التنوع | توفير حيز لنمو الجميع

17 حزيران/يونيو 2008

الاسبانجليزية: استعمال اللغة المجنونة

 

بقلم إيلان ستافنز

يشرح كاتب هذه المقالة كيف ولماذا تمازجت الإنجليزية مع الإسبانية في الولايات المتحدة لتتشكل منهما لغة هجين مولّدة يزداد استعمالها ليس كلغة محكية في الكلام المتداول فحسب، وإنما للكتابة أيضا. وإيلان ستافنز هو أستاذ كرسي لويس-سيبرنغ للثقافة الأميركية اللاتينية وثقافة اللاتينو- أي الأميركيين الذين يعود أصلهم إلى أميركا اللاتينية، في كلية آمهرست، في آمهرست، بولاية مساتشوستس. ومن بين كتبه: "الاسبانجليزية(أي الإسبانية-الإنجليزية): صنع لغة أميركية جديدة"، (دار هاربر كولينز) و "لغة ناضرة" (دار هوتن ميفلن).

إن تنامي عدد الأقلية التي يعود أصلها إلى أميركا اللاتينية (اللاتينو) في الولايات المتحدة، التي بلغ عددها 43 مليونا في العام 2005 وفقا لبيانات مكتب الإحصاء، وصل إلى نقطة الالتقاء الحاسم صاهراً هوية فريدة متميزة. وتمثل الإسبانجليزية، وهي مزيج من الإسبانية والإنجليزية يستخدم دون تمييز ودون قواعد واضحة في الشوارع وغرف الصف وبين السياسيين وفي العظات الدينية، وفي الراديو والتلفزيون والإنترنت بالطبع أيضاً، عُصارة تجليات هذه الهوية.

وتعود جذور الاسبانجليزية تاريخياً إلى فترة استعمار أميركا التي تركت فيها الحضارة الإيبيرية  بصماتها في فلوريدا والجنوب الغربي الأميركي. وقد ظلت اللغة الإسبانية لغة تصريف الأعمال والتجارة والتعليم حتى العام 1848، عندما باعت المكسيك ما يقارب ثلثي أراضيها (كولورادو وأريزونا ونيومكسيكو وكاليفورنيا ويوتا) إلى جارتها الولايات المتحدة. وكانت الإسبانية تتفاعل آنذاك مع لغة أهل البلاد الأصليين. ومع وصول الإنجليز بدأت عملية مزج أو خلط بين اللغتين الإسبانية والإنجليزية. وقد تعززت هذه العملية عند نهاية القرن التاسع مع بدء الحرب الإسبانية- الأميركية. ووصل الأميركيون إلى حوض الكاريبي حاملين معهم اللغة الإنجليزية.

ورغم أن المرء يسمع أيضاً الاسبانجليزية في أنحاء مختلفة في الدول الناطقة بالإسبانية، بدءاً من كاتالونيا في إسبانيا حتى سهول البامباس المعشوشبة مترامية الأطراف في الأرجنتين، فإن الولايات المتحدة تبقى هي المكان الذي ازدهرت فيه حقاً. وفي حين أن المرء سيسمعها هناك على الأرجح في المناطق الريفية، إلا أن المرء يشعر بتأثيرها على أقوى ما يكون عليه في المراكز الحضرية الرئيسية حيث استقرّ المتحدرون من الدول الناطقة بالإسبانية، مثل لوس آنجلس في كاليفورنيا؛، سان أنطونيو وهيوستن في تكساس؛ شيكاغو في إلينوي؛ ميامي في فلوريدا؛ ومدينة نيويورك. إلا أنه لا توجد  لغة اسبانجليزية واحدة، بل توجد عدة أنواع مختلفة منها: الشيكانو والكوبي والبروتوريكي والدومنيكاني، وهلم جرا. ويختلف استعمالها ما بين مان وآخر وما بين  جيل وجيل. فالمرجح أن تستخدم المهاجرة الجديدة من المكسيك التي وصلت حديثاً إلى إل باسو المجاورة، بولاية تكساس، عناصر معينة في كلامها تميزها عن أميركية-كولومبية من الجيل الثاني، (أي وُلد أبواها في الولايات المتحدة) تعيش في ولاية نيوجيرزي الشمالية الشرقية.

وبوجه عام، ثمة استراتيجيات ثلاث يعتمدها جميع المتكلمين بالاسبانجليزية عند نقطة معينة أثناء استعمالهم لها: أولاً، تغيير الرموز الشفرية، حيث يتم الخلط وتناوب استخدام العناصر من اللغتين الإسبانية والإنجليزية في الجملة نفسها؛ وثانياً، الترجمة الآنية أو الفورية؛ وثالثاً، صياغة مفردات جديدة لا يمكن العثور عليها لا في قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية (أوكسفورد إنجلش ديكشنري)، ولا في معجم اللغة الإسبانية (ديكسيونوريو دي لا لنغوا إسبانيولا). ومن الأمثلة على هذه الكلمات المبتكرة، المفردتان  “Wachale”، المولّدة من “watch out” بالإنجليزية بمعنى "إنتبه!"، و“rufo” المولدة من كلمة “roof” الإنجليزية، وتعني السطح. 

وهناك لغات حدودية لا تعد ولا تحصى في العالم بينها: الفرنجليزية (خليط الفرنسية والإنجليزية)، والبرتونيول (الإسبانية والبرتغالية)، والعبرانعربية أو العيبرية (خليط العبرية والعربية). وليس مما يثير الدهشة كون جميع هذه اللغات موضع خلاف وجدل، فالبعض لا يرى فيها سوى جهود شفوية غير ناضجة للتعبير عن الأفكار لا أهمية لها ولا تنتمي إلى هذه اللغة أو تلك؛ بينما يتغنى آخرون بعنصر الإبداع والابتكار فيها. واللغة الاسبانجليزية هي الأخرى موضع للجدل. فهي برهان، كما يجادل منتقدوها، على أن اللاتينو لا يندمجون مع ثقافة الولايات المتحدة ويذوبون فيها كما فعل المهاجرون السابقون. اما أنا فلدّي وجهة نظر مختلفة. إن اللاتينو يشكلون الآن بالفعل  أضخم أقلية في الولايات المتحدة. ونمط هجرتهم لا يتطابق مع أنماط هجرة المجموعات السابقة. فوطنهم الأصلي قريب جداً في دولة مجاورة. كما أن وصولهم متواصل بخلاف بقية الفئات التي وصل معظمها خلال فت?ة محددة. كما أن جزءاً كبيراً من الأراضي التي تتشكل منها الولايات المتحدة اليوم ظلت تستعمل اللغة الإسبانية طوال قرون خلت.

وعلاوة على ذلك، من الضروري أن يأخذ المرء في اعتباره الأثر الذي يتركه التعليم الثنائي اللغة، وهو برنامج فدرالي قد انتشر في طول البلاد وعرضها في الثمانينات من القرن الماضي. ولا بد أن تلامذة المدارس المتحدرين من دول ناطقة بالإسبانية الذين تلقوا تعليمهم ضمن هذا البرنامج، يشعرون برابطة، مهما كانت ضعيفة، باللغتين الإسبانية والإنجليزية. وتوضح هذه الأسباب مجتمعة سبب عدم اضمحلال وتلاشي اللغة الإسبانية مثلما تلاشى سواها من لغات المهاجرين الأخرى إلى الولايات المتحدة. بل على العكس من ذلك، فإن وجودها في الولايات المتحدة يكتسب الزخم. ولكن الإسبانجليزية لا تتواجد في حالة نقية صرفة، وإنما في حالة تغير دائم متكيفة مع التحديات الجديدة.

وقد دأبتُ على تدوين المفردات الاسبانجليزية سحابة عقد من الزمان، واستهوتني هذه الظاهرة. وفي العام 2003، قمت بنشر معجم يتألف من ستة آلاف كلمة تقريباً. كما قمت بترجمة الفصل الأول من رواية: “Don Quixote La Mancha” (دون كيشوت، للأديب الإسباني سيرفانتس) إلى اللغة الاسبانجليزية. وما زلت أتابع ترجمة هذه الرواية، وقد أنجزت نصفها الأول.

وهناك فضول كبير في ما يتعلق بالإسبانجليزية. أتراها مجرد لهجة؟ هل يمكن مقارنتها بلغة الكريول (creole)؟ وما هي أوجه الشبه بينها وبين اللغة الإنجليزية التي يتكلمها الأميركيون الأفارقة؟ هل ستغدو يوماً لغة متكاملة مستقلة بذاتها ولها نحوها الخاص؟ يبدو أن لدى اللغويين أجوبة مختلفة على هذه التساؤلات. أما في ما يختص بي، فإنني أجيب على السؤال الأخير باقتباس آخذه من العالم اللغوي ماكس فاينرايخ الذي كتب تاريخاً للغة الييدية “Yiddish” مؤلفا من عدة مجلدات. وقد قال فاينرايخ أن الفرق بين اللغة واللهجة هو أن اللغة يكون وراءها في العادة جيش وأسطول. لكنني كثيرا ما ألفت النظر إلى أن الكثير من المجموعات السكانية بذلت محاولات متعددة في العقدين الماضيين للكتابة باللغة الاسبانجليزية، مما يعني أن محاولات التواصل بهذه اللغة لم تعد تتوقف على الصعيد الشفوي فقط. وتوجد حالياً روايات وقصص وأشعار تمت كتابتها بالإسبانجليزية، علاوة على الأفلام والأغاني ومواقع الإنترنت التي تفوق الحصر التي تستخدمها.

يصف طالب من تلامذتي اللغة الاسبانجليزية، فيما الابتسامة بادية على وجهه، "بأنها لغة مجنونة".

الآراء المعبر عنها في هذا المقال لا تعكس بالضرورة آراء أو سياسات الحكومة الأميركية.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي