة عدد المتبرعين بمبالغ ضئيلة شكل كبير وتقليص متوسط حجم المساهمات. وبالنسبة لباراك أوباما، بوجه خاص، جعل هذا الاتجاه حملة ترشح للرئاسة ضئيلة احتمالات النجاح يخوضها شخص حديث نسبياً في الحلبة السياسية أمراً ممكنا.

بالنسبة للديمقراطيين ولجان الحزب الديمقراطي، ساهم اندفاع المتبرعين بمبالغ ضئيلة عبر الإنترنت إلى حد كبير في تحقيق تعادل الظروف أمام جميع اللاعبين في العام 2004، وفي تحقيق مكاسب حتى أكبر في الدورة الانتخابية الحالية (2007-2008). فللمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، على أقل تقدير، تفوق الديمقراطيون هذه السنة، بصورة عامة، من حيث حجم ما جمعوه من تبرعات على الحزب الجمهوري، وهو الحزب الذي استطاع تقليدياً أن يؤمن الأموال من موارد أغنى لتمويل حملاته الانتخابية.

أخذت المواقع السياسية المستندة إلى الإنترنت تبلغ سن الرشد، وأصبحت من نواح كثيرة بمثل أهمية، إن لم يكن أهم من، الصحف. فقد تحولت مواقع مثل Politico، وThe Huffington Post، وSalon، وSlate، وThe National Review Online، و Wall Street Journal Online، خلال سنوات قليلة إلى أطراف رئيسية في تغطية أخبار الانتخابات وأنباء صياغة السياسات.

موقع The Huffington Post، على سبيل المثال، حيث أشارك حالياً في إعداد التغطية السياسية، يحاكي في العديد من الأوجه المدى الكامل للمحتوى الذي تقدمه الصحف المطبوعة، إذ يقدم "صفحة أولى رئيسية" تحتوي على أهم الأنباء القومية والأجنبية، إضافة إلى صفحة سياسية، وصفحة إعلامية، وقسمين يتناول أحدهما للتسلية والآخر لأسلوب الحياة. ومن الميزات التي تتمتع بها وسائل الإعلام على الإنترنت القدرة التكنولوجية الجديدة التي تتيح إنشاء وصلات إلكترونية مباشرة مع الآلاف من مصادر الأخبار الأخرى التي تتراوح بين نسخ الإنترنت من "وسائل الإعلام القديمة"، مثل صحيفتي نيويورك تايمز ) www.nytimes.com(، ولوس انجلس تايمز )www.latimes.com(، وغيرهما، وأعداد كبيرة من المدونات الدوارة (blogrolls)، المحافظة منها والتقدمية، التي تربط بدورها القراء بمواقع متنوعة سياسياً، مثل RealClearPolitics، و TalkingPointsMemo، وInstapundit، وTaegan Goddard’s PoliticalWire، وThe Drudge Report.

في العام 2000، كانت الحملات الانتخابية تتعامل مع دورة أخبار متماثلة ثابتة تستند إلى برامج نشرات الأخبار التلفزيونية التي تبث ما بين السادسة والسابعة مساءً، بالإضافة إلى المواعيد النهائية لتضمين الخبر في صحف اليوم التالي أي بين التاسعة والحادية عشرة مساءً. أما الآن، فيواصل المشرفون على مواقع الإنترنت البحث عن أحدث التطورات دون توقف، وعندما يقع حدث رئيسي سياسي في الساعة الثانية بعد الظهر، يكون، بحلول موعد نشرات الأنباء التلفزيونية المسائية، قد ولد دورات عديدة من ردود الفعل والانتقادات من المنافسين والمحللين على الإنترنت.

خلق بروز مواقع إنترنت يسارية ويمينية ومحايدة طريقة فورية لمعرفة رد الفعل الواسع الانتشار إزاء حظوظ الحملات الانتخابية المتغيرة. ففي المناظرات الرئاسية، على سبيل المثال، يبحث موظفو الحملات باستمرار عن التعليقات المعروضة على الإنترنت التي تثني على أداء مرشحهم وتنتقد أداء غيره. ويتم إرسال هذه التعليقات بدورها فوراً عبر البريد الإلكتروني كبيان إخباري إلى وسائل الإعلام الرئيسية أو القديمة الموصولة بالإنترنت، وإلى الصحفيين والمعلقين الآخرين العاملين في وسائل الإعلام الجديدة الذين يغطون أخبار هذه المناظرات.

إن سرعة التغير في البيئة السياسية الحالية، الناجمة عن تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الرائدة التي لم تكن موجودة في السابق، إن صح اعتماد الاتجاهات السابقة كدليل، ستزداد، مما يشير إلى أن  ابتكارات حملة العام 2008 هي بمثابة سلف متواضع للتغير الجذري الجوهري القادم في العام 2012 والعام 2016.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسات الحكومة الأميركية.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي