مواطنون لهم حرية التعبير | الديمقراطية في العالم

14 أيار/مايو 2008

تكنولوجيا جديدة، أصوات جديدة

 

بقلم باتريك باتلر

التدوين الإلكتروني، وأفلام الفيديو المتوفرة على الإنترنت، وإرسال النصوص إلكترونياً بسرعة انطلاق الرصاص، تمثل جميعها تكنولوجيات إعلامية جديدة أصبحت تكيف وتستخدم  على نطاق واسع خلال السنوات القليلة الماضية. وقد قام مستخدموها الأذكياء الذين يعرفون قوتها باستعمالها بطرق غير متوقعة من أجل تحقيق أهداف سياسية. أمّا الحكومات فإنها تكافح لمواجهة هذه التكنولوجيات، بعضها بالقمع والبعض الآخر بالإصلاحات.

باتريك باتلر هو نائب الرئيس للبرامج في المركز الدولي للصحافيين، وهذا المركز مؤسسة لا تبغي الربح مقرها في واشنطن العاصمة تقوم "بتشجيع الصحافة جيدة النوعية عبر العالم لإيمانها بأن قيام وسائل إعلام نشطة ومستقلة هو أمر حاسم في تحسين وضع البشر،" كما تقول المؤسسة في بيان مهمتها.

قد تكون أفلام الفيديو غير واضحة وغير متقنة الصنع، ولكنها تبقى واضحة بما يكفي لإدخال الرعب في النفوس. ففي أحد هذه الأفلام، نشاهد ضابط شرطة يضرب بتكرار أحد المشتبه بهم على وجهه، بينما يرفع الرجل يديه لحماية نفسه ثم يسقط على الأرض. وفي فيلم آخر، نرى امرأة محتجزة  مُعلقة رأساً على عقب، وقد ربطت قدماها ويداها إلى قضيب وهي تبكي وتصرخ. وفي فيلم فيديو ثالث، نرى رجال الشرطة يجمعون متظاهرين في الشارع ويضربونهم بعصي وهم يسوقونهم ويكدسونهم كقطيعٍ من الماشية في عربة.

إن أفلام الفيديو التي تصور وحشية رجال الشرطة في مصر لم تُعرض مُطلقاً على شاشة أي محطة تلفزيونية تبث من تلك البلاد. وبدلاً من ذلك، عرضها المدون وائل عباس على موقعه الإلكتروني، "مصر ديجيتال"، الذي يحظى بإقبال هائل على قراءته [http://misrdigital.blogspirit.com/].

وكان لأفلام الفيديو هذه أثرها، حتى في دولة كمصر، حيث كثيراً ما يكون الوحيدون الذين يُعاقبون على إساءة المعاملة والمخالفات التي يعرضها الصحفيون الشجعان هم الصحفيون أنفسهم. فنتيجة نشر عباس وغيره من المدونين (بلوغرز) لأفلام فيديو ملتقطة بالهاتف الخليوي، حُكم على ضابطي شرطة بثلاث سنوات سجن في تشرين الثاني/نوفمبر، 2007 لتعذيبهم سائق سيارة شحن صغيرة في القاهرة. كما يَنتظر ضباط شرطة آخرون المحاكمة في قضايا أخرى تتعلق بإساءة المعاملة.

الريبورتاجات الرقمية

يستعمل الصحفيون وغير الصحفيين عبر العالم أدوات الإعلام الرقمي كالإنترنت، وخدمة الرسائل القصيرة (SMS)، وكاميرات الفيديو الصغيرة في الهواتف الخليوية لجمع ونشر المعلومات بطرق لم تكن مُمكنة حتى قبل عقد واحد. ولا تتيح هذه التكنولوجيا، التي أصبحت رائجة في كل مكان اليوم، حتى في الدول الفقيرة، تحقيق تدفق أكثر حرية للمعلومات وحسب، بل تشجع أيضاً المواطنين الذين كانوا يشعرون في السابق بالعجز وبأنه لا حول لهم ولا قوة على القيام بدور لإحداث تغييرات في مجتمعاتهم.

وفي حالات كثيرة، كحالة عباس، بدأ التدفق الحر للمعلومات الذي تمكنه التكنولوجيا الجديدة يدفع الحكومات إلى اتخاذ إجراءات لعلها لم تكن ستتخذها لولا ذلك. وفي حين يعتبر توقيف ضباط شرطة يسيئون معاملة المحتجزين خطوة في الاتجاه الصحيح في مصر، يبقى علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان عباس وغيره من المدونين سيتمكنون من إحداث تأثير أوسع في دفع حكومة مبارك إلى تبني ممارسات أكثر ديمقراطية. وقد لجأت مصر، مثلها في ذلك مثل الدول الأخرى التي رأت صحفيين مواطنين يستعملون بشجاعة التكنولوجيا الجديدة لفضح الأعمال الآثمة والاعتداءات أو تنظيم الاحتجاجات، إلى استخدام القوة وألقت القبض على صحفيين ومدونين نشروا معلومات اعتُبرت مسيئة للإسلام أو الحكومة.

وفي القضية الأكثر حداثة، حُكم على الضابطين بالسجن استناداً إلى فيديو أظهرهما وهما يدخلان قضيباً في مؤخرة سائق الشاحنة الصغيرة، بعد توقيفه بسبب تدخله في نقاش جرى بين ابن عمه ورجال الشرطة. وقد سجّل ضباط آخرون هذه العملية الشائنة بهواتفهم الخليوية وكانوا ينوون عرض الفيديو لاحقاً على أصدقاء الرجل زيادة في إهانته وتحقيره.

وقد حصل عباس ومدونون آخرون على الفيلم، وعرضوه مع أفلام فيديو كثيرة أخرى تُظهر نمطاً منهجياً من سوء المعاملة الشنيع. وتقول صحيفة الواشنطن بوست إن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تسجل سنوياً حوالي 400 حالة تعذيب يرتكبها رجال الشرطة تُحال نسبة 20% منها إلى المحاكم.

وقد دفع عباس ثمناً للفت الانتباه وإثارة الاهتمام بالأفلام التي تُظهر إساءة رجال الشرطة معاملة الموقوفين، والتزوير في الانتخابات، والفساد، ومضايقة النساء في الشوارع. فقد خسر وظيفته كصحفي، وأُلقي القبض عليه، وهُدد، ولكنه ما زال مستمراً في نشر مدوناته على أمل أن يتمكن من إحداث تغيير في بلاده.

لقد اختارت المنظمة التي أعمل فيها، المركز الدولي للصحافيين (ICFJ)، أخيراًً عباس كأحد الفائزين بجائزة نايت للصحافة الدولية للعام 2007. وفي حين أنه كان أول مدون مفكرة إلكترونية (بلوغر) يمنح هذه الجائزة عبر التاريخ،  إلا أنه من المؤكد تقريباً أنه لن يكون الأخير. أما الفائز الآخر بالجائزة فكانت ماي ثينغيان هاين، وهي صحفية كاتبة تحقيقات في بورما، الدولة الأخرى التي لعبت فيها وسائل الإعلام الجديدة دوراً حاسماً في إثارة نشاط المواطنين، وحيث لا يزال من غير المعروف بشكل مؤكد حتى الآن ما إذا كان هذا النشاط سيترك أثراً طويل المدى هناك.

في بورما، كان للتكنولوجيا دور فعال في الإعلام بمظاهرات الاحتجاج في آب/أغسطس-أيلول/سبتمبر 2007 ضد النظام العسكري، وهي المظاهرات التي استحوذت على اهتمام العالم. ففي داخل بورما، استُعملت الهواتف الخليوية للإعلام بالأمكنة التي سيتجمع فيها المتظاهرون وحول سبل تجنّب إلقاء القبض عليهم. أمّا في خارج بورما، فقد عُرضت على الإنترنت صوراً ملتقطة بواسطة الهواتف الخليوية لمظاهرات الاحتجاج التي قادها الرهبان ورد الحكومة العنيف عليها، فخلق ذلك وعياً بما يحدث أدى إلى تعرض نظام الحكم العسكري البورمي إلى الضغط السياسي. وما كان سيمكن الحصول على هذه المعلومات إلا من "مواطنين صحفيين،" لأن الحكومة البورمية حظرت دخول جميع الصحفيين الأجانب تقريباً إلى البلاد.

وفي بورما، أيضاً، اتخذت الحكومة إجراءات مُتشددة تمثّلت بإغلاق مواقع الإنترنت في محاولة منها لإخفاء الصور وأفلام الفيديو المُربكة لها، والتي كانت تنتشر حول العالم بعد ثوانٍ قليلة من إرسالها بالبريد الإلكتروني إلى مواقع إنترنت خارج البلد يديرها مهاجرون بورميون. وصادر رجال الشرطة المنتشرون في الشوارع آلات التصوير والهواتف الخليوية. وفي حين أن هذه الأعمال مُمكنة على المدى القصير في بلد معزول أُحكمت السيطرة عليه مثل بورما، إلا أن قدرة الحكومة البورمية على الاستمرار في إغلاق مواقع الإعلام على المدى الطويل، مسألة أخرى. فالتكنولوجيا التي استخدمها المواطنون البورميون هذه المرة لم تكن موجودة عند اتخاذ إجراءات صارمة دموية ضد المتظاهرين في العام 1988، حين قُتل ما يزيد عن 3 آلاف مواطن بعيدا عن أعين العالم في معظم الحالات.

الرقابة في فضاء الاتصالات الإلكترونية

في دول أخرى، كالصين وإيران، وهما بلدان أكبر وأكثر تعاطياًً مع العالم الخارجي، تواجه أنظمة الحكم صعوبات أكبر في محاولتها ضبط كيفية تبادل المعلومات عبر التكنولوجيا الجديدة والتحكم فيها. ففي العام 2006 في الصين، أرسل لي داتونغ، رئيس تحرير ملحق الصحيفة الصينية الواسعة الانتشار، "شاينا يوث دايلي"، مذكرّة بالبريد الإلكتروني إلى فعاليات مهمة يُهاجم فيها سياسة الصحيفة الجديدة المتمثلة بتخفيض أجور المراسلين الذين يكتبون أي شيء يزعج المسؤولين في الحزب الشيوعي. وما هي إلا دقائق، حتى كانت المذكرة قد عرضت على مواقع الإنترنت في جميع أنحاء البلد، وسارع المسؤولون عن الرقابة إلى إصدار الأوامر بسرعة إلى مواقع الإنترنت بإزالة المذكرة، إلاّ أن الرقابة لم تتمكن من التحرّك بسرعة كافية لوقف انتشار القصة. ورغم أن لي داتونغ نفسه طُرد من وظيفته، إلا أن الحكومة اضطُرت إلى إلغاء سياسة تخفيض أجور الصحفيين.

ولا تتفوق على الصين سوى الولايات المتحدة من حيث عدد مستعملي الإنترنت فيها، ويخوض زعماء الصين معركة خاسرة أثناء محاولتهم السيطرة على نوع المعلومات التي يستطيع الشعب الصيني الوصول إليها عبر الإنترنت. وتأتي الصين في طليعة قائمة الدول التي تسجن الناس بسبب عرضهم معلومات تعتبر غير مقبولة على الإنترنت، فهناك في الصين، وفقاً لمنظمة صحفيون بلا حدود، 50 سجيناً قاموا بالمعارضة عبر فضاء الاتصالات الإلكترونية من أصل ما مجمله 64 سجيناً في جميع العالم.

وقالت المنظمة في مؤشر حرية الصحافة عبر العالم 2007: "تدرك حكومات يتزايد عددها باستمرار بأن الإنترنت تستطيع أن تلعب دوراً رئيسياً في الكفاح من أجل الديمقراطية، وهي تعكف حالياً بالتالي على وضع أساليب جديدة لفرض الرقابة على الإنترنت. وقد أصبحت الحكومات في الدول القمعية  تستهدف الآن آلاف المدونين وصحفيي الإنترنت بقوة تُماثل استهدافها للصحفيين في وسائل الإعلام التقليدية."

وإيران، مثلها مثل الصين، لا تستطيع التحكم بشكل كامل بالمحتوى المنشور على الإنترنت، وقد أصبحت اللغة الفارسية الآن بين اللغات العشر الرئيسية للمدونين الإلكترونيين، حيث أصبح هناك ما بين 70 ألف و100 ألف مدون إيراني ناشط، يكتب الكثير منهم مقالات سياسية لن تفكر وسائل الإعلام الإيرانية السائدة بنشرها أبدا. ويقوم المدونون الإيرانيون بتغيير عناوين مواقعهم على الإنترنت بصورة متكررة  ويستعملون "مواقع مستعارة" للالتفاف على القيود الحكومية.

والمدونات الإلكترونية، والإذاعة الرقمية أو البودكاست، ورسائل النصوص القصيرة، والفيديوات المعروضة على الإنترنت، توسّع الآن حدود الفسحة المتاحة للتعبير الحر، وتحدث تغيراً حقيقياً في كل من إيران والصين وبورما ومصر، إلا أنها لم تؤد إلى سقوط أي من هذه الأنظمة. ولكنها أدت إلى ذلك في دول أخرى.

الديمقراطية الجوالة

الفليبين هي أشهر الأمثلة على سقوط نظام حكم بسبب التكنولوجيا الإعلامية الجديدة، فقد ساعد استخدام الرسائل الهاتفية قصيرة النص في حشد  المواطنين للانطلاق في الاحتجاجات الجماهيرية، التي أدّت في عام 2001 إلى سقوط رئيس الجمهورية آنذاك جوزيف إسترادا. وكان قد تمكن من الإفلات من الإدانة على يد مجلس الشيوخ، رغم البراهين التي أثبتت أنه يسيطر على حسابات مصرفية تبلغ أرصدتها 71 مليون دولار من الأرباح المُحققة بطرق غير مشروعة. واعتقد إسترادا بأنه نجا وسيحتفظ بالرئاسة إلى أن تجمّع مئات الألوف من الناس للاحتجاج على قرار مجلس الشيوخ بعد أن تلقوا رسائل هاتفية نصية قصيرة استحثتهم، تقول: "اذهبوا إلى جادة إدسا" (G0 2 EDSA)، و"ارتدوا الملابس السوداء حداداً على الديمقراطية"، و"توقعوا حدوث اضطرابات". وعندما قررت المحكمة العليا أن "الشعب قال كلمته"، وافق إسترادا أخيراً على التنحي عن منصب الرئاسة.

يوفّر لبنان مثالاً مُشابهاً أكثر حداثة. فقد استجاب هناك حوالي مليون شخص إلى رسالة نَصيّة تدعوهم عبر هواتفهم الخليوية، في العام 2005، إلى التجمع لمطالبة سوريا بإنهاء احتلالها العسكري للبنان. وكما حصل في الفليبين، حقق المواطنون نجاحاً فورياً عندما غادر 14 ألف جندي سوري البلد بعد احتلال دام 29 سنة. ولكن نجاح قوة المواطنين على المدى الطويل ما زال غير مؤكد؛ فما زالت سوريا تمارس سيطرة على لبنان من خلال عمليات الاغتيال والتفجيرات، وما زال وضع البلد هشا.

هناك أمثلة أخرى كثيرة على "الديمقراطية الجوالة". فقد استخدمت النساء في الكويت رسائل نصية عبر الهاتف الجوال لتنظيم اجتماعات حاشدة ناجحة طالبت بحق التصويت والترشّح للانتخابات. وحث شباب من كوريا الجنوبية، ممن يدركون قوة التكنولوجيا، 800 ألف مقترع في حملة آخر لحظة من الرسائل القصيرة (SMS) على الإدلاء بأصواتهم، فأدى ذلك إلى فوز مرشحهم، روه مو هيون، بهامش ضئيل للغاية. واستعمل الصينيون خدمة الرسائل قصيرة النص المرسلة عبر الهاتف لتنظيم إضرابات عمالية واجتماعات حاشدة ضد اليابانيين.

تُظهر كافة هذه الأمثلة قدرة التكنولوجيا الجديدة على دفع الناس إلى النزول إلى الشوارع في دول كانوا يشعرون فيها قبلاً بأنهم عاجزون لا حول لهم ولا قوة. وفي حين شكلت شبكة الإنترنت أداة ذات شأن لحشد الجهود في الولايات المتحدة، إلاّ أن الهواتف الخليوية ورسائل النصوص الهاتفية القصيرة  أكثر أهمية في الدول النامية حيث لا يتمكن سوى عدد قليل من الناس من الوصول إلى الإنترنت، بينما يملك عدد أكبر بكثير منهم هواتف جوالة.

وتعتبر الولايات المتحدة في الواقع متخلفة في هذا السياق عن العديد من دول العالم، وحتى عن دول العالم النامي. فحين أخبرت أخيراً طلابي في بوتسوانا بأنني أزمع البحث مع شركات الاتصالات بخصوص إمكانية إرسال أنباء عبر الهواتف الخليوية، رفع أحد الطلاب هاتفه وسأل، "أتعني بشكل مماثل لهذا؟" وكانت العناوين الرئيسية في صحيفة يومية تتتابع على شاشة هاتفه، وهي خدمة متوفرة في بوتسوانا منذ فترة طويلة. ويطالع الأفارقة الذين يملكون هواتف خليوية، ويعيشون في مناطق نائية لا يستطيعون فيها الحصول على صحف مطبوعة، الأخبار المنشورة في تلك الصحف على شاشات هواتفهم الخليوية.

محاذير ومخاوف

فإذا كانت الهواتف الخليوية إذن تستعمل عبر العالم النامي لإيصال الأخبار إلى الناس الذين قد لا تتوفر لهم إمكانية الاطلاع عليها لولا ذلك ولتوحيد صفوف الناس الذين بدأوا يشعرون اليوم بأنهم متمكنون قادرون على العمل وإحداث تغيير في بلادهم، فما هو الجانب السلبي في الأمر؟

بالنسبة للبعض، هناك قلق من أن لا يكون الفرق بين "الديمقراطية الجوالة" (Mobile democracy) و"الديمقراطية الغوغائية" (Mob democracy) سوى بضعة أحرف. فمن المُثير للإعجاب كون الناس في الفليبين تمكنوا من إثارة جماهير ضخمة العدد عبر التكنولوجيا الجديدة لتنحية رئيس فاسد عن الحكم، ولكن ما الذي سيمنع الناس من استعمال نفس هذه التكنولوجيا لإسقاط حكومة مُنتخبة ديمقراطياً تنفذ سياسات لا تلقى تأييداًً شعبياً على المدى القصير، لكنها تعود بالفائدة على البلد وتخدم مصلحة البلاد على المدى الطويل؟

ومن الممكن أيضاً استعمال نفس التكنولوجيا هذه لأغراض شائنة أكثر شناعة من إسقاط حكومة ديمقراطية. ففي تيمور الشرقية، استعمل اللصوص الغزاة الذي يغيرون على المكان للنهب خدمة رسائل النصوص لتنظيم عمليات شغب بغية الإفلات من قوات حفظ السلام. واشتهرت القاعدة باستعمال أحدث التكنولوجيات في نشاطاتها لإرجاع العالم إلى القرن الثامن.

وهناك هواجس أخرى تتمحور حول الأدوات الجديدة المستعملة للإعلام والتي كشفت عن انتهاكات كالتي ارتُكبت في مصر وبورما. فكيف يمكننا أن نحكم على صدقية المعلومات التي يعدّها شخص سجلها على هاتف خليوي، وأرسلها، ربما بدون ذكر أي اسم، إلى مُدون في الغرب؟ كيف نستطيع التأكد من أنه لم يتم التلاعب بالصور رقمياً، وهل نستطيع الوثوق بمعلومات مصدرها أناس يناصرون قضاياهم لا صحفيون مدربون وغير منحازين؟

إن معظم العالم لم يؤيد إطلاقاً المثال الصحفي الأعلى في الولايات المتحدة المتمثل بالصحافة "الموضوعية"، أي التي لا يمكن من خلالها معرفة وجهة نظر الصحفي أو الوسيلة الإعلامية بشكل مؤكد لدى قراءة التقرير الإخباري. لكن مفهوم تقديم التقارير الإخبارية المتوازنة والمحتوية على القصة الكاملة يتفتت أكثر وأكثر مع ازدياد كمية المعلومات الواردة من مصادر لديها أجندة واضحة.

قال المدوّن البورمي، كو هتيكه، الذي يتخذ من لندن مقراً له، إن لديه عشرة مراكز اتصال في بورما ترسل إليه النصوص، والصور، وأفلام الفيديو من مقاهي الإنترنت. وهو يثق بمصداقية المواد التي يرسلونها، ولكنه لاحظ أيضاً أن النظام البورمي فطن إلى الأمر وبدأ يُرسل رسائل مزيفة بالبريد الإلكتروني، ورسائل نَصيّة قصيرة عبر الهاتف، ناشراً بذلك معلومات كاذبة حول عمليات القمع العسكرية التي تُمارس في البلاد.

ومن المواقع الأخرى التي نشرت تقارير من مواطنين صحفيين بورميين موقع "ميزيما نيوز"، الذي يُديره بورميون يعيشون في المنفى يقيمون في نيو دلهي. وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن رئيس تحرير الموقع، سومينت، تلقى تقارير وصوراً وأفلام فيديو من أكثر من مئة طالب وناشط سياسي ومواطن عادي. ونقلت الصحيفة عنه قوله إنه أمضى سنوات عديدة يبني شبكة أهلية لإنشاء نظام تلقي تقارير أنباء من مصادر موثوقة. وأضاف: "إن هذا ليس عملاً تحقق في يوم واحد، فقد دأبنا على إعداد  أنفسنا لهذا العمل خلال السنوات التسع الماضية. إن الناس يعرفون عملنا وكيفية الاتصال بنا."

وهناك خطر آخر ينطوي عليه هذا التوجه الجديد هو أن المواطنين الذين يجمعون المعلومات كثيراً ما يُعرّضون أنفسهم إلى مخاطر عظيمة للقيام بذلك. وكان بين أوائل ضحايا الاضطرابات في بورما مصور ياباني كان يلتقط صوراً للمظاهرات.

وكثيراً ما يتلقى الصحفيون المحترفون تدريباً على العمل في الأوضاع الخطرة (مع أن ذلك لا يتم بدرجة كافية)، كما أنهم يستطيعون الاعتماد على صاحب مؤسستهم في حال أُصيبوا بجروح أو خُطفوا أو أُلقي القبض عليهم. أمّا المواطنون الصحفيون فلا يتلقون تدريباً ولا يحصلون على أي دعم من أي مؤسسة أنباء. فهل ينبغي اعتبار وسائل الإعلام التي تنشر أعمالهم، وتدعوهم في الواقع عبر مواقعها على الإنترنت إلى إرسال تقاريرهم إليها، مسؤولة عندما يُقتلون أو يُصابون بجراح أو يُلقى القبض عليهم؟ وهل يمكن اعتبار الشعب عامة مسؤولا؟

بناء المصداقية

في مصر، واجه وائل عباس، الفائز بجائزة المركز الدولي للصحافيين (ICFJ)، تهديدات عديدة و"حملة تشهير" أطلقتها الحكومة ضده. فقد قال مسؤولون حكوميون إن عباس ذو "ماضٍ إجرامي"، وأنه "لوطي"، وأنه مرتد اعتنق الدين المسيحي. وقال عباس، في مقابلة مع موقع شبكة الصحفيين الدوليين التابع للمركز الدولي للصحافيين (www.itnet.org): "كانوا يحاولون تشويه سمعتي وجعلي أخسر قُرّائي."

وقد كان أحد أسباب فوز عباس بجائزة نايت للصحافة الدولية للعام 2007 التزامه بإسناد ما يرد في مدونته من معلومات إلى أساس متين من الحقائق وليس فقط إلى آراء شخصية لم توثّق صحتها. وهو يعتقد أنه، من خلال توفيره للمصريين صورة من شاهد عيان على ما يحدث في بلاده باستخدام التكنولوجيا الجديدة، يحدث تغييراً وتأثيراً بطريقة لم يستطع أبداً أن يقوم بها من قبل أي صحفي أو مواطن عادي.

قال عباس: "ركّزت اهتمامي على الصور وعلى أفلام الفيديو كي لا يستطيع أحد أن يُشكّك في عملي". وأضاف أنه يكتب أيضاً باللغة العربية العامية لاستقطاب القرّاء الشباب الذين يجدون ريبورتاجات وسائل الإعلام التقليدية الموضوعة باللغة الفصحى "مُضجرة".

ستيفن فرانكلين، من صحيفة شيكاغو تربيون، هو أحد الفائزين بزمالة نايت للصحافة الدولية في مركز الصحافة الدولية، وهو يعمل حالياً على تدريب الصحفيين في مصر. وهو الذي رشّح عباس لنيل الجائزة. ورغم كون فرانكلن ينتمي إلى العاملين في "وسائل الإعلام السائدة"، إلا أنه وجد أنه يستطيع تحقيق أكبر قدر من التأثير من خلال العمل مع عباس، وغيره من المدونين الذين يتمتعون بحرية أكبر من حرية الصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون، ويحدثون أثراً أبعد في مجتمعهم من الذي تحدثه تلك الوسائل الإعلامية التقليدية. وقد وضع فرانكلين دليلاً للمدونين، أسماه "عشر خطوات لصحافة المواطن على الإنترنت"، يتطرق فيه لمواضيع كالمحتوى والتسويق وسلامة المدونين (يتوفر هذا الدليل على موقع الإنترنت لشبكة الصحافة الدولية (www.ijnet.org)).

ويعتقد عباس أنه ساعد، مع المدونين الآخرين ومع الصحفيين التقليديين الذين تجرأوا على وضع تقارير عن أنواع قضايا مماثلة، في إقناع المصريين أن بإمكانهم أن يصبحوا مشاركين نشطين في عملية إجراء التغيير في مجتمعهم.

وقال حول ذلك: "عند وقوع ظلم، أصبحوا يتقدمون ويتكلمون عن الأمر، بعكس ما كان يحصل في السابق عندما كان الناس يخافون من التحدث عن الأمر علنا."

الآراء المعبر عنها في هذا المقال لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسات الحكومة الأميركية.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي