01 آب/أغسطس 2008

كيف أصبحت حقوق الإنسان قضية دولية

نشوء معايير عالمية لحقوق الإنسان

 

بداية النص

هيرمان غيرنغ (واقفا) في محكمة نورمبيرغ لجرائم الحرب
هيرمان غيرنغ (واقفا) في محكمة نورمبيرغ لجرائم الحرب. (© AP Images)

واشنطن، 1 آب/أغسطس، 2008- في هذه الأيام لا تتردد جميع الدول تقريباً في كل ركن من أركان العالم، مهما كانت درجة نموها وتطورها، في الإعلان عن التزامها بحقوق الإنسان. ولكن الأمر لم يكن دوماً على ما هو عليه اليوم.

فمدى التقدم الذي تحققه دولة ما في مجال حقوق الإنسان، أو انعدام تقدمها فيه، لم يتوطد كموضوع في العلاقات الدولية إلا منذ أقل من نصف قرن. فقد كانت كيفية معاملة حكومة ما لمواطنيها على أرضها تعتبر، قبل الحرب العالمية الثانية، مسألة تتعلق بسيادتها، أي بسلطتها العليا في ما يتعلق بشؤونها الداخلية.

* صدمة المحرقة النازية

قام النازيون بقتل ملايين اليهود الأوروبيين بشكل منظم في المحرقة (الهولوكوست) إبان الحرب العالمية الثانية. وأدى اشمئزاز العالم من هذه الوحشية إلى تغير فكري استثنائي. ودخلت حقوق الإنسان التيار السائد  في العلاقات الدولية.

وقد حاسبت محاكمات نورمبيرغ لجرائم الحرب كبار النازيين في عام 1945 على ما اقترفوه من أفعال، وأوجدت فكرة "الجرائم ضد الإنسانية." وكانت تلك أول مرة يعتبر فيها المسؤولون مسؤولين قانونياً أمام المجتمع الدولي على الجرائم التي ارتكبوها بحق مواطنين أفراد. ولكن الأمم المتحدة هي التي كانت في الواقع المكان الذي انبثقت فيه حقوق الإنسان فعلاً كموضوع من مواضيع العلاقات الدولية.

وتحتل حقوق الإنسان مكانة بارزة في شرعة الأمم المتحدة التي تم تبنيها في العام 1945. كما أن الجمعية العامة تبنت في 10 كانون الأول/ديسمبر من العام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأعلنت تلك اللائحة الشاملة للحقوق أن الطريقة التي تعامل بها الدول مواطنيها مسألة تشكل اهتماماً دولياً مشروعاً وتخضع لمعايير دولية.

* تأثير الحرب الباردة

اندلع عقب الحرب العالمية الثانية صراع إيديولوجي حاد بين الدول الشيوعية والدول الرأسمالية. واستمرت هذه "الحرب الباردة" حتى انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991.

ولم تكن هناك سوى حفنة ضئيلة من الدول المستعدة للموافقة على مراقبة متعددة الأطراف لممارسات حقوق الإنسان، ناهيك بالموافقة على تطبيق أو فرض تطبيق دولي.

وبحلول أواسط الستينات من القرن الماضي، كانت كتلة الدول الأفرو- آسيوية قد أصبحت أكبر مجموعة في الأمم المتحدة. وكان لدى تلك الدول التي عانت الكثير إبان حكم الاستعمار لها اهتمام خاص بحقوق الإنسان. وقد وجدت أذناً صاغية لدى الكتلة السوفياتية ولدى بعض الدول في أوروبا والأميركتين، وبينها الولايات المتحدة. وهكذا بدأت الأمم المتحدة تعالج قضية حقوق الإنسان مجددا.

وكان أهم ما أدى إليه ذلك استكمال مواثيق حقوق الإنسان الدولية في كانون الأول/ديسمبر 1966. وتوفر تلك الوثائق، إلى جانب الإعلان العالمي، بياناً رسمياً موثوقاً بحقوق الإنسان المعترف بها دوليا.

ورغم أنه كان قد تم إيضاح المبادئ الجوهرية لمعايير حقوق الإنسان بحلول أواسط الستينات، إلا أن تطبيق تلك المعايير ظل متروكاً تماماً تقريباً رهن مشيئة كل حكومة.

وعندما أصبح جيمي كارتر رئيساً للولايات المتحدة في العام 1977، جعل موضوع حقوق الإنسان العالمية أولوية للسياسة الخارجية الأميركية. وقد حاول كارتر فصل حقوق الإنسان الدولية عن سياسة الحرب الباردة بين الشرق والغرب وعن خلافات ونزاعات الشمال-الجنوب بين الدول الصناعية والدول غير الصناعية حول مسائل اقتصادية. ومنح ذلك زخماً جديداً وشرعية إضافية لمناصري حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

* عملية هلسنكي

شهدت أواسط السبعينات من القرن الماضي أيضاً ضم حقوق الإنسان إلى المواضيع السائدة في السياسة الخارجية الثنائية ومتعددة الأطراف.  وأدخلت اتفاقية هلسنكي للعام 1975 حقوق الإنسان صراحة في صلب المواضيع السائدة  في مجال العلاقات الأميركية-السوفياتية. (أنظر اتفاقية هلسنكي للعام 1975، باللغة الإنجليزية).

وكان مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا قد بدأ في أوائل السبعينات كسلسلة من المباحثات التي شاركت فيها الولايات المتحدة وكندا والاتحاد السوفياتي، وجميع الدول الأوروبية تقريبا. وركزت تلك المباحثات على حل القضايا القائمة بين الشرق الشيوعي والغرب الديمقراطي. وقد عرف قرار المؤتمر النهائي، الذي تم التوصل إليه في العام 1975 في هلسنكي، بفنلندا، ووقعته 35 دولة، باتفاقية هلسنكي. وأشارت الاتفاقية إلى 10 مبادئ محددة، بينها احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية كحرية الفكر والضمير والدين والعقيدة.

ومع انتهاء الحرب الباردة أخذ مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا على عاتقه دوراً أكبر من السابق، وأدار التغير التاريخي الذي كانت أوروبا تشهده. وتغير اسمه من مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وهذه المنظمة هي الآن أضخم منظمة إقليمية أمنية في العالم إذ تضم 56 دولة من أوروبا وآسيا الوسطى وأميركا الشمالية. ولإعلان كوبنهاغن ومبادئ باريس اللذين أصدرتهما منظمة التعاون والأمن في أوروبا تأثير هائل كمعيار يقيس التأدية في مجال حقوق الإنسان.

أما داخل الأمم المتحدة، فقد صاغت لجنة حقوق الإنسان التي أعيد تنشيطها اتفاقيات جديدة في مجالات حقوق المرأة (1979) والتعذيب (1984) وحقوق الطفل (1989). وتم تعيين خبراء لدراسة انتهاكات حقوق الإنسان في عدد متزايد من الدول ورفع التقارير حولها.

كما برزت في السبعينات من القرن الماضي أيضاً المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان كقوة سياسية دولية. وقد كانت تلك المنظمات مهمة في التأثير على السياسات القومية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أهميتها في الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

* بيئة ما بعد الحرب الباردة

تعززت الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز حقوق الإنسان عقب انتهاء الحرب الباردة. فعلى سبيل المثال، أدى استحداث منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى زيادة الرصد العالمي.

ورغم أنه ما زالت هناك أنظمة (كوبا وبورما وكوريا الشمالية مثلا) تقوم بصورة منتظمة بانتهاك حقوق الإنسان المعترف بها دولياً إلا أن هناك، رغم ذلك، استعداداً جديداً داخل المجتمع الدولي لمعالجة مسألة الانتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان.

فعلى سبيل المثال، عندما انزلقت الصومال إلى عهد سياسة أمراء الحرب تدخلت قوات عسكرية متعددة الجنسية لإنقاذ آلاف المدنيين من الموت جوعا. وفي البوسنة، ساعد المجتمع الدولي على إنهاء حرب أهلية دموية زهقت أرواح 200 ألف نسمة وشردت مليوني نسمة عبر "التطهير العرقي" المنظم.

أنظر أيضاً "بزوغ وتطور حقوق الإنسان في الولايات المتحدة."

نهاية النص

(تصدر نشرة واشنطن عن مكتب برامج الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية الأميركية، وعنوانه على شبكة الويب: http://usinfo.state.gov/ar/ )* اشترك بنشرة واشنطن العربية لتصلك يومياً على عنوان بريدك الإلكتروني، عند حوالى الساعة الخامسة بتوقيت غرينيتش. للاشتراك، إضغط على العنوان التالي، http://usinfo.state.gov/ar/Home/products/washfile/arabic_subscribe.html واتبع الارشادات.

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي