مواطنون لهم حرية التعبير | الديمقراطية في العالم

24 أيار/مايو 2008

المحاكمة بواسطة هيئة مُحلّفين

 

يجب في كل دعوى جنائية أن تُتاح للمُتّهم فرصة الحصول على محاكمة سريعة وعامة

على يد هيئة مُحلّفين غير مُنحازة...  وأن يُبلّغ عن طبيعة وسبب التهم،

وأن يواجَه بالشهود ضده؛ وأن تتوفر له العملية الإلزامية للحصول على

شهود لصالحه، وأن يحصل على مساعدة محام للدفاع عنه.

- التعديل السادس لدستور الولايات المتحدة

قيل إن الحكم على مجتمع ما يتوقف على كيفية معاملته لمواطنيه الأقل حظوة، وإن الناس المتهّمين بارتكاب جرائم يقعون، بالتحديد، ضمن هذه الفئة. ومرتكبو الجرائم هؤلاء يُزعم أنهم خرقوا العقد الاجتماعي بحرمانهم الناس الآخرين من الحياة، أو من عضو من أعضائهم، أو من مُلك ما، وإذا ثبت فعلاً أن التهم صحيحة، فيكونوا قد وضعوا أنفسهم خارج الرباط الاجتماعي، ويصبحون حرفياً "خارجين على القانون". لكن قبل إدخال الناس إلى السجن، وتطهير المجتمع منهم، أو حتى حرمانهم من الحياة، علينا أن نتأكد بشكل لا لُبس فيه أنهم فعلاً مذنبون باقتراف الجرائم المنسوبة إليهم "دون أي شك معقول."

هناك سببان لهذا النهج الحذر. السبب الأول والأبرز، هو تجنب الضرر الدائم للفرد. فإذا لم يرتكب المتهم جرماً ما، فإن ذلك يجب أن يتقرر من خلال حكم القانون بحيث لا يُصار إلى معاقبة الإنسان البريء. السبب الثاني، والمساوي للأول من حيث الأهمية، هو منع وقوع أذى بحق المجتمع ومنع تآكل حريات الناس. فنظام العدالة الفاسد، الذي تستخدمه بعض السلطات لمعاقبة خصمها السياسيين، أو الذي يترك المذنبين أحراراً، يُقوّض الثقة بالحكومة وبالمجتمع، وهي أساسية في المجتمع الديمقراطي. فكما أنه من غير الممكن قيام مجتمع حرّ دون حرية التعبير أو الصحافة، كذلك لا يمكن للديمقراطية أن تنشأ دون نظام للعدالة يعامل الناس المتهمين بارتكاب جرائم بإنصاف ويؤمن لهم حقوقهم.

ليس المقصود القول إن نظام العدل الجنائي في الولايات المتحدة كامل؛ فكثيراً ما تقع فجوات بين الواقع والمثل الأعلى، كما هي الحال في كل مجتمع. لكن المستلزمات الدستورية الموجودة في التعديلين الخامس والسادس للدستور هي بمثابة تذكير دائم عما هو الأمثل، وتعطي الذين يعتقدون انهم لم يعاملوا بطريقة منصفة حق الاستئناف ضد أحكام صدرت بحقهم أمام المحاكم الأعلى.

وحيث أن طريقة عمل نظام العدل الجنائي مهمة جداً في الديمقراطيات، لذلك فإن الحق في محاكمة سريعة وعامة لا يعني فقط أولئك المتهمين بجرائم، بل هو حق للجمهور ككل، حق يوحي بأن الناس يمكنهم تفحص كيف يعمل النظام ويُحدّدون ما إذا كان يواجه مشاكل هامة. إن القيام بواجبات هيئة المُحلفين هي، علاوة على هذا، مسؤولية أساسية للمواطنية، لا يتقدم عليها ربما إلا الاقتراع نفسه. فليس هناك من وظيفة للحكومة يُطلب فيها من المواطن العادي أن يأخذ مهمتها على عاتقه إلاّ تقرير ما إذا كان إنسان ما بريئاً أو مذنباً في جريمة، أو أنه يتحمل مسؤولية الأضرار المدنية.  يعتبر القيام بواجب هيئة المُحلفين بمثابة عملية تثقيف يُطلب فيها من الناس تطبيق القانون، وعليهم بالتالي التعلّم لفهم ما هو القانون وكيف يؤثر على القضية المطروحة أمامهم.

أليكسي دو توكفيل، 

حول الديمقراطية في أميركا

1835

هيئة المُحلفين، التي هي الوسيلة الأكثر طاقة على جعل الناس يمارسون الحكم، هي أيضاً أكثر الوسائل فعالية لتعليمهم كيف يحكمون جيداً.

هناك مظاهر لحق ?لمحاكمة المنصفة، وإذا تبيّن أن أحد تلك المظاهر، في حالات مُعينة، أكثر أهمية من سواه، فإنها جميعاً جزء من "مجموعة حقوق" أشرنا إليها مراراً وتكراراً. إن نوع الأدلة الذي قد تُقدم في محاكمة ما، مثلاً، تحكمه قواعد التعديل الرابع، التي تستلزم أن يكون لدى الشرطة سبب مرجح لتفتيش بيت ما، ومن ثم تأمين مذكرة رسمية للقيام بذلك. وفي حال قصّرت الشرطة في الامتثال لتلك التوصيات الدستورية، فإن الأدلة التي تضع يدها عليها قد لا يسمح باستخدامها في المحاكمة. وإذا ما قصّرت الشرطة في إبلاغ المشتبه به أو بها عن حقوقه الدستورية، تعتبر اعترافاته غير مُلزمة في قاعة المحكمة. وعندما يكون إنسان ما متهماً بجريمة، وفي حال عدم السماح له بالحصول على محام، يصبح من الواضح أن العدل لا يمكن أن يتحقق في محاكمة منصفة.

إن جميع الإجراءات الوقائية هذه تبدو لبعض الناس وكأنها تحابي المجرمين أكثر من اللزوم، ويؤكدون أن محامياً ذكياً يمكنه ضمان عدم مُعاقبة موكله، حتى وإن كان مذنباً. صحيح أنه كانت هناك، بين الفينة والأخرى، قضايا استأثرت بالاهتمام العام ونتج عنها بالظاهر إطلاق سراح مُتهمين مذنبين. لكن إذا نظرنا إلى النظام ككل، فإنه يعمل في الواقع بطريقة جيدة جداً. فالإجراءات الوقائية التي تشمل التحقيقات والتوقيفات السابقة للمحاكمة تضمن بصورة أفضل العمل الأكثر احترافاً الذي تقوم به الشرطة، بحيث انه عندما يحصل التوقيف، يكون قد أصبح من المرجح أن الفرص قد توفرت لجمع أدلة كافية بصورة قانونية، وأن الدليل حول الجرم أصبح قوياً، وأن المجرم سوف يعاقب. لكن كل هذا يجري ضمن إطار عمل دستوري صُمّم بعناية للحد من سلطة الدولة الاعتباطية.

*     *     *     *     *

إن المحاكمة على يد هيئة مُحلّفين هي في الأساس عملية جهد لتحديد الحقيقة. هل قام الشخص فعلاً بما تقول الولاية إنه، أو إنها، قام به؟ في الماضي، اتَّخذت الجهود لتحديد الحقيقة عدة أشكال مختلفة، وغالباً ما كانت تشتمل على تعذيب جسدي رهيب. فقبل مئات السنين، مثلاً، كان من الممكن أن يعاني المتهم من التعذيب الجسدي بحيث يدعو بسببه الله لأن يثبت براءته. كان يمكن أن يُلقى إنسان ما في بركة لمعرفة ما إذا كان سيغرق (برئ) أو سيطفو (مجرم)؛ وإذا كان بريئاً، كان من الممكن إخراجه منها إذا حالفه الحظ ولا زال على قيد الحياة. وفي أوروبا، اتخذ التعذيب بالنسبة لطبقات الفرسان غالباً شكل محاكمة عن طريق القتال، إذ كانوا يعتقدون أن الله سيقويّ يد البريء الذي سوف ينتصر على مشتكٍ كاذب أو مرتكب جرم حقيقي.

من غير المعروف في أي وقت تطور نظام هيئة المُحلفين بحيث أصبح يُثمّنه الأميركيون إلى هذا الحدّ. قبل غزو النورمانديين لإنكلترا، كان القانون السكسوني يستلزم أن يأتي الاتهام من شخص محدّد ومعروف يقوم بمواجهة المتهّم علناً؛ وكانت الإجراءات مفتوحة كما أن حضور أفراد المجتمع لها كان يضمن الإنصاف. أدخل الغزو النورماندي مبدأ هيئة المُحلفين الكبرى المشتقة من المؤسسة النورماندية المسماة "هيئة تحقيق مختارة تحت القسم" حيث يقوم 12 فارساً مختاراً للخدمة "كهيئة تحقيق"، بالتحقيق علناً في قضايا مختلفة كانت تهم حكام إنكلترا الجدد. وكان يمكن لتلك القضايا أن تتضمن مواضيع مثل معدل الضرائب، أو الواجبات الإقطاعية المتوجبة على التابع الإقطاعي إزاء سيّده.

منذ بداية القرن الثاني عشر، كان الذين يقيمون دعاوى في بعض القضايا المتعلقة بملكية الأرض، يلتمسون المحكمة الملكية لاستدعاء هيئة تحقيق للتثبت من الواقع إما عن طريق معرفتهم الخاصة بالأمر المطروح، أو على أساس التحقق منه بواسطة الآخرين. فإذا جاء قرار المحكمة بالإجماع، يُقبل كقرار نهائي. وبمرور الزمن، أصبحت مسائل أخرى تتعلق بالوقائع، في قضايا مطروحة أمام محكمة الملك، تُعالج بطريقة مماثلة، كما أن جماعة من الفرسان المحققين أصبحت هيئة المحلفين. في البداية، لم يحكم أعضاء هيئة المحلفين على الوقائع وحسب، بل كان يمكنهم أيضاً القيام بالمثول أمام المحكمة كشهود بسبب معرفتهم للعادات وللناس في البلدة. لكن بحلول أوائل القرن الخامس عشر، حصر القضاة في محاكم القانون العام وظيفة هيئة المحلّفين بتحديد الوقائع على أساس الأدلة المقدمة في أي دعوى.

في زمن الثورة الأميركية، كان نظام المحاكم على يد هيئة مُحلّفين حقاً مقبولاً في كل مستوطنة. وقد رأى فيه المستوطنون حماية أساسية للحريات الفردية. ونبّه إدموند بورك، رجل الدولة البريطاني، البرلمان إلى أن المستعمرات الأميركية سوف تعلن العصيان إذا حاول البلد الأم منع المحاكمات على يد هيئات محلفين. لكن هذا بالضبط ما فعله البرلمان في "قانون الطابع" (أو " قانون الدمغة")  لسنة 1765، عندما تمّ نقل محاكمة المتهمين بالتهريب إلى محاكم الأميرالية البحرية حيث كان يتولى الضباط البحريون إصدار الأحكام دون هيئة محلفين مدنيين.

جون آدامز،

حول قانون الطابع

1765

لكن أخطر ابتكار هو التمدّد المرعب لسلطة محاكم الأميرالية البحرية. ففي تلك المحاكم، يترأس الجلسة قاضٍ واحد بمفرده! ولا شأن فيها لهيئة مُحلّفين! ويقرر كل من القانون والوقائع نفس القاضي المنفرد.

بمرور الزمن، تطور نوعان من هيئات المحلفين، الهيئة الكبرى والهيئة الصغرى، تخدم كل منهما وظيفة مختلفة. فهيئة المُحلّفين الكبرى تُحدّد ما إذا كانت هناك أدلة كافية لإصدار إتهام (الإتهام الرسمي) ضد إنسان بجرم معين، بينما تستمع هيئة المُحلفي? الصغرى إلى الوقائع. تختلف الهيئتان من حيث الحجم وأسلوب العمل ومعايير الأدلة.

حالياً، من الممكن أن يبلغ عدد أعضاء هيئة المُحلّفين الكبرى في الولايات المتحدة 24 عضواً. وقد تُدعى الهيئة إلى التحقيق في قضايا معقدة أو فقط لتحديد ما إذا كان يجب تحويل قرار الإدانة إلى المحاكمة. وإذا أقرت الهيئة ذلك، فعلى المدعي العام أن يوفّر الشهود. وبوسع هيئة المُحلّفين تقديم تقرير يُفصل النتائج التي توصلت إليها أو اتهام أشخاص تعتقد أنهم ربما كانوا مسؤولين عن جرائم. تكون الإجراءات في هيئة المُحلّفين الكبرى مرنة؛ فقد تستمع الهيئة إلى أدلة غير مسموح بها في المحاكمات النظامية، مثل الاستشهاد بما يُروى عن الغير، كما أن معيارها المعتمد لإقرار أي إدانة ما هو إلاّ مجرد احتمال أكثر مما هو يقين. وإذا كانت هناك أدلة كافية تجعل أعضاء هيئة المُحلّفين الكبرى يعتقدون أن شخصاً ما ربما قد ارتكب الجريمة، فإن بإمكانها إصدار قرار إدانة. ويسود في هيئة المُحلّفين الصغرى معيار أعلى بكثير عندما تتحول القضية في آخر المطاف إلى المحاكمة.

السيّر وليام بلاكستون،

تفسيرات لقوانين إنكلترا

1765

لكن إذا عُهد إلى أي قاض منفرد أمر الفصل أو التسوية في مسألة واقع، يصبح هناك مجال واسع للانحياز وللظلم؛ إما عن طريق الإدعاء أن الحجج المؤيدة للإثبات غير مقبولة، أو عن طريق كتم  بعض الظروف بطريقة بارعة، أو بتوسيع وتغيير ظروف أخرى، أو بتمييز ما تبقى منها. وبهذا، سيكون عدد من المُحلّفين المؤهلين المدركين والمستقيمين، المختارين من بين مجموعة من أعضاء الطبقات الوسطى، أفضل باحثين عن الحقيقة وأضمن حراس للعدالة العامة. وحيث أن أقوى فرد في الدولة سيصبح حذراً في القيام بأي اعتداء واضح على حق إنسان آخر عندما يعلم أن حقيقة قمعه سوف يَنظر ويحكم فيه اثنا عشر رجلاً لم يتم تعيينهم إلا ساعة المحاكمة؛ وأنه متى تم التأكد من الوقائع، سيتوجب على القانون رد الحق إلى نصابه. وهذا، بالتالي، هو ما يحفظ بين أيدي الناس تلك الحصة، التي لهم فيها حق، لإدارة العدالة العامة، ويمنع طغيان أصحاب النفوذ والثروة من المواطنين.

كثيراً ما اعتُبرت مؤسسة هيئة المُحلّفين الكبرى كمتراس هام ضد الطغيان. وعلى الرغم من قيام نظام هيئة المُحلّفين الكبرى في إنكلترا منذ القرن الثاني عشر، كان بوسع التاج المبادرة إلى إصدار إتهامات جنائية بنفسه. وقد قادت إساءة استخدام هذا الامتياز إلى انتفاضة شعبية ضد ملكين من آل ستيوارت، تشارلز الأول وجيمس الثاني، في إنكلترا في القرن السابع عشر، كما من قبل المستوطنين الأميركيين ضد الملك جورج الثالث في القرن الثامن عشر. ففي إعلان الإستقلال، عدّد المستوطنون تلك الحقوق التي اعتبروا أن الملك تعدّاها، ومن أبرزها حقوق المتهمين. وأشار قادة الثورة الأميركية إلى أن القضاة كانوا يعملون حسب رغبات الملك، وأن المحاكمات كانت مزورة، وأن هيئات المُحلّفين كانت ممنوعة، وأن المحاكمات كانت تنقل إلى أماكن نائية، وان كل هذه الأمور تَسخر من المثل الأعلى لتطبيق الإجراءات القانونية الصحيحة التي حددها الميثاق الأعظم (Magna Carta). إن المبدأ القائل إن الشعب وحده ككل يجب أن تكون لديه، عبر ممثليه، سلطة إقامة الدعاوى الجنائية، مُتضمّن في التعديل الخامس للدستور، الذي يؤمن وجود مؤسسة هيئة المُحلّفين الكبرى. كما وفي معظم دساتير الولايات أحكام مماثلة. وعلى الرغم من أن استخدام هيئة المُحلّفين الكبرى قد ألغي في إنكلترا سنة 1933، واستُبدل بكتّاب المحكمة الذين يقومون بإعداد وثائق الإدانة، فإنه لا يزال مظهراَ عاملاً، وإن كان غير عام، في نظام العدل الجنائي الأميركي.

تضم هيئة المُحلّفين الصغرى في العادة 12 عضواً، لكن بعض الولايات لديها هيئات مُحلّفين عدد أعضائها أقل، يتم اختيارهم، على غرار أعضاء هيئة المُحلّفين الكبرى، من بين مجموعة من الناخبين المُسجلين. تكون المستلزمات الإجرائية للمحاكمة على يد هيئة مُحلّفين دقيقة جداً وتستند إلى الافتراض أن المتهم بريء حتى تُثبت إدانته. فليس من واجب المدعى عليه أن يُثبت أنه، أو أنها، بريء من الجرم، بل إن هذا العبء يقع على عاتق الولاية التي عليها أن تُثبت ذنب المتهم، كما أن المعيار بالنسبة للإدانة في الجنايات، والتي هي أخطر الجرائم، يستوجب "تجاوز أي شك معقول". ففي المحاكم الفدرالية، وفي معظم محاكم الولايات، يستلزم قرار الإدانة موافقة بالإجماع. وفي حال صوّتت أكثرية هيئة المُحلّفين لصالح براءة المُدعى عليه، يُبّرأ. لكن إذا صوّتت الأكثرية فقط على قرار الإدانة، فإن ذلك سيؤدي إلى ما يعرف بـ "هيئة المُحلّفين المنقسمة"، وإلى ضرورة إجراء محاكمة جديدة على يد مجموعة محلفين مختلفين.

إن جملة "بريء حتى يَثبُت أنه مُذنب" ليست مجرد كلام غير ذي معنى. فالنصوص الدستورية والقواعد الإجرائية التي تنجم عنها كان القصد منها تصحيح الميزة الواضحة التي تتمتع بها الدولة عند مواجهة مواطن فرد. فعلى مستوى هيئة المحلفين الكبرى، ينبغي على الإدعاء أن يُثبت، بقوة الأدلة، أن المُتهم قد ارتكب الجرم. وهذا المعيار شبيه بمعيار "السبب المُرجّح" الذي يجب أن توفره الشرطة عند سعيها للحصول على مذكرة تفتيش. فهيئة المُحلّفين الكبرى ليست بحاجة لأن تعرف تماماً أن المُتهم هو في الواقع مذنب، بل فقط أن هناك احتمالا معقولا بذلك؛ أما الذنب الحقيقي فتقرره هيئة المُحلّفين الصغرى.

خلال تلك المحاكمة، يَعرض الإدعاء أول?ً قضيته، كما أن كل شاهد يقدمه الإدعاء يمكن استجوابه على يد محامي المُدعّى عليه، وعلى الولاية تقديم أدلة تم تأمينها بطريقة قانونية، وليس بوسعها إدخال أنواع معينة من الأدلة مثل شهادات الرواية عن الغير، أي الادعاءات القائمة بكاملها على أمور سمعها الشاهد من أناس آخرين. كذلك الأمر، ليس بوسعها الإستشهاد بأمور تتعدّى المجال المحدد للمحاكمة الجارية، مثل مشاكل المدعى عليه القانونية في أوقات أخرى. فإذا كان هناك شهود لديهم أدلة ضد المدعى عليه، يجب إحضارهم إلى المحكمة لأن للمدعى عليه الحق، حسب الدستور، في مواجهة الذين يقدمون بيّنات ضده. عند الإنتهاء من عرض الإدعاء، وفي حال اعتقد الدفاع أن الولاية قد فشلت في إثبات قضيتها، يستطيع أن يطلب من المحكمة إسقاط التهم. نادراً ما يحدث ذلك، لكنه يحدث من وقت لآخر، ويخدم في تذكير الولاية أن تقديم تهم غير مبنية على أسس متينة لن يكون مقبولا لدى القضاء.

يقدم الدفاع بعد ذلك مرافعته لعرض وجهة نظره، كما يستطيع أيضاً المدعي العام استجواب شهود الدفاع. وللدفاع بموجب الدستور سلطة فرض حضور شهود يمكنهم تأدية شهادة عن براءة المدعّى عليه. فالدفاع ليس بحاجة لإثبات براءة المدعى عليه بل عليه مجرّد إثبات وجود شك معقول حول اقترافه الذنب.

هذا الموجز هو، بطبيعته، مجرد نظرة شاملة، حيث أن القواعد الإجرائية الفعلية التي تحكم عمل المحاكم مُعقدّة جداً. وهذا هو أحد أسباب ضمان الدستور لحق المتهم بارتكاب جناية في الحصول على محام للمساعدة في الدفاع عنه، أو عنها.

القاضي بايرون هوايت،

في قضية دانكان ضد لويزيانا

1967

لقد طُرح السؤال عما إذا [كانت المحاكمة على يد هيئة مُحلّفين] تُعتبر من المبادئ الأساسية للحرية والعدالة التي تشكل قاعدة لجميع مؤسساتنا المدنية والسياسية... إننا نعتقد أن المحاكمة على يد هيئة مُحلّفين أساسية بالنسبة لنظام العدل الأميركي...  فالنصوص التي تفرض المحاكمة على يد هيئة مُحلّفين في الدستور الفدرالي ودساتير الولايات تشير إلى قرار أساسي بالنسبة لممارسة السلطات الحكومية، وهو عدم الرغبة في إناطة السلطات المطلقة على حياة وحرية المواطنين لقاض واحد أو لمجموعة من القضاة.

من المؤسف أن واقع نظام العدل الجنائي كثيراً ما يكون، بعيداً عن المثل الأعلى. فالمُدّعون العامون المتعبون والكثيرو الانشغال، ومحامو الدفاع العام [المحامون المُكلّفون مجاناً للدفاع عن المدعى عليهم الفقراء]، والقضاة كثيراً ما يلجأون إلى عملية "التفاوض بالنسبة للأحكام القضائية" يوافق بموجبها المدعى عليه على الإعتراف بذنبه لقاء خفض مدة الحكم، فيوفّر بهذا على الولاية الوقت وتكاليف المحاكمة. وعلى الرغم من القواعد المحددة لها، إلاّ أن المحاكمات نادراً ما تكون حسنة الترتيب والتنظيم كالتي يراها المرء على شاشة التلفزيون أو في الأفلام. إذ غالباً ما تعتريها الفوضى والتأجيل. والمحامون ليسوا دائماً يتمتعون بهذه البلاغة التي نراها، كما أن القضاة ليسوا دائماً مِثال الحكمة القضائية. وعلى الرغم من هذا وذاك، وحتى مع كل مشاكله، فإن نظام العدل الأميركي، من حيث نظريته المثالية وممارساته التي يعتريها الخلل أحياناً، يضمن للمتهمين بارتكاب جريمة حماية تفوق أي نظام آخر في العالم. فحق المحاكمة النزيهة أو المنصفة، على غرار جميع الحريات، هو عمل متواصل، ويتغير ويتحسن ليجاري التحولات المشابهة في المجتمع.

الحقيقة أنه عندما ننظر كيف تغّير نظام هيئة المُحلّفين عبر السنين، نرى أن التغيير في إطار عمل الدستور كان دائماً القاعدة وليس الاستثناء. لقد لاحظ توماس جفرسون في أواخر القرن الثامن عشر أن "الفطنة الفطرية لاثني عشر رجلاً شريفاً (المُحلّفين) يُعزّز فرص اتخاذ القرار العادل." وكان يمكن له أن يضيف أيضاً، في ذلك الحين، "إثنى عشر رجلاً شريفاً، أبيض البشرة، ومن أصحاب الأملاك"، طالما أن لوائح المُحلّفين في الولايات المتحدة كانت دائماً لا تؤخذ، حينئذ، إلاّ من لوائح تسجيل الناخبين. فكما  توسّع حق الاقتراع عبر التاريخ (راجع الفصل 12)، كذلك توسعت حقوق ومسؤوليات الناس الذين كانوا حتى ذلك الحين يجري استثناؤهم  من المشاركة الكاملة في أعمال الحكومة والقانون. فكما لاحظت المحكمة العليا سنة 1940، "أن أفكارنا حول ما هي هيئة المُحلّفين الملائمة تطّورت بالتوافق مع مفاهيمنا الأساسية للمجتمع الديموقراطي وللحكومة التمثيلية. وهذا جزء من التقاليد الثابتة... أن تمثّل هيئة المحلفين المجتمع فعلاً."

لقد سقط اعتبار شرط حيازة الملكية للمشاركة المدنية في وقت مبكر من التاريخ الأميركي بحيث لم تعد أي ولاية، بحلول الثلاثينات من القرن التاسع عشر، تفرض حيازة ممتلكات كشرط مُسبق للإقتراع أو للخدمة في هيئة المُحلّفين. لكن، وعلى الرغم من أن الحرب الأهلية أنهت العمل بنظام الرق، فإن بعض الولايات الجنوبية حاولت استثناء السود من هيئات المُحلّفين فقط بسبب عرقهم. وفي سنة 1879، أسقطت المحكمة العليا قانون ولاية وست فرجينيا الذي يقصي السود عن الخدمة في هيئات المُحلّفين الكبرى والصغرى. لكن، لما كانت المؤهلات اللازمة للاقتراع تُعتبر مسائل تخص قانون الولايات، فبعدما حاولت الولايات الجنوبية ابتكار حيل مختلفة لحرمان السود من الإقتراع، خططت أيضاً لاستثناء السود من هيئات المُحلّفين. فإذا كانت لوائح الناخبين (التي يتم اختيار المحلفين منها) لا تضم السود، فإن المُحلّفين لن يتم اختيارهم من بين السود أيضاً.

لكن عندما بدأت حركة الحقوق المدنية تتشكل في الأربعينات من القرن الماضي، لاقت الاعتراضات على استثناء السود من هيئات المُحلّفين آذاناً صاغية ومؤيدة في المحاكم الفدرالية. كانت إحدى الأسباب أن الأفكار والمثل العليا للبلاد المتعلقة بالعرق في طور التغيير والتي أعطت ثمارها خلال الاضطرابات الكبرى في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بحيث أكسبت السود الأميركيين، في نهاية المطاف، الحقوق القانونية الكاملة في البلاد. وقد شدّدت المحاكم مراراً وتكراراً، على أن إقصاء مجموعات معيّنة عن الخدمة في هيئات المُحلّفين لا يعني التمييز ضد تلك المجموعات ومنعها من المشاركة بالكامل بواجباتها المواطنية فحسب، بل وأيضاً، حرمان المتهمين بجرائم من أحد أهم صفات المحاكمة المنصفة، أي هيئة مُحلفّين مشكله من نظراء المرء.

وعلى مرّ السنين، قُدمت قضايا أمام المحاكم ليس فقط من جانب الذين، لسبب أو لآخر، أُبعدوا عن لوائح هيئات المُحلّفين، بل أيضاً من جانب المدّعى عليهم الذين ادّعوا بدورهم أن منع بعض المجموعات من الخدمة في هيئات المُحلّفين يحرمهم من الإجراءات القانونية المناسبة.

القاضي ثورغود مارشال،

في قضية بيترز ضد كيفّ

1972

عندما يُستثنى جزء هام ومعروف من المجتمع من الخدمة في هيئة المُحلّفين، فإن النتيجة تكون إقصاء صفات معينة من الطبائع الإنسانية ومن التجارب البشرية المتنوعة، والتي لا يُعرف مداها، وربما غير ممكن معرفته، عن غرفة المُحلّفين. ومن غير اللازم الافتراض أن الفئة المستثناة سوف تُصّوت دائماً كمجموعة موحدة بحيث يمكننا الاستنتاج... أن إبعادها سوف يحرم هيئة المُحلّفين من رأي في الأحداث البشرية، قد يكون ذا شأن غير مُتوقع، في أي قضية قد تُعرض أمام المحاكم.

تألفت الفئة الأوسع المستثناة من لوائح المُحلّفين من النساء. فحتى بعد حصولها على حق الإقتراع سنة 1920، استمر إقصاء النساء عن الخدمة في هيئات المُحلّفين بحجة أن أولى واجباتهن هو العناية ببيوتهن وعائلاتهن. وحتى إذا كان يحق للمرأة الإقتراع، فإن التحيز الذكوري الشديد، استمر في فرض الرأي القائل إن المعلومات "الفجة" التي قد تسمعها النساء في مجرى المحاكمات الجنائية قد تشكل صدمة بالنسبة "لمشاعرهن الحساسة."

القاضي وليام أو. دوغلاس،

في قضية بالارد ضد الولايات المتحدة

1946

لو كان الحال عكس ذلك، فمن كان سيزعم أن هيئة المُحلّفين تمثل حقاً المجتمع إذا تم استثناء الرجال عمداً وبانتظام من هيئة المُحلّفين؟ الحقيقة أن الجنسين لا يمكن استبدالهما؛ فالمجتمع المؤلف من جنس واحد يختلف عن المجتمع المؤلف من كلا الجنسين؛ وإن التفاعل البارع لتأثير الواحد على الآخر هو أحد الأمور التي لا يمكن التنبؤ بها … وفي حال استثناء  أي من الجنسين سوف نخسر نكهة أو صفة معيّنة، فاستثناء أحدهما ينتقص بالطبع من الصفة التمثيلية للمجتمع المطلوبة من هيئة المُحلّفين.

وفي نهاية الأمر حازت النساء على حق المشاركة الكاملة في نظام هيئات المُحلّفين، وليس هناك ما يدل على أن ذلك أدى إلى أذيتهن. على العكس، وفر لهن ذلك إحساساً أفضل بالمسؤوليات التي ترافق المواطنية، كما هي الحال بالنسبة لجميع الفئات التي اتسعت حقوقها.

*     *     *     *     *

إن الغاية من نظام هيئات المُحلّفين، كما رأينا، هي، أولاً وقبل أي شيء، حماية حقوق المُتهمين بارتكاب جرائم. تؤكد هذه النظرية أن مجموعة من المواطنين من نظراء المرء مؤهّلة أكثر للحكم في مسألة الذنب أو البراءة. كما أن نظام هيئة المُحلّفين هو، ثانياً، أساسي للديمقراطية من حيث أنه يفرض مسؤولية جدّية على أفراد بإمكانهم أن يتعلموا، ربما في ذلك المكان دون سواه، كيف تعمل الديمقراطية. لكن يبقى هناك مظهر ثالث للمحاكمة على يد هيئة المُحلّفين، يتمثل في الطمأنينة التي توفرها للمجتمع عموماً بأن النظام القانوني يعمل بالشكل الصحيح.

رئيس المحكمة وارن  إي. بورغر،

في قضية ريتشموند نيوزبايبرز إنك، ضد فرجينيا

1980

يمكن إرجاع أصول  الإجراءات القانونية، والتي أصبحت أصول المحاكمات الجنائية الحديثة في القضاء الانكلو – أميركي، إلى أبعد مما تتيحه لنا السجلات التاريخية الموثوق بها...  المهم بالنسبة لأغراضنا الحاضرة هو أن المحاكمات كانت دائماً، عِبر تطّورها، مفتوحة لمن يشاء المشاهدة...  فاستناداً إلى هذا التاريخ غير المنقطع، وغير المناقض، والذي تدعمه مبررات صحيحة اليوم كما في قرون مضت، نصبح مُلزمين بالاستنتاج أن افتراض الإنفتاح ملازم لطبيعة المحاكمات الجنائية في نظامنا القضائي.

يحظر التعديل الأول، المترافق مع التعديل الرابع عشر على الحكومة "الحدّ من حرية التعبير، أو من حرية الصحافة؛ أو من حق الناس بالتجمع بسلام، وبالتماس الحكومة لتصحيح المظالم." لهذه الحريات المضمونة صراحةً غاية جوهرية مشتركة هي تأمين حرية التواصل في أي مسائل متعلقة بطريقة عمل الحكومة. من الواضح انه من الصعب تمييز أي وجه من أوجه عمل الحكومة يحظى باهتمام وأهمية أكثر لدى الناس من طريقة إجراء المحاكمات الجنائية.

تمّ إُقرار قانون الحقوق على خلفية من تاريخ طويل للمحاكمات المفترض أنها مفتوحة. كان يُنظر إلى حضور الجمهور  في المحاكم آنذاك كمظهر هام من مظاهر المحاكمات نفسها؛ وكان ينظر إلى إدارة المحاكمات "أمام الناس الراغبين مهما كان عددهم" كاحدى "الميزات التي لا تُثمّن في التشكيل الإنكليزي نظام الحكم". ففي ضمان الحريات، مثل حرية التعبير والصحافة، يمكن قراءة التعديل الأول على أنه يحمي حق كل فرد في حضور المحاكمات وذلك لإضفاء معنى على تلك الضمانات الصريحة… وهذا يعني، في سياق المحاكمات، أن ضمانات التعديل الأول لحرية التعبير وللصحافة لوحدها، تحظّر على الحكومة إغلاق قاعات المحاكم بصورة اعتباطية وهي التي  كانت دائماً مفتوحة عندما تمّ تبني هذا التعديل. "ذلك أن التعديل الأول لا التباس في كلامه… ويجب اعتباره كأمر على أوسع نطاق تسمح به اللغة الواضحة، عند قراءته في سياق مجتمع يعشق الحرية."

نعتقد أن حق حضور المحاكمات الجنائية صريح في ضمانات التعديل الأول؛ فبدون حرية حضور تلك المحاكمات الذي مارسه الناس طيلة قرون، فإن مظاهر هامة من حرية التعبير و"حرية الصحافة يمكن أن تزول".

على الرغم من أن العديد من الناس لن يحضروا أي محاكمة طيلة حياتهم، فيبقى لهم الحق في ذلك. قد يقول البعض إن من واجبهم أن يفعلوا ذلك لأنه إذا كان التيقظ الدائم هو ثمن الحرية، فيجب أن يكون هناك إشراف دائم على ما يعتبره الكثيرون عنصراً أساسياً في المجتمع الديمقراطي.

*     *     *     *     *

كانت المحاكمات على يد هيئات المُحلّفين، خلافاً لجميع الحريات الأخرى تقريباً، عرضة لإنتقادات جدّية، ومن النوع الذي يتطلب دراسة موسعة. لا يطالب الناس في أيامنا بوجوب استبدال المحاكمات على يد هيئات المُحلّفين بأصناف من التعذيب مثل القتال، أو بالمحاكم المُغلقة حيث يُصدر حاكم منفرد قرارات غير قابلة للمراجعة. إن المثل الأعلى لمحاكمة حرة ومنصفة هو إحقاق العدالة، ويزعم المنتقدون أن النظام الحالي أصبح يحمل أكثر من طاقته لدرجة لم يعد بالإمكان معها قيام محاكمات حرة ومنصفة فعلاً.

فالنظام الحالي، كما يزعمون، يعمل بطريقة سيئة. هناك عدد كبير جداً من المحاكمات، العديد منها لمخالفات بسيطة، يمكن ويجب أن تعالج بطريقة أكثر فعالية. إن الجداول الزمنية المحاكم مُكتظّة لدرجة أن هناك في أحيان كثيرة تأجيلات لأشهر أو ربما لسنوات قبل أن يساق متهم إلى المحاكمة، وكما يقال "فالعدالة المؤجلة عدالة مرفوضة". المحامون العامون منهمكون ولا يستطيعون تقديم مساعدة فعالة للناس الفقراء الذين يخدمونهم. من جهتهم، يرغب المدعون العامون، الذين يواجهون عدداً كبيراً جداً من الدعاوى بعدد غير كافٍ من الموظفين، في الدخول في التماسات للتفاوض على طبيعة الأحكام القضائية، التي كثيراً ما تؤدي إلى إنزال عقوبات بالمتهمين بجرائم صغيرة نسبياً، بينما يحكم على المتهمين بجرائم أهم بالحد الأدنى من العقوبات.

هل تُعتبر هيئات المُحلّفين أفضل وسيلة لتقرير الحقيقة، حتى عندما يحضر عامة الناس المحاكمة؟  في الأزمنة السابقة، كان يقوم جزء من الأسس المنطقية لهيئات المُحلّفين على أن الأعضاء في الهيئة يعرفون الجوار، ويعرفون بصورة أفضل الضحية والمدعى عليه، ويعرفون الوقائع، وهم بالتالي أفضل قدرة على التوصّل إلى قرار منصف وعادل. اليوم، يتم اختيار هيئة المُحلّفين من لوائح الناخبين في نطاق دوائر انتخابية تمتد على مساحة مئات الكيلومترات المربعة وتضم مئات الألوف من السكان. فنادراً ما يعرف المُحلّفون المُتهمين، وإذا كانوا يعرفونهم فإن ذلك يستوجب إعفاءهم من الخدمة في هيئة المحلفين بسبب الافتراض أن المعرفة الشخصية قد تؤثر بشكل غير مناسب على قرارهم. وهل بوسع المواطن العادي أن يفهم فعلاً المسائل الاقتصادية والحسابية التي تنطوي عليها قضايا مقاومة الاحتكارات الكبرى، والتلاعب والتزوير بأسهم الشركات؟

هل هناك وسائل أكثر فعالية لإدارة نظام العدل الجنائي؟ في بريطانيا، مهد المحاكمات على يد هيئات المُحلّفين، يتم تقرير واحد بالمئة فقط من المحاكمات المدنية، وخمسة بالمئة من المحاكمات الجنائية، على يد هيئات المُحلّفين. ويعتبر الكثيرون أن "محاكمات المِنصّة" حيث يستمع قاضٍ منفرد أو مجموعة من القضاة إلى القضايا دون هيئة مُحلّفين، تتطلب وقتاً أقل، وتكلّف أقل، وهي منصفة وفعالة، طالما أنها مفتوحة للجمهور ويمكن مراجعتها من قبل محاكم الإستئناف. بل أكثر من ذلك، ففي القضايا التي تنطوي على مسائل قانونية صعبة، يكون القضاة مُجهّزين أكثر من الناس العاديين لإتخاذ القرارات.

انطلاقاً من هذه الإعتبارات، قامت في الولايات المتحدة، في حقل القانون المدني، حركة متنامية باتجاه التحكيم غير المنحاز حيث يتفق الطرفإن على التقيّد بقرارات رجل غريب ومتجرّد. يُقال إن التحكيم أسرع إذ لا يؤدي إلى التأجيل بسبب جداول مواعيد المحاكم المكتظة؛ وإن التحكيم منصف، وعندما يعني الأمر مؤسسات الأعمال التجارية، فإنه يسمح بأن يحصل الفرقاء على قرار يستند إلى قواعد السوق التجارية التي يعملون فيها.

وأخيراً، هناك من يدّعي أن هيئات المُحلّفين معروفة بتقلباتها السريعة وأنه يمكن أن تتجاهل القانون عندما تقررّ أنه كانت للمدّعى عليه أسباب تُبرر عمله، أو أن بالإمكان التلاعب بالمحلفين على يد محامين بارعين.

جميع هذه الإنتقادات صحيحة جزئياً، والواقع أن أنظمة العدل الجنائية والمدنية الأميركية تعتمد اليوم على أشكال متنوعة من المحاكمات. فهناك محاكمات مِنصّة وهناك تحكيم. علاوةً على ذلك، كثيراً ما ينتج عن عمل الشرطة الجيدّ كمّ كبير من الأدلة بحيث يُقر المجرمون بذنبهم دون محاكمة على يد هيئة المُحلّفين. أما بالنسبة لمن يُسمّون المُحلفين "المتمردين" الذين يتجاهلون القانون للتصويت حسب عواطفهم، فإنها نقطة ضعف ظرفية في النظام تعتمد بقوة على قرارات الناس العاديين. علاوة على ذلك، كانت هناك أوقات في التاريخ الأميركي تم فيها "إبطال هيئة المُحلّفين" لأن المُحلّفين اعتبروا أن القوانين ذاتها غير عادلة. فقبل الثورة الأميركية، كان المُحلّفون المحليون يرفضون إدانة جيرانهم المتهمين بالتهريب لإعتبارهم أن قوانين التجارة والملاحة الإنكليزية غير عادلة.

لكن إلغاء المحاكمات على يد هيئة المُحلّفين بسبب ما تُعتبر نقاط خلل في النظام سوف يعنى توجيه ضربة إلى الحكومة الديمقراطية نفسها. أما الذين يعتقدون انهم سوف يقومون بعمل أفضل أن هم لجأوا إلى محاكمات المِنصّة، أو (في الأمور المدنية) إلى التحكيم، فإن هذا الخيار قائم. لكن الأمل الوحيد لإثبات براءتهم هو، بالنسبة للكثيرين، المثول أمام هيئة مُحلّفين من نظرائهم، حيث على الولاية أن تؤكد حصول الذنب "دون أي شك معقول".

أما المنتقدون الذين ينظرون إلى نظام هيئات المُحلّفين فقط من زاوية فعاليته أو عدم فعاليته، يفشلون أيضاً في إدراك الأهمية التي تتمتع بها هيئات المُحلّفين، بغض النظر عن مسألة تقرير الذنب أو البراءة. فمع تحّول المجتمع إلى مجتمع أكثر تعقيداً، يخشى العديد من الناس من أن المواطن العادي يزداد ابتعاداً عن الحكومة، وأن الرجال أو النساء يفقدون الإحساس بالمشاركة في عملية الديمقراطية اليومية. فالخدمة في هيئات المُحلّفين ربما كانت الوحيدة، من بين كل ما يفعله المرء، التي لا تزال تؤمّن ذلك الإحساس بالمسؤولية وبالمشاركة.

إن المحاكمة الحرة والمنصفة على يد هيئة مُحلّفين من نظراء المرء لا تزال حقاً هاماً للناس، للذين يُتهمون بارتكاب جرائم كما للذين يُطلب منهم إثبات ذلك الواقع.

قراءات إضافية

Jeffrey Abramson, We the Jury: The Jury System and the Ideal of Democracy (New York: Basic Books, 1994).

Harry Kalven, Jr., and Hans Zeisel, eds., The American Jury (Boston: Little, Brown and Company, 1966).

Linda K. Kerber, No Constitutional Right to be Ladies (New York: Hill & Wang, 1998).

Godfrey D. Lehman, We the Jury: The Impact of Jurors on Our Basic Freedoms (Amherst, NY: Prometheus Books, 1997).

Leonard W. Levy, The Palladium of Justice: Origins of Trial by Jury (Chicago: Ivan R. Dee, 1999).

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي