21 تموز/يوليو 2008

معرض جديد يحيي تراث مصورة فوتوغرافية رائدة

زايدة بن يوسف أبدعت صوراً لا تنسى شكلت سجلاً لشخصيات وحقبة من التاريخ الغابر

 
صورة أكبر
تعيد الخطوط الانسيابية في الصورة التي التقطتها بن يوسف للممثلة إلسي ليزلي في العام 1899 إلى الأذهان لوحات الرسام جون سنغر سارجنت
تعيد الخطوط الانسيابية في الصورة التي التقطتها بن يوسف للممثلة إلسي ليزلي في العام 1899 إلى الأذهان لوحات الرسام جون سنغر سارجنت.

من لورين مونسن، المحررة في موقع أميركا دوت غوف

بداية النص

واشنطن،- يتقصى معرض جديد يكرم أعمال مصوّرة كان لها دور في إعادة تحديد ماهية التصوير الفوتوغرافي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بروز الافتتان المتنامي في أميركا حديثة التصنيع بحياة الشخصيات البارزة (وهو افتتان قد يصح القول إنه مهد الطريق لظهور الثقافة الشعبية الحالية المأخوذة دوماً بأنباء حياة المشاهير).

ويستمر معرض "زايدة بن يوسف: مصورة فوتوغرافية من نيويورك،" الذي افتُتح في 11 نيسان/إبريل، حتى 1 أيلول/سبتمبر، 2008، في الصالة القومية للصور الشخصية (ناشنال بورتريت غاليري) التابعة لمؤسسة سميثسونيان في واشنطن العاصمة. وتعود أهمية المعرض إلى أن بن يوسف، كما أوضح قيّم المعرض فرانك غوديير الثالث لموقع أميركا دوت غوف أخيراً، كانت من بين أهم المصورين الفوتوغرافيين في الفترة التي عاشت فيها ولكنها ما زالت حتى اليوم شخصية غامضة، لا تعرف عنها شيئاً سوى حفنة ضئيلة من البحاثة.

هاجرت زايدة بن يوسف (1869-1933)، التي ولدت في لندن لأب جزائري وأم ألمانية إلى نيويورك في العام 1895، حيث عملت في تصميم وصنع القبعات النسائية قبل أن تتحول إلى التصوير، كهواية في البداية ثم كحرفة. وكانت بن يوسف مغامرة نشطة افتتحت استوديو تصوير في الجادة الخامسة (فيفث أفنيو) في نيويورك وهي ما زالت في الثامنة والعشرين من العمر، وحظي اهتمامها باستكشاف إمكانيات التصوير الفنية بالإطراء من قبل مشاهير المصورين المعاصرين لها من أمثال ألفرد ستيغلِتز وفرِد هولاند داي، اللذين كانا من مناصري الحركة المنادية بالاعتراف بالتصوير الفوتوغرافي كأسلوب فني.

ورغم أنه ما من ريب في أن جذور بن يوسف الاجتماعية وأناقتها لفتا الأنظار إليها وأثارا الاهتمام بها في نيويورك، إلا أن أسلوبها المبتكر في التصوير هو الذي جذب أبرز سكان المدينة إلى الاستوديو في الجادة الخامسة من ممثلين وكتاب ورسامين ونحاتين وسياسيين، بالإضافة إلى شخصيات أخرى.

* وعي بالحداثة

قال غوديير إن حس المصورة الشابة الفني المصقول، الذي صاغته وصقلته جزئياً أعمال رسامي بورتريهات معروفين من أمثال جون سنغر سارجنت وجيمس مكنيل وسلر وجون وايت ألكزاندر، كان مؤشراً على تحول قوبل بالترحاب من أسلوب رسم البورتريه المألوف المصطلح على قواعده في الاستوديو. وكان الأشخاص في الصور التي التقطتها عدسة بن يوسف متحررين من الوقفة أو الجلسة المصطنعة وكانت الصور خالية من الأشياء والخلفيات المبتذلة لكثرة استخدامها في الصور الملتقطة للأشخاص في العصر الفكتوري. وإذ رفضت بن يوسف استخدام أشجار النخيل المغروسة في الأواني الخزفية وغيرها من الخلفيات المألوفة، ركزت اهتمامها على تجربة استخدام الإضاءة والظل بطرق مبتكرة لإنتاج بورتريهات لافتة للاهتمام وغائرة في أعماق نفس الشخص الظاهر في الصورة.

وقال غوديير إنه لم يكن يعرف شيئاً عن بن يوسف إلى أن عثر هو وزميل له مصادفة في أحد الأيام من العام 2003 على صورتين بعدستها. وأضاف أن الصورة "الأولى كانت لدانيل تشستر فرنش، وهو نحات مهم عاش في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وصنع تمثال إبراهام لنكولن الضخم لنصب لنكولن التذكاري" في واشنطن. واستطرد قائلاً إن "الصورة الثانية كانت بورتريه إيفرت شين، الذي كان فناناً شاباً ينتمي إلى ما يعرف بمدرسة آشان في أوائل القرن العشرين. وقد لفتت الصورتان اهتمامي لأنني اعتبرتهما جميلتين ولأنني لم أكن قد سمعت مطلقاً قبل ذلك بالمصورة. ومنذ ذلك الحين، استحوذت هذه المرأة على اهتمامي وأردت معرفة المزيد" عن حياتها ومسيرتها الفنية.

وأوضح غوديير أنه لا يعرف الكثير عن تفاصيل حياة بن يوسف، وإن كان من المعروف أنها "كانت نشطة جداً في عرض صورها ونشرها في المجلات خلال الأعوام العشرة التي أمضتها كمصورة بورتريه يقصدها أبناء الطبقة الاجتماعية العليا، من العام 1897 حتى العام 1907." وقد نشرت مقالات بقلم بن يوسف وصور بعدستها في مجلات دورية مثل ذا ساترداي إيفننغ بوست ولاديز هوم جورنال، وفازت بمنصب كان يتمنى الحصول عليه الكثيرون هو منصب الناطق الرسمي باسم شركة إيستمان كوداك.

صورة أكبر
الصورة التي التقطتها زايدة بن يوسف للناقد الفني ساكاديشي هارتمان في العام 1899 تظهر حساً فنياً حديثا
الصورة التي التقطتها زايدة بن يوسف للناقد الفني ساكاديشي هارتمان في العام 1899 تظهر حساً فنياً حديثا.

وقد جمعت زايدة بن يوسف، كمصورة محترفة، بين عين الفنانة وغريزة سيدة الأعمال، ولا شك في أنها أدركت ما لتصويرها الأثرياء والمشاهير من أهمية دعائية. وهكذا ابتكرت ما أطلقت عليه اسم "صالة الأميركيين اللامعين،" التي كانت تضم الصور التي التقطتها للممثلة إلسي ليزلي (1899)، التي تذكّر وقفتها الأنيقة في الصورة بلوحات البورتريه التي أبدعتها ريشة سارجنت؛ وتيودور روزفلت، الذي التقطت صورته في العام 1899 عندما كان حاكماً لنيويورك قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، والرئيس الأميركي السابق غروفر كليفلاند (1901)، الذي يبدو وكأنه غير شاعر بوجود الكاميرا، والفنان والمربي وليام ميريت تشايز (1905)، الذي تتجلى في صورته الثقة بالنفس الأرستقراطية، والكاتبة إيدث وارتون (حوالى العام 1901)، التي تجسد صورتها توقاً كئيباً حالما، والناقد الفني الياباني-الألماني ساداكيشي هارتمان (1899)، في صورة جانبية دراماتيكية، بالإضافة إلى شخصيات كثيرة أخرى.

* الانتشال من النسيان

هناك اتفاق واسع في أوساط البحاثة على أن زايدة بن يوسف لعبت دوراً مهماً في تشكيل التصوير كأسلوب للتعبير الفني، مما يثير التساؤلات حول سبب اختفائها حتى أصبحت مغمورة تماماً بعد أن كانت قد تمتعت بعقد من النجاح الباهر. ويعتقد غوديير أن سبب ذلك ربما كان التمييز ضد المرأة.

فقد قال: "ظل التاريخ المروي عن كيفية النهوض بالتصوير إلى مستوى الفن الجميل مقتصراً في معظمه على القصص المتعلقة برواية دور المصورين الرجال من أمثال ألفرد ستيغلتز، الذي وثقت مراحل حياته المهنية بشكل جيد. ولكننا بدأنا نكتشف أن النساء لعبن هن أيضاً دوراً في هذه الحركة."

ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الولايات المتحدة كانت تمر في أواخر القرن التاسع عشر بمرحلة انتقالية، أخذت تتحول فيها من مجتمع ريفي زراعي في معظمه إلى مجتمع حضري صناعي. ورافقت هذا التحول المزلزل مجموعة من الأفكار التقدمية، اجتماعياً وسياسياً وفنيا، انطلقت من مدينة نيويورك التي شكلت محوراً عالمياً اجتذب المبتدعين في العلوم والصحافة والأدب والسياسة والفنون المرئية والإدائية.

وقد عنى التغير الاجتماعي الكاسح ازدياد محاربة الأفكار التقليدية والأدوار التقليدية للجنسين وبدأت القيود التي كانت مفروضة على الخيارات المهنية المفتوحة أمام المرأة بالانهيار. ونتيجة لذلك، حظي حقل التصوير الفوتوغرافي الحديث نسبياً بالقبول كميدان عمل محترم للمرأة، واغتنمت القادمة الجديدة الموهوبة، بن يوسف، الفرصة المتاحة لها.

ولكن غوديير يرى أن "حياتها المهنية كانت قصيرة لأنه كان عليها، كامرأة  غير متزوجة، أن تعيل نفسها، وكانت الفرص المهنية المتاحة للنساء في تلك الفترة محدودة،" حتى في حاضرة رائدة مثل نيويورك. وأوضح أنها "كانت تعمل أغلب الأحيان بناء على تكليف (من طرف آخر). وكانت أعمالها تقابل بالاستحسان كما أنها كانت تتفانى في مهنتها، إلا أنه من المؤكد تقريباً أنها كانت تشعر بأن وسط التصوير الفوتوغرافي الذي يهيمن عليه الرجال كان يستخف بها."

كما أشار إلى نقطة أخرى هي أنها "لم تورّث أوراقها والقسم الأكبر من أعمالها كمصورة إلى مؤسسة واحدة، مما أدى إلى تبعثر إنجازاتها." وزادت صعوبة جمع مجموعة تشكل عينة ممثلة لصور بن يوسف من التأخر في تحقيق تقييم تاريخي لإنجازاتها.

وقد هجرت زايدة بن يوسف حقل التصوير بعد العمل فيه مدة عشر سنوات ودخلت عالم تصميم الأزياء، الذي كان بيئة أكثر ترحيباً بالمرأة العاملة. وتلاشت بن يوسف عن الأنظار بعد إغلاقها أبواب استوديو التصوير، ولكن المرجح أن مثابرة غوديير في تقصي مجموعة لا يستهان بها من أعمالها، والقرار الذي اتخذته الناشنال بورتريت غاليري في تسليط الضوء على صورها البارعة، سيساعدان في إعادتها إلى المكانة التي تستحقها كفنانة مصورة رائدة.

ويمكن الحصول على مزيد من التفاصيل حول المعرض والفنانة على موقع ناشنال بورتريت غاليري على الشبكة العنكبوتية.

نهاية النص

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي