التنوع | توفير حيز لنمو الجميع

17 حزيران/يونيو 2008

هل من جديد؟ أثر ثقافة الهيب هوب على اللغة الإنجليزية اليومية

 

بقلم إميت جي. برايس الثالث

العبارات التي يصوغها شباب المدن وجدت طريقها إلى اللغة الإنجليزية السائدة عبر ما يسمى بجيل الهيب هوب. الدكتور إميت جي. برايس الثالث هو أستاذ مساعد للموسيقى والدراسات الأفريقية الأميركية في جامعة نورث إيسترن، في بوسطن، مساتشوستس. وهو مؤلف كتاب "ثقافة الهيب هوب" (نشر ABC-CLIO، 2006)، ورئيس تحرير "مجلة دراسات الموسيقى الشعبية" (جورنال أوف بوبيولار ميوزيك ستاديز). كما أنه رئيس التحرير التنفيذي لموسوعة الموسيقى الأفريقية الأميركية (مطبعة غرينوود برس، 2008) التي تتألف من ثلاثة مجلدات،التي ستصدر قريباً.

اللغة هي من نتاج المجتمع. ومع تغير المجتمع، تتغير اللغة. وأحد أعظم المؤشرات على تغيّر اللغة هو ازدياد حجم معاجمها. وخلال الثلاثين عاماً الماضية، ازداد حجم القواميس الأميركية إلى مستويات لا سابق لها. فقد توسعت اللغة الإنجليزية من خلال الكلمات التي تشهد على المساهمات الغنية للثقافات العالمية في الثقافة الأميركية، والكلمات المستعملة في المجالات العلمية، كما الكلمات التي تشير إلى التقدّم المتعدد في التكنولوجيا، وبالطبع، عبر الكلمات التي تمثل الثقافة المعاصرة. إلاّ أن هذه الفئة الأخيرة هي التي غيرت اللغة الإنجليزية بشكل أسرع من تغيير أي تأثير آخر لها.

وقد أحدثت هذه التغييرات كلمات استحدثها أحداث وبالغون من الشباب الذين شعروا بأنهم يملكون الحق في، والقدرة على، تحديد وتصنيف ووصف واقعهم الخاص من خلال وضع عبارات جديدة: عبارات تجسد تأملاتهم الجديدة، واستكشافاتهم الجديدة، ورغباتهم الجديدة، وأفكارهم الجديدة ( حتى رغم أن الأفكار ليست جديدة إلى هذا الحد). وفي كتاب "جيل الهيب هوب"، يحدد بكاري كيتوانا  الولادة في الفترة الممتدة ما بين عامي 1965-1984 كشرط يتعين توفره في أي شخص للسماح له بالانتماء إلى جيل الهيب هوب. ومن الواضح أن السنة الأخيرة التي حددها كيتوانا ليست واسعة بما يكفي، إذ إننا شهدنا بروز أجيال هيب هوب متعددة، كل واحد منها يولّد إضافات ومقاربات جديدة إلى اللغة الإنجليزية.

ثقافة الهيب هوب

خلال الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، عندما تفجّرت شوارع نيويورك بالعنف والانحلال الاجتماعي والانهيار الاقتصادي، ابتكر شباب متعددو الاثنيات من أحياء المدن الداخلية الفقيرة المزدحمة حلولهم الخاصة للصعوبات المحبطة التي كانوا يواجهونها على الدوام. وقد قام هؤلاء الشبان بتجميع عناصر كانت موجودة سابقاً من موسيقى الراب، والغرافيتي، والرقص، وإعادة التركيب الموسيقي (أسلوب في استعمال المعدات الصوتية والاسطوانات لخلق أصوات جديدة بالكامل وتركيبات موسيقية مستقاة من تلك الأصوات المسجلة أصلاً، أي بالخدش، والإعادات السريعة للمقاطع، وإعادة المزج الموسيقي، وغيرها)، مستحدثين بذلك بديلاً لهم عن اليأس الذي كان يسود أحياءهم.

وقد تجاهلت تيارات المجتمع الأميركي الرئيسية هذه الظاهرة المحلية في أواسط السبعينات من القرن الماضي؛ ولكن بحلول الثمانينيات لم تكن ثقافة الهيب هوب قد حققت لنفسها حضوراًً قومياً وحسب بل كانت قد أصبحت مرغوبة عالميا أيضا. فالأفلام، مثل فيلم "الأسلوب غير المروّض" (Wild Style)، و"حروب الأساليب" (Style Wars)، ولاحقاً، فيلما (Beat street)، و(Breakin’)، أتاحت للمشاهدين في مختلف أنحاء العالم التعرف على الأوجه المتعددة لثقافة الهيب هوب، بما في ذلك أسلوبها الفريد في تكلم اللغة الإنجليزية وكتابتها. وبحلول تسعينيات القرن العشرين، كان حضور وتأثير ثقافة الهيب هوب قد أصبح مهيمناً على وسائل الإعلام المطبوعة والبث الإذاعي والتلفزيوني وحتى ألعاب الفيديو. وقامت شركات كبرى، من أمثال برغر كينغ، وكوكا كولا، وأميركا أون لاين، ونايك، وريبوك بإطلاق حملات دعائية وتسويقية تتضمن ثقافة الهيب هوب، تجاوباً مع الصورة الشعبية/الطليعية لهذه العناصر، ومساعدة في نفس الوقت على إدماجها في الثقافة الأوسع. وفي خضم الرقص والأزياء والعديد من العناصر الموسيقية، كان أسرع ما أثار وجذب آذان الكثيرين هو القواعد الجديدة في تكلّم وقراءة وكتابة اللغة الإنجليزية.

لغة الهيب هوب

لقد كان للثقافة الشعبية في الولايات المتحدة تأثير فريد على الاستعمال اليومي للغة الإنجليزية على امتداد أجيال عديدة. ولعبت الموسيقى الأفريقية-الأميركية، بطرق عديدة، دوراً ثابتاً في هذا التطور. فمنذ الأيام التي سبقت نشوء الموسيقى الكنسية وموسيقى البلوز، كانت الموسيقى الأفريقية الأميركية تطلع مستمعيها (كان معظمهم من السود في بادئ الأمر)على شؤون الأحداث الجارية واستراتيجيات التحرر، عن طريق استعمال لغة بديلة لا يفهمها إلا الذين هم ضمن تلك الشبكة الثقافية.

ومع مرور السنين، تم إدماج العديد من الكلمات والعبارات باللغة السائدة واستُخدمت من جانب جماعات خارج الشبكة ممن تمكّنوا من التوصل إلى فهم سياقات ومعاني هذه الكلمات. وقد حدثت عملية التكيف الثقافي هذه لدى العديد من الجماعات والمجموعات الإثنية والعرقية داخل أميركا، إلا أن الموسيقى الأفريقية الأميركية، التي كانت تحوي الكثير من هذه المفردات، هي التي كان لها أكبر تأثير على الثقافة الأميركية السائدة.

ولغة ثقافة الهيب هوب ما هي إلاّ امتداد للهجة العامية الماضية والحالية؛ فكلمات مثل “Hot” (جيد أو جذاب) (العشرينيات)، و”Swing” (مساير للعصر) (الثلاثينيات)، و“Hip” (طليعي الطراز) (الأربعينيات)، و“Cool” (رائع) (الخمسينيات)، و“Soul” (أسلوب موسيقي خاص بالأميركيين الأفارقة) (الستينيات)، و“Chill” (يسترخي) (السبعينيات)، و“Smooth” (سلس)، كلها كلمات تم اغتصابها إلى لغة الهيب هوب بعد إسباغ معنى جديد عليها. ولغة الهيب هوب نفسها هي جواب الجيل القادم على السؤال القديم جداً: هل من جديد؟

تأثير ثقافة الهيب هوب

ربما يتمثل أعظم تأثير لثقافة الهيب هوب في قدرتها على الجمع بين أشخاص ين?مون إلى أديان  وثقافات وأعراق وإثنيات مختلفة كوسيلة للشباب (والآن متوسطي العمر) يعبروا فيها عن أنفسهم بأسلوب يحددونه بأنفسهم، فردياً وجماعياً على حد سواء. ولم تؤثر ثقافة الهيب هوب على اللغة الإنجليزية الأميركية فحسب بل أثرت أيضاً في العديد من اللغات الأخرى حول العالم. ففي الدول متعددة الثقافات جماعات هيب-هوب نشطة تعين عليها أن تقرر ما ستفعله بهذه الكلمات والعبارات الجديدة. وقد كان للهيب- هوب تأثيرها، بدءاً من الهيب هوب الألمانية ومروراً بالهيب هوب الأسترالية وبينوي راب (الفليبينية) وأذري راب (الأذربيجانية) حتى الراب النيجري (النيجر)، على جميع لغات تلك البلدان وثقافاتها.

وقد أخذت ثقافة الهيب- هوب، سواء بإضافة عبارة بلينغ-بلينغ (bling-bling) (بمعنى الحلي والمجوهرات ضخمة الحجم ملفتة النظر) إلى قاموس أكسفورد إنجلش دكشنري العام 2003، أو إضافة كلمة كرانك (Crunk) (نوع من موسيقى الهيب هوب تفرع عن موسيقى الراب في ممفيس في أوائل التسعينات من القرن الماضي) إلى قاموس ميريم- وبستر كوليجييت دكشنري في العام 2007، في تغيير طبيعة ووقع وقواعد اللغة الإنجليزية. وقد أصبحت كلمات مثل “hood” (وهي اختصار لكلمة “neighborhood”، أي حي)، و“crib” (التي تعني مكان السكن)، و“whip” (التي تعني سيارة) شائعة في لغة الأحاديث اليومية. وأصبحت عبارات مثل”What's up" ( بمعنى مرحبا)، أو “peace-out” (بمعنى مع السلامة)، والعبارة الرائجة جداً “chill out” (اهدأ) تستخدم كثيراً في البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية وحتى في دعايات أكبر 500 شركة حسب لائحة مجلة فورتشين 500. إن اللغة الإنجليزية الأميركية كائن حي، ونظراً لكونها تملك آليات حيوية مثل ثقافة الهيب هوب والنمو السريع في التكنولوجيا، لا يمكن التكهن بما سوف نقوله أو نكتبه خلال السنوات الثلاثين القادمة. وسواء كانت الولايات المتحدة "دولة الهيب هوب"، كما أعلنها غلاف عدد مجلة تايم، الصادر في 5 شباط/فبراير، 1999، أم لا، فإنه من الواضح أن اللغة الإنجليزية تأثرت كثيراً بثقافة الهيب هوب.

الآراء المعبر عنها في هذا المقال لا تمثل بالضرورة آراء أو سياسة الولايات المتحدة.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي