مواطنون لهم حرية التعبير | الديمقراطية في العالم

24 أيار/مايو 2008

الحماية المتساوية أمام القانون

 

كما لا يجوز لأي ولاية … أن تحرم أي إنسان ضمن نطاق

سلطتها القضائية من الحماية المتساوية أمام القوانين

-  التعديل الرابع لدستور الولايات المتحدة

في النصف الثاني من القرن الماضي، كان الأمر الدستوري الذي فرض توفير الحماية المتساوية أمام القوانين لجميع الناس حاسماً للحركات الاجتماعية الكبرى، التي أمّنت حقوقاً قانونية متساوية لجميع الملونين، والنساء، ومجموعات أخرى في الولايات المتحدة. في مفهومه، يعتبر هذا الأمر الدستوري أحد أنبل النصوص في الدستور الأميركي، وعملياً، واحداً من أقوى الأوامر. فبدون السلطة التي يوفرها هذا التعديل الدستوري، فإن من غير المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد حققت هذا القدر العظيم من التقدم الاجتماعي الذي حققته خلال السنوات الخمسين الماضية، ولبقي أميركيون عديدون عرضة التمييز المؤسساتي الذي جعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية، عاجزين عن التصويت أو التمتع بجميع الحقوق. وعلى الرغم من أن التعديل الرابع عشر، أصبح جزءاً من الدستور في عام 1868، لم يزدهر التفسير الواسع لمعنى" الحماية المتساوية"، إلاّ بعد مرور 90 عاماً تقريباً على هذا التاريخ.

*    *    *    *    *

        عندما كتب توماس جيفرسون في إعلان الاستقلال، أن "كافة البشر خلقوا متساوين"، لم يكن يقصد المساواة الاجتماعية أو الاقتصادية. بل آمن هو وغيره، من جيل المؤسسين، بأن المجتمع بطبيعته لا يمكن مطلقاً أن يكون متجانساً اجتماعياً واقتصادياً، حيث أن الناس يختلفون في قدراتهم وفضائلهم. فلم يسع المؤسسون إلى تسوية طبقات المجتمع، بل إلى توفير الفرص المتساوية لكل فرد للاستفادة القصوى من قدراته. ولتحقيق هذه الفرصة، كان على جميع الرجال (كانوا في ذلك الوقت مهتمين فقط بالرجال) الوقوف أمام القانون على قدم المساواة. فلا يجوز وضع قانون خاص بالأثرياء وآخر خاص بالفقراء، مع أن المؤسسين تجاهلوا الوجود الواضح لقانون خاص بالبيض وآخر بالرقيق (بالسود). وفي جيل لاحق، عندما تكلم الديموقراطيون من اتباع أندرو جاكسون، عن المساواة فقد كانوا يعنون نفس الشيء- مساواة في الفرص تستند إلى المعاملة المتساوية أمام القانون.

والجدير بالاهتمام في هذا السياق عدم ذكر عبارة فرصة متساوية، لا في النص الأصلي للدستور ولا في قانون الحقوق. كما لم تعتبر هذه العبارة ضرورية الذكر إلا بعد انتهاء الحرب الأهلية، عندما أصبح واضحاً عدم وجود نية لدى الولايات المهزومة بأن تُعامل بإنصاف الأرقاء الذين تم تحريرهم. واجه الكونغرس هذا الأمر بوضعه التعديل الرابع عشر للدستور والمصادقة عليه، بحيث لم يكتف بمنع  الولايات من حرمان أي مواطن من حقه في تطبيق الإجراءات القانونية، بل زاد حقه في الحماية المتساوية أمام هذه القوانين أيضاً.

قاضي المحكمة العليا ستانلي ماتيوز

في قضية ييك وو ضد هوبكينز

1886

ان تأمين الحماية المتساوية أمام القوانين هو تعهد بالحماية التي توفرها قوانين متساوية

        ولكن، ومنذ البداية، كان معنى "الحماية المتساوية" مرتبكاً في بعض الأحيان، ربما لأن واضعي التعديل الرابع عشر لم يتركوا لنا أي شرح لما كانوا يقصدونه بالضبط. من جهة أخرى، يمكن فهم الحماية على أنها تعني وجوب التطبيق الصارم لأي قانون على كل الناس مهما كانت توحي به الفطنة الفطرية. فمن الممكن أن يصبح هذا المبدأ المتطرف سخيفاً، إذا كان يقول إن القوانين لا يمكن لها أن  تُميّز، بأي شكل أو طريقة كان، بين جميع الأفراد أو الجماعات. فاجتياز اختبار للنظر، مثلاً، كشرط للحصول على رخصة قيادة يُميّز بوضوح ضد العميان أو الذين يعانون من عوائق بصرية. لكن يبقى هذا يمثل شكلاً مقبولاً من أشكال التمييز.

رأي قاضي المحكمة العليا أنطوني كينيدي

في قضية رومر ضد ايفإنز

1996

يجب أن يتعايش المبدأ الذي اعتمده التعديل الرابع عشر، القائل بعدم جواز حرمان أي شخص من الحماية المتساوية أمام القانون، مع الضرورة العملية لمعظم القوانين بأن تصنف (الناس) لغرض أو لآخر، ومع ما ينتج عن ذلك من أضرار  تصيب الجماعات أو الأفراد. لقد حاولت (المحكمة) ان تجعل هذا  المبدأ متسقا مع الواقع الحقيقي، من خلال التأكيد بأنه في حال لم يؤثر القانون سلباً على أي حق أساسي، ولم يستهدف فئة ملتبس أمرها (مجموعة من مواطنين معرضة للخطر)، فإننا سوف ندعم التصنيف في التشريع، طالما يكون لهذا التصنيف علاقة منطقية مع هدف شرعي معيّن.

        تعتمد جميع القوانين على نوع من أنواع التصنيف، وفي حالات عديدة تطبّق القوانين فقط على أفراد معيّنين دون آخرين. كما يمكن معاملة الناس بصورة مختلفة بموجب أحكام نفس القانون. فمثلاً، تستطيع خطة تقاعد لموظفي الدولة أن تُفرق بين الموظفين بالتأكيد في مبلغ تعويض التقاعد استناداً إلى المرتبة، وعدد سنوات الخدمة، والراتب. يفرض القانون الجنائي والقانون المدني عقوبات يتم التمييز بينها بوضوح استناداً إلى عدد من الظروف. فعلى سبيل المثال، من المحتمل أن تصدر على امرأتين أدينتا بنفس الجريمة، مثلاً جريمة قتل، أحكاماً مختلفة بدرجة كبيرة استناداً إلى الظروف المحيطة بكل قضية. وكما لا نرغب أن يُفرّق القانون بدرجة واضحة جداً بين أفراد على أساس خصائص كالسن، والطول، والجنس، والعرق، أو الدين، فلا نرغب في نفس الوقت بقانون يفرض معاملة جميع الناس بصورة متساوية تماماً، بغض النظر عن الظروف المحيطة.

        شكّلت الأصول التي وضع بسببها التعديل الرابع عشر، بصفته برنامج عمل لإعادة إعمار الولايات الكونفدرالية بعد الحرب الأهلية، الأسس التي اعتمدت في المحاكم لتفسيره عبر سنوات عديدة. فرغم اللغة الواضحة التي صيغ بها التعديل والتي لا تشير تحديداً إلى العرق، فقد فهم كل عضو من أعضاء المؤتمر الذي اقترح هذا التعديل أن المقصود منه كان حماية الرقيق السابقين من التمييز، ولا شيء آخر. عبّر التعليق الشهير الواضح تماماً للقاضي هارلان عن القصد من التعديل الرابع عشر حين قال، إن الدستور مصاب بعمى الألوان.

قاضي المحكمة العليا جون مارشال هارلان

في قضية بليسي ضد فرغوسون

1899

في نظر الدستور، كما في نظر القانون، لا يوجد في هذه البلاد أي طبقة من المواطنين ذات مرتبة عليا، أو مسيطرة، أو حاكمة. ولا يوجد نظام تمييز بين الطبقات هنا. فدستورنا مصاب بعمى الألوان، ولا يعرف أو يسمح بوجود طبقات اجتماعية بين المواطنين.

        عبّرت كلمات القاضي هارلان عن المثال الأعلى، إن لم تمثل دائماً واقع حياة الرقيق السابقين وذريتهم. دخل الاتحاد الشمالي المنتصر، بعد القضاء على الرقّ وإدخال مبادئ نبيلة في الدستور، في فترة توسع اقتصادي ونمو صناعي، ولكنه ترك للولايات الجنوبية مشكلة التمييز العرقي كي تحلها كما يحلو لها. وكانت النتيجة ستة عقود من التمييز المنتظم ضد الأميركيين الأفريقيين، وهي قوانين تمييز أطلق عليها اسم "جيم كراو". أُخذت عبارة "جيم كراو" من شخصية ممثل أبيض يقوم بدور زنجي في مسرحيات كوميدية شاعت في ذلك الوقت. كان الممثل يطلي وجهه باللون الأسود كي يظهر على شكل زنجي. وفي آخر الأمر انتشرت هذه العبارة عبر الولايات الجنوبية للإشارة إلى التمييز بين الأعراق.

وفي نهاية المطاف سقط التمييز، أي التمييز القانوني بين البيض والسود بموجب قوانين الولايات والقوانين المحلية، بوجه فقرة الحماية المتساوية، ولكن في غضون ذلك كانت هذه الفقرة قد اختفت عملياً من القاموس الدستوري. رفضت المحاكم، في ما عدا قضايا تمييز متطرفة معينة، تطبيق هذه الفقرة بصورة واسعة على العلاقات العرقية، ورفضت استخدامها أيضاً في حالات أخرى، اعتقاداً منها أن الغاية منها كانت محدودة لتبرير التعديل الرابع للدستور ككل لا غير. وبحلول عام 1927، كان من الممكن للقاضي اوليفر وندل هولمز ان يصف مادة الحماية المتساوية على أنها "الملاذ الأخير المعتاد للحجج الدستورية"، إذ لم يكن لها أثر يُذكر في النظام القانوني ككل.

        بدأت جميع هذه المواقف تتغير خلال الحرب العالمية الثانية. وفي أحد المنعطفات التي تنطوي على المفارقة في التاريخ، بدأت الحياة تدب من جديد في فقرة التعديل الرابع. لكن ذلك لم يتم في قضية تتعلق بالتمييز ضد الملونين علناً، بل في قضية حُكم بسببها على لصوص دجاج بعقوبة مفرطة في قسوتها – وهي عقوبة التعقيم للرجلين- أكثر من العقوبات التي كانت تصدر بحق مجرمين مُدانين بأشكال "حضارية" من أعمال اللصوصية، مثل اختلاس الأموال. طرح القاضي وليام أو. دوغلاس السؤال الأساسي: هل من الإنصاف تطبيق قانون صارم على جميع المجرمين باستثناء المختلسين الأثرياء؟ كان الجواب بالنفي الأكيد. أكد أن هذا التفاوت الكبير في العقوبات المستند إلى الطبقة الاجتماعية للمتّهمين، ينتهك المضمون الكامل لمادة الحماية المتساوية. ثم تابع ليقترح ان أي قانون يعتدي على الحقوق الأساسية، بطريقة تنتهك مادة الحماية المتساوية، يجب أن يخضع إلى تدقيق قضائي صارم من جانب المحاكم. بعد الأخذ بهذا التحليل، أصبحت المرحلة جاهزة للثورة العظيمة للحقوق المدنية التي حدثت في العقود التي تلت مباشرةً انتهاء الحرب.

*  *   *  *  *

        وكان الركود الاقتصادي العظيم في الولايات المتحدة قد خلق شعوراً جديداً بما يجب، وبما لا يجب، أن تقوم به الحكومة. فقد أُزيل المبدأ القديم القائل بوجوب عدم تدخل الحكومة الفدرالية كثيراً في الاقتصاد، بسبب الحاجة لأن تقوم الحكومة في الثلاثينات من القرن الماضي بتخفيف تأثيرات الاقتصاد المحطم، ومن ثم في الأربعينات من ذلك القرن، لحماية البلاد أُثناء الحرب. في الوقت ذاته، بدأ جيل جديد من المحامين والمدافعين عن الحقوق المدنية بالتفكير العميق في الدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومة، وبالأخص المحاكم، في القضاء على التمييز العرقي. تشجع هؤلاء، ليس بسبب بعض القضايا التي قضت المحكمة العليا فيها بإبطال مبدأ استثناء السود من الاشتراك في الانتخابات الحزبية التمهيدية فحسب، بل وأيضاً من بيانات مثل "يجب الارتياب فوراً من أي قيود قانونية تقلّص الحقوق المدنية لإحدى المجموعات العرقية"، وهي الصياغة التي استخدمت في أكثر من قضية واحدة.

        عندما عيّن الرئيس دوايت ايزنهاور ايرل وارن رئيساً للمحكمة العليا للولايات المتحدة عام 1952، كانت المرحلة قد أصبحت جاهزة لتنفيذ ما عُرف باسم "ثورة المساواة." لم يكن لدى وارن والأعضاء الآخرين في المحكمة اهتمام بالقضاء على الفروقات القائمة بين الناس بسبب الموهبة والكد في العمل أكثر مما كان لدى جيفرسون والآباء المؤسسين. ولكنهم لم يملكوا، من الناحية الدستورية، إمكانية البقاء صابرين بوجه العوائق الاصطناعية التي أوجدتها حالات عدم المساواة أمام القانون، أو حالات المعاملة غير المتساوية لمجموعات معينة.

        جاء أعظم تأكيد لهذا المبدأ في الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في قضية براون ضد مجلس التعليم (1954)، والتي تعتبر دون شك أهم قضية نظرت فيها المحكمة خلال القرن العشرين. واصلت المحكمة العليا، وعلى مدى يفوق العشر سنوات، بالاقتطاع البطيء من أجزاء مبدأ "جيم كراو"، والذي كان يؤدي إلى تطبيق الفصل العرقي بين السود والبيض بأساليب قانونية وفي مجالات عديدة. وأدركت المحكمة أنها ارتكبت خطأً في نهاية القرن التاسع عشر بتصديقها على حكم في القضية التي عرفت بقضية بليسّي ضد فرغسون (1896). واجهت المحكمة في قضية براون التفرقة العنصرية بشكل مباشر وأعلنت أن هذه الممارسة تنتهك الأمر الدستوري بتأمين حماية متساوية للجميع.

رئيس المحكمة العليا في لقضية

براون ضد مجلس التعليم

1954

هل الفصل بين الأطفال في المدارس العامة على أساس العرق وحده، حتى ولو بقيت المرافق المادية والعوامل "الملموسة" الأخرى متساوية، يحرم الأطفال المنتمين إلى مجموعة أقلية من فرص تعليمية متساوية؟ نعتقد أنه يفعل ذلك… نستنتج انه لا مكان في حقل التعليم العام للمفهوم الذي يقول "منفصل لكن متساوٍ". فالمرافق التعليمية المنفصلة بطبيعتها غير متساوية ….  ولذلك يُشكّل هذا الفصل إنكاراً لمبدأ الحماية المتساوية أمام القوانين.

عندما أعلن وارن "ان المرافق التعليمية المنفصلة بطبيعتها لا تتصف بالمساواة"، بدا على أنه يعني أن الفصل العرقي (أو التمييز العنصري) ينتهك الأمر الدستوري بتأمين "الحماية المتساوية"، في جميع الأوقات والأماكن. وبالفعل، أكدت محكمة العدل العليا منذ عام 1868 عدم دستورية الفصل العرقي، وقال ان الأحكام التي أكدت عكس ذلك، كما حدث في قضية بليسي، تقررت بصورة خاطئة.

ولكن وارن عنى أكثر من ذلك، وكان هذا المعنى الأخير هو الذي أعطى هذا القدر الكبير لتفسيرات الحماية المتساوية. تتغير المفاهيم الدستورية مع تغير الأزمنة والظروف. في بداية القرن التاسع عشر، شدّد رئيس المحكمة العليا جون مارشال على الشعب الأميركي بأن يتذكر دائماً ان المقصود من الدستور كان "تكييفه للتطبيق في مختلف أزمات الشؤون الإنسانية."  لا يَقبل مبدأ "الدستور الحي" هذا جميع فقهاء القانون أو القضاة، ولكن تاريخ مادة الحماية المتساوية في النصف الثاني من القرن الأخير يشير إلى أن تطبيقاتها، وربما المعنى الذي ترمي إليه أيضاً، قد تغيرت بمرور الزمن.

كينيت ال. كارست

الانتماء لأميركا: المواطنية المتساوية والدستور

1989

إذا كانت قضية براون ضد مجلس التعليم قد عكست التغيير في الثقافة المدنية الأميركية، فإنها ولدت أيضاً تغييرات لاحقة. كانت قضية براون أهم قرار اتخذته المحكمة العليا في القرن العشرين. ويعتبر اليوم على انه أكثر من قرار حول المدارس أو حتى قرار حول الفصل العرقي. فقضية براون هي رمزنا الرسمي الرئيسي للمبدأ القائل إن الدستور يحرّم وجود نظام فصل بين الطبقات الاجتماعية بالنسبة إلى القانون.

        لم يبق من الممكن على الإطلاق، بعد صدور الحكم في قضية بروان، استمرار العلاقات العرقية السابقة في الولايات المتحدة. فقد اكتسبت الحملة الناشئة لاستعادة الحقوق المدنية حياة جديدة، ونمت قوتها خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين لتصبح حركة الحقوق المدنية. عندما انتشر 200 ألف إنسان عند نصب لينكولن في آب /أغسطس، 1963 للمطالبة بتطبيق الحقوق المدنية، استمعوا إلى البيان الشاعري الذي ألقاه مارتن لوثر كنغ جونيور حين قال، انه في ظل الحماية المتساوية التي يؤمنها القانون، "سوف يتمكن في يوم من الأيام من الجلوس سوية على تلال جورجيا الحمراء، أبناء الأرقاء السابقين مع أبناء مالكي الرقيق السابقين حول مائدة الاخوة."

        لم يختلف كنغ، ولا الرئيس جون اف. كينيدي، بدرجة كبيرة في تفسير مبدأ الحماية المتساوية عن التفسير الذي أعطاه جيفرسون وجاكسون لها قبلهما. فقد أرادا فقط توسيع هذا المبدأ ليشمل فئات أخرى من الشعب. أرادا أن تتم معاملة جميع الأميركيين وفقاً لميزاتهم، ومواهبهم، وفضائلهم، وليس وفق حالات عَرضية كلون البشرة، أو الجنس، أو المعتقد الديني. حمل قانون الحقوق المدنية لعام 1964، الذي اقترحه كينيدي ووقعه كقانون الرئيس ليندون جونسون، نفس الموضوع. الناس مختلفون، ولكن يجب أن يعاملهم القانون على قدم المساواة.

ما أكدته أساساً قضية براون وقضايا أخرى، كما أكده قانون الحقوق المدنية لعام 1964، وبالتأكيد ما أكدته حركة الحقوق المدنية بكاملها، أنه بغياب الحماية المتساوية أمام القوانين، لا يمكن قيام مواطنية كاملة لأفراد الاقليات، وبدونها لن تكون هناك سوى ديموقراطية مقتصرة. ربما، كما قد يجادل البعض، الديموقراطية هي التي تسمح بهذه الحقوق. كما يمكن تقديم حجة سليمة بنفس القدر بالقول إن الحقوق الفردية هي التي تسمح للديموقراطية بأن تعمل. هناك في جوهر التفسير الحديث لفقرة الحماية المتساوية، الإيمان بوجوب معاملة الأفراد، مهما كان عرقهم، أو جنسهم، أو دينهم ليس كأجزاء ثانوية يمكن استبدالها، بل كبشر يجب معاملتهم دون تمييز حسب ما يستحقون، بالتساوي مع جميع الأفراد الآخرين أمام القانون.

رسالة الرئيس جون أف. كينيدي إلى

الأمة حول الحقوق المدنية

11 حزيران/يونيو

1963

بجب أن يتمكن الطلاب الأميركيون، من أي لون كانوا من متابعة الدروس في أي مؤسسة تعليمية دون حماية أي قوات عسكرية. يجب ان يتمكن المستهلكون الأميركيون، من أي لون كانوا، من الحصول على خدمة متساوية في مرافق الإقامة العامة،  كالفنادق، والمطاعم، والمسارح، والمتاجر، دون الحاجة إلى اللجوء إلى مظاهرات في الشوارع. ويجب أن يتمكن المواطنون الأميركيون، من أي لون كانوا، من تسجيل أصواتهم والتصويت في انتخابات حرة، دون تدخل أو خوف من انتقام…  باختصار، يجب أن يحق لكل مواطن أميركي أن يُعامَل كما يرغب المرء في أن يُعامَل هو نفسه، وكما يرغب في أن يُعامَل أولاده. ولكن ليست هذه هي الحال.

        إحدى النتائج الثانوية التي أفرزتها قضية بروان وحركة الحقوق المدنية تمثلت في شروع مجموعات أخرى في المطالبة بالمساواة، وكانت النساء أكبر مجموعة بينها. على الرغم من كون النساء يشكّلن أكثر من نصف العدد الإجمالي للسكان فقد بَقينَ حتى أوائل الستينات من القرن الماضي يعتبرنَ في منزلة من الدرجة الثانية، وبالأخص في سوق العمل، حيث كانت التقاليد تمنعهن من إشغال وظائف معيّنة، ويستَثنَينَ من الالتحاق بجامعات مهنية معينة، ويحصلن على راتب أقل بكثير مما يحصل عليه الرجال للقيام بنفس العمل. فشلت جهود النساء للحصول على المساواة باللجوء إلى المحاكم، وأيّد ربما معظم الرجال الرأي الذي عبّر عنه القاضي برادلي عام 1873 إذ قال: "إن القدر الأسمى والمهمة الأسمى للمرأة هما القيام بالواجبات النبيلة والحميدة كزوجة وكأم. هذا هو قانون الخالق."

حققت الحركة النسائية أول انتصار رئيسي لها عام 1964 عندما منع الفصل السابع من قانون الحقوق المدنية التمييز في التوظيف على أساس العرق، والدين، والأصل القومي، والجنس. ظلت وسائل الإعلام تنشر خلال الستينات من القرن الماضي المقال تلو المقال حول الحركة النسائية وجهودها في تحقيق المساواة بين الجنسين. وفي أوائل عام 1972، وافق أعضاء الكونغرس بشكل ساحق على تعديل الحقوق المتساوية المستندة  إلى الجنس في الدستور، وأرسلوه إلى الولايات (حيث لم يتم التصديق عليه)، واصدروا في السنة التالية قانون الأجور المتساوية لعام 1973 الذي أَمر بدفع أجر متساوٍٍ للعمل المتساوي.

قاضي المحكمة العليا وليام برنان جونيور 

في قضية فرونتييرو ضد ريتشاردسون

1973

لدى دولتنا تاريخ طويل من التمييز بين الجنسين. تقليدياً، كان يتم تبرير هذا التمييز باللجوء إلى "المبدأ الأبوي الرومانسي" في طريقة الحكم، والذي وضع النساء، عملياً، ليس على قاعدة تمثال، بل داخل قفص. وكانت نتيجة مبادئ كهذه ان أصبحت كتب قوانيننا تدريجياً مُثقلة بالتمييزات النمطية المشوهة بين الجنسين. القول إن وضع المرأة في أميركا تحسن بدرجة ملحوظة خلال العقود الحديثة صحيح، بالطبع، وعلى الرغم من ذلك، فما من شك بأن النساء، بالأخص بسبب الظهور الواضح جداً للفرق الطبيعي الذي يُميز الجنسين، لا زلن يواجهن تمييزاً واسع الانتشار، بغض النظر عن كونه يأخذ شكلاً مستتراً في بعض الأحيان، وذلك في مؤسساتنا التعليمية، وفي سوق العمل، وربما الأكثر وضوحاً، في الحقل السياسي.

استلهمت المجموعات النسائية الدور الذي قامت به حركة الحقوق المدنية، فتبعتها باللجوء إلى المحاكم لمهاجمة قوانين التمييز، الواحد تلو الآخر، وكسبت تقريباً جميع القضايا التي رفعتها. ومثلها مثل قطاعات المجتمع الأخرى، تعاملت المحاكم مع مشكلة تحقيق المساواة بين الرجال والنساء أمام القانون، مع إدراكها بوجود فروقات قد تبرر الإبقاء على الإجراءات الأبوية، حتى ولو انتهكت هذه الإجراءات القاعدة الصارمة للحماية المتساوية. لكن حين لم يوجد سبب سليم يبرر التمييز، تحركت المحكمة العليا لإنهائه بسرعة.

        عام 1979، اتخذت المحكمة العليا برئاسة برغر خطوات حاسمة لجعل الدستور محايداً لجهة الجنس، كما هو المفروض منه أن يكون أعمى تجاه العرق. ألغت المحكمة قانونا كانت أصدرته إحدى الولايات يفرض على الأزواج، دون الزوجات مطلقاً، دفع النفقة. استناداً إلى القاضي برنان، يجب أن تُلغى مثل هذه التصنيفات في كل حالة تعكس "حملاً ثقيلاً من الآراء النمطية حول الجنس". ففي هذه الحالة كان يعني القانون أنه يقع على الأزواج دائماً واجب العمل من أجل إعالة زوجاتهم، وتقع على الزوجات دائماً واجبات الشؤون المنزلية. وفي قضية أخرى، ألغت المحكمة العليا أحكام برنامج فدرالي يسمح بمنح تعويضات بطالة لعائلة عندما يفقد الوالد وظيفته، وليس عندما تصبح الوالدة العاملة عاطلة عن العمل.

        ولكن، بالرغم من جميع الانتصارات التي حققتها النساء في المحاكم، لم يتمكّن من تحقيق المساواة القانونية الكاملة التي سعى لتحقيقها تعديل الحقوق المتساوية في الدستور، الذي نص على "انه لا يحق لحكومة الولايات المتحدة أو لحكومة أي ولاية إنكار أو اختصار المساواة في الحقوق بموجب القانون بسبب الجنس"، والذي خُوّل الكونغرس بموجبه إصدار قوانين لتطبيقه. كان الكونغرس قد أرسل التعديل إلى الولايات في أوائل عام 1972، وصادق عليه حوالي نصف الولايات خلال بضعة اشهر. ثم بدأت مجموعات المعارضة بممارسة ضغط مكثف ما أدى إلى تأخير التصديق على التعديل. تمكن أنصار التعديل من الحصول على تمديد للتاريخ النهائي للتصديق عليه من عام 1978 إلى نهاية حزيران/يونيو 1984، ولكن حتى ذلك التاريخ كانت 35 ولاية فقط قد صادقت على التعديل، أي اقل بثلاث ولايات من العدد اللازم لتصديقه من جانب الكونغرس.

        تراوحت المعارضة للتعديل من الشوفينية العلنية للذكور، إلى ادعاءات بأنه سوف يؤذي النساء بإلغائه تشريع الحماية. وادعى بعض المعارضين بان التعديل للحقوق المتساوية سوف يتطلب وجود مراحيض أحادية الجنس، بينما خشي المدافعون عن حقوق الولايات من أنه قد يعطي الحكومة الفدرالية عصا إضافية تضرب بها الولايات. لكن، بالتعبير الدستوري، بما أن التعديل الرابع عشر يضمن "الحماية المتساوية أمام القوانين"، ليس من الواضح كيف سيؤثر تعديل للحقوق المتساوية على القانون القائم. سوف يرفع، بالطبع، مسالة الجنس إلى تصنيف مماثلٍ لمسألة العرق، وبذلك سوف يتطلب أعلى مستوى من التدقيق القضائي في القضايا التي يفرّق فيها القانون بين الرجال والنساء.

قاضية المحكمة العليا روث بيدر غينزبرغ

في  قضية الولايات المتحدة ضد ولاية فرجينيا

1996

هل أن استثناء ولاية فرجينيا للنساء من الفرص التعليمية التي يؤمنها معهد فرجينيا العسكري، وهي فرص استثنائية للتدريب العسكري وتطوير القيادة المدنية، ينكر على النساء "القادرات على تنفيذ كافة النشاطات الفردية المطلوبة من طلاب  معهد فرجينيا العسكري … حق الحماية المتساوية أمام القوانين الذي ضمّنه التعديل الرابع عشر؟…  لكن خطط  معهد فرجينيا العسكري  تخدم أبناء الولاية، ولا تؤمن أي فرصة من أي نوع لبناتها. وهذا لا يُشكل حماية متساوية.

        لكن من الناحية العملية، حققت المحاكم الكثير مما كانت النساء يسعين إليه من تعديل في فقرة الحقوق المدنية. لا تَستخدم فقرة الحماية المتساوية في التعديل الرابع عشر كلمة "رجل" بل "شخص". وقد ألغت القراءة  التي شدّدت فيها المحاكم على هذا التعبير، الشكل الصارخ للتمييز الجنسي المسموح به قانوناً في الولايات المتحدة. يماثل وضع النساء من أوجه عديدة وضع الملونين، فالتمييز الذي ترعاه الولاية لا يمكن أن يستمر. لكن القانون يعجز عن تغيير المواقف المسلكية المجتمعية. ومع أنه تمّ، بدرجة كبيرة، تقليص تأثير المواقف القديمة التي كانت قائمة قبل حركات الحقوق المدنية والنسائية، فلا زالت هناك آثار قوية باقية لها.

مع أن النساء والملونين كانوا أهم المستفيدين من التفسير الجديد لفقرة الحماية المتساوية، فقد طالبت أيضاً مجموعات أخرى بالحصول على المساواة التي ضمّنها الدستور. سعى المعاقون واللواطيون وغيرهم، بدرجات متفاوتة من النجاح، إلى إصدار قوانين تحميهم من التمييز. فتح قانون الأميركيين المعاقين لعام 1992 إمكانيات واسعة للمعاقين جسدياً وعقلياً بأن يصبحوا أعضاءً كاملين في نظام البلاد. وفي حين ان مجموعات اللواطيين لا زالوا بعيدين جداً عن الأهداف التي يسعون إليها، مثل تشريع زواج أفراد من نفس الجنس، فقد أكدت المحاكم ومجالس تشريعية لولايات عديدة عدم إمكانية قيام أي تمييز قانوني بوجه اللواطيين والسحاقيات كمجموعة، وبالفعل فقد ازداد قبول هؤلاء في النظام الاجتماعي السائد.

*    *    *    *    *

        إذا كان المعنى الضمني الوحيد لفقرة الحماية المتساوية هو ضمان تطبيق الحكومة لجميع القوانين بإنصاف، وعدم المصادقة على أي إجراءات تمييزية، وفي حين يبقى لهذه الفقرة أهميتها، إلا أنه لن يكون لها نفس الأثر الذي حصلت عليه في نصف القرن الأخير. ما فهمته المحاكم، كما المجالس التشريعية، هو أن الحماية المتساوية مفهوم جوهري للمواطنية، تماماً كحماية التعديل الأول لحرية التعبير. كما أنه ليس بإمكان أي فرد القيام بكافة واجبات المواطن دون القدرة على التكلم بحرية وسماع وجهات النظر المختلفة. وكذلك ا?أمر، لا يستطيع المرء أن يصبح عضواً كاملاً في المجتمع إذا بقي معرضاً للتصنيف التمييزي.

        يُشكّل احترام الفرد، واعترافه بتساوي الآخرين في العقد الاجتماعي والشؤون العامة، مُكوّناً أساسياً من مفهوم "المواطنية المتساوية". إن أي شكل غير معقول للوصم التمييزي، أكان يستند إلى العرق، أو الجنس، أو الدين، يضع الأفراد الذين لديهم تلك الخاصية في طبقة اجتماعية أقل شأناً. ويؤثر هذا الوصم في قيمة المشاركة في نظام البلاد. كيف تتمكن الأغلبية من التقدير الجدي لجهود الأقلية المشاركة في الحياة الاجتماعية، إذا كانت تلك الأقلية توصم بأنها أقل شأناً على الدوام؟ وأخيراً، كيف يمكن التوقع من الأقلية أن تتصرف بمسؤولية، إذا كان أفرادها قد أعيدوا إلى طبقة اجتماعية تعني ضمناً عدم إمكانيتهم التصرف بالمسؤولية المطلوبة.

تمثل هذه القيم الثلاث للمواطنية المتساوية - الاحترام، والمشاركة، والمسؤولية - الخصائص التي يجب توقعها من كافة المواطنين في مجتمع ديموقراطي. ومن غير الممكن حتماً تشريع المساواة التامة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وفي أي حال لن يرغب في ذلك العديد من الناس. لكن المحاكم والمجالس التشريعية حاولت ان تضمن، على الأقل في هذه المجالات الثلاث التي تُعتبر "أساسية"، عدم وضع  التمييز بوجه أي إنسان أو مجموعة من الناس.

أولاُ، هناك حقوق التصويت، وهي من أعظم الامتيازات ومن أهم المسؤوليات في مجتمع ديمقراطي. تمثل الانتخابات الحرة والمنصفة السمة المميزة للديموقراطية، وترتدي قدرة الفرد على إعطاء صوته أهمية رمزية وأساسية في آن. وهي تتعلق بكيفية اختيار قادتنا، واتخاذ قرارات مهمة في السياسة العامة. وكما أظهرته عملية انتخابات الرئيس عام 2000، يستطيع حتى عدد قليل من الأصوات التأثير في النتائج. ينتقص حرمان أي فرد أو أي مجموعة من التصويت من أهمية هذه العملية بالنسبة للفرد كما للمجتمع. كانت المحاكم قد بدأت، حتى قبل قضية براون، بمهاجمة الوسائل التي منعت أفراد الاقليات من الاقتراع.

وفي مجال ثان، تُعتبر إمكانية الوصول إلى المحاكم مماثلة لعملية الاقتراع، من حيث أنها تعطي الفرصة للفرد لإسماع صوته. لقد بحثنا في الفصول المتعلقة بالمحاكمة المنصفة وبحقوق المتهم لماذا يكافح مجتمع ديموقراطي بهذا القدر لضمان عمل نظام العدل الجنائي بإنصاف. تتشوه سلامة هذا النظام في حال مُنعت مجموعات معينة من الوصول إلى  المحاكم، وإذا تم استبعاد السود والنساء من سجلات المحلّفين، وإذا عوقب الناس فقط بسبب لون بشرتهم. شمل العديد من القضايا، إن لم يكن كلها، التي ساعدت في تثبيت حقوق المتهم، متهمين ملونين. وكانت الرسالة التي صدرت عن المحاكم واضحة: الحماية المتساوية تعني المعاملة المنصفة في نظام المحاكم الجنائية والمدنية.

والمجال الثالث الذي يعتبر أساسيا يتعلق بالزواج والعائلة اللذين يرتبطان أيضاً بوثوق، في أي مجتمع حر، بالقيم الثلاث، الاحترام، والمسؤولية، والمشاركة. فالزواج وإنجاب الأولاد يكملان الوضع الاجتماعي للفرد، ولمفهومه الذاتي الاجتماعي، ولمسؤولياته القانونية. كما يُنظر إليهما على انهما أكثر القرارات الشخصية خصوصية ولا يجب أن تتدخل بهما الدولة سوى بدرجة طفيفة أو أن لا تتدخل على الإطلاق. لم تلغ المحاكم القوانين المتعلقة بالعرق كتصنيف، بل وألغت القوانين المتعلقة بالثروة أيضاً. لا يمكن حرمان شخص من حق الزواج أو الطلاق لأنه فقير. وكانت المحكمة العليا قد بدأت، منذ أوائل العشرينات من القرن الماضي، بتحديد مجالات المسؤولية العائلية وحرية الاختيار المحمية من تدخل الدولة. حصلت هذه المجالات، في الستينات من القرن الماضي، على حماية لاحقة بعد ظهور التفسير الجديد لمادة الحماية المتساوية.

رئيس المحكمة  العليا، ايرل وارن

 في قضية لوفينغ ضد فرجينيا

1967

ليس هناك من هدف قانوني واضح وغالب سوى  التمييز العرقي الحاقد قد يبرر هذا التصنيف. فكون ولاية فرجينيا لا تحرم بالواقع إلا الزواج المختلط المتعلق بأفراد من العرق الأبيض يظهر بوضوح أن هذه  التصنيفات العرقية يجب أن تستند إلى تبريراتها الخاصة كوسائل صممت للمحافظة على تفوّق العرق الأبيض. لقد أنكرنا باستمرار دستورية الإجراءات التي تقيد حقوق المواطنين بسبب العرق. وما من شك بأن تقييد حرية الزواج فقط بسبب التصنيفات العرقية ينتهك المعنى الجوهري لفقرة الحماية المتساوية.

هل يعني هذا القول أن الولاية لن تستطيع أبداً التدخل في هذه المجالات الأساسية؟ والجواب الواضح هو أن بإمكانها التدخل، لكن فقط عندما يشمل ذلك المجال مصالح غالبة أو ذات أهمية كبرى للولاية وحتى في هذه الحالة، يجب أن تتخذ الحكومة خطوات لضمان عدم إرهاق هذه الأنظمة لمجموعة معيّنة من الناس بدرجة غير منصفة. وهكذا، مثلاً، تستطيع الولاية أن تحدد شروط السن الأدنى للاقتراع أو للحصول على رخصة زواج، ولكن يجب أن تطبق هذه الشروط  على جميع الجماعات وليس فقط  على الاقليات. يمكن تحديد طريقة تنظيم قوائم المحلّفين، لكن تؤخذ أسماء هؤلاء عادة من لوائح الناخبين. فإذا كانت لوائح الناخبين يشوهها الاستثناء المقصود لأي جماعة، فبذلك يتم تشويه هيئة المحلّفين. تعني الحماية المتساوية أمام القوانين ان الفرد يملك حق الاقتراع، ويتحمل المسؤولية الناجمة عن هذا الحق وعليه أن يخدم في هيئات المحلّفين. ويعني تطبيق الإجراءات القانونية أن للمتهم الحق بمحاكمة على يد هيئة محلّفين مكو?نة من نظرائه، بحيث إذا كان من الملونين يجب أن تعكس بدقة قائمة أسماء المحلّفين التكوين الكامل للمجتمع.

باتت فقرة الحماية المتساوية تعني أيضاً حرية جميع الناس بالمشاركة في الحياة العامة للمجتمع، وفقاً لميولهم وإمكاناتهم المالية، وحتى تلك النواحي التي يمكن اعتبارها عادة على أنها ملك خاص لأفراد. نص قانون الحقوق لعام 1964 على عدم قانونية التمييز على أساس العرق، أو الجنس، أو الاثنية في "المرافق العامة" كالمطاعم، والفنادق، والمسارح حتى ولو كانت هذه المرافق تعود ملكيتها لأفراد. قبل عام 1964، نص القانون السائد على أن صاحب مؤسسة تجارية له الحق في تقديم خدماته لمن يختار وبالتالي يستطيع استثناء السود، والنساء، والكاثوليك أو مجموعات أخرى. أمَر التعديل الرابع عشر بأنه لا يحق "لأي ولاية" ممارسة التمييز. وبقي قائماً لسنوات عديدة الاعتقاد بأن القانون العام لا يستطيع التأثير على التمييز الخاص.  في الستينات من القرن الماضي، أدركت المحاكم والكونغرس بأن الحرمان من الوصول إلى المرافق العامة قد لا ينتهك حرفية التعديل الرابع عشر، ولكن المفهوم القائل إن بإمكان كل الناس بطريقة ما المشاركة في المواطنية المتساوية حتى ولو لم يتمكنوا من الوصول إلى مرافق السفر، والإسكان، والمطاعم، والثقافة، يسخر من روح هذا التعديل.

*   *   *   *

في أواخر القرن التاسع عشر اعتقد الفيلسوف الإنكليزي جيريمي بنتهام، في مناقشة الفكرة التجريدية للمساواة، بأن المساواة لا تَشبع، وتساءل أين قد تنتهي تلك المساواة. هل أن أنصار المساواة لن يهدأوا قبل أن يقف جميع الناس على نفس المستوى الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي؟

لم يكن هذا أبداً المقصود من فقرة الحماية المتساوية في التعديل الرابع عشر. تبدو الولايات المتحدة للكثير من الناس على أنها أفضل المجتمعات في تطبيقها لمبدأ المساواة في العالم. أعلنت الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار أن "الثري الأميركي لا يتمتع بالعظمة؛ والفقير لا يخضع للذل؛ والعلاقات الإنسانية في الحياة اليومية تقوم على أساس من المساواة." مع ذلك، لم تعمل الولايات المتحدة أبداً على تسوية المجتمع نفسه؛ كما لم يسع لا الثري ولا الفقير إلى تحقيق وضع اجتماعي يتساوى فيه الجميع. بل كان التشديد على المساواة في الفرص، أي قدرة الذين يملكون موهبة ومثابرة على النجاح، وعلى المساواة أمام القانون. ويجب أن يحصل جميع الرجال والنساء، الفقراء والأثرياء، البيض أو الملونين، الانكلوساكسونيون أو اللاتينيين، على حماية متساوية أمام قوانين متساوية . وهذه حقوق يتمتعون بها كمواطنين أميركيين، لكن مبدأ المواطنية المتساوية متضمن في مفهوم الحقوق المتساوية، وهو مفهوم لا يشمل الحقوق فحسب، بل ومسؤوليات أيضاً.

قراءات إضافية

Alexander M. Bickel, The Supreme Court and the Idea of Progress (New York: Harper & Row, 1970).

Kenneth L. Karst, Belonging to America: Equal Citizenship and the Constitution (New Haven: Yale University Press, 1989).

Susan Gluck Mezey, In Pursuit of Equality: Women, Public Policy, and the Federal Courts (New York: St. Martin's Press, 1992).

Donald G. Nieman, Promises to Keep: African-Americans and the Constitutional Order, 1776 to the Present (New York: Oxford University Press, 1991).

Paul M. Sniderman et al., The Clash of Rights: Liberty, Equality, and Legitimacy in a Pluralist Democracy (New Haven

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي