19 حزيران/يونيو 2008

معرض يسلط الضوء على روابط من المحبة والضغينة بين مكتب التحقيقات الفدرالي والصحافة

هيئات الحكومة الأميركية تقيم علاقات تتسم بالتعاون والنفور مع أجهزة الإعلام

 

من ستيفن كوفمان

المحرر في موقع أميركا دوت غوف

بداية النص

واشنطن،– خلال تاريخه الطويل، بنى مكتب التحقيقات الفدرالي روابط اتسمت بالتعاون والنفور معا، مع أجهزة الإعلام، مستخدما مجموعة من التكتيكات مثل التسريب الإنتقائي والمتعمد للبيانات، والثأر ضد وسائل إعلام تقوم بتغطية سلبية لنشاطاته، وذلك مع تطور هذه الهيئة من مكتب حديث العهد مكلف بمكافحة الجريمة الى فرع الحكومة الأميركية الرئيسي للتقصيات والتحقيقات.

ويلقي معرض "رجال الحكومة والصحفيون" او G-Men and Journalists  المقام في متحف "نيوزيوم" الإخباري بواشنطن نظرة ثاقبة على العلاقة المتسمة بالتعقيد بين هيئات الحكومة الأميركية والصحافة. وما كان يدفع لهذ الاعتماد المتبادل بين الجانبين حاجة الحكومة للترويج لنشاطاتها لدى الجمهور وحاجة الصحافة كي تقدم لقرائها معلومات موضوعية وشيّقة. لكن انعدام الثقة المتبادل بين الجانبين الذي ولّدته أهداف متعارضة مهد لشراكة كان يكتنفها دائما قدر كبير من التوتر.

وقالت نائبة مدير متحف نيوزيوم سوزان بينيت لموقع أميركا دوت غوف في هذا السياق: "لقد حصل تطور في الروابط بين أجهزة الإعلام ومكتب التحقيقات. وكانت هذه العلاقة تتسّم طورا بالتعاون وطورا بالتجاذب بصورة استثنائية."

وقد أشرف أول مدير لمكتب التحقيقات الفدرالي، ج. إدغار هوفر، على شؤون هذا المكتب على مدى فترة 48 عاما حاسمة وذلك مع إتسّاع مهمات المكتب من محاربة الجريمة المنظمة في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي الى مكافحة التجسّس خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، والقيام بنشاطات التنصّت المثيرة للجدل ضد زعماء الحقوق المدنية والمناهضين للحرب خلال عقدي الستينات والسبعينات.

وعن المدير الأسبق للمكتب قالت بينيت: "هوفر كان سيّد المناورة والتلاعب مع الصحافة. وكان يستسيغ تسريب روايات مؤاتية لمكتب التحقيقات وهذا ساعد يقينا في تلميع صورة مكتب التحقيقات كمجموعة لمكافحة الجريمة في أولى أيامه. كما أنه درج على الإقتصاص من وجوه إعلامية ممن كانوا يكتبون روايات لم ترق له."

وبدأت قائمة مكتب التحقيقات لأكثر عشرة أشخاص مطلوبين للعدالة كعملية تقص إعلامي في 1949 حينما سأل مراسل وكالة الأخبار الدولية جيمس دونوفان  ناطقا باسم المكتب: "من هم  الأشخاص العشرة الأعنف الذين تبحثون عنهم؟" وأثبت المقال الذي نشر في الصفحة الأولى ليومية واشنطن ديلي نيوز انه الأكثر شعبية بحيث ان المكتب صار يعمّم بصورة منتظمة هذه القائمة للمساعدة في القبض عن الهاربين من وجه العدالة.

لكن مراسلي الصحف الذين وجهوا نقدا لهوفر ومكتبه وصفوا من قبل هوفر بـ"ابن آوى"، وتقول بينيت ان نعت هوفر بالذات للمراسلين بهذا اللقب "كان من نتائجه ان هؤلاء المراسلين لم يمنحوا صلاحية إجراء مقابلات، وفي بعض الحالات كانوا عرضة لتقصيات. وجرى اعتراض بريدهم ووضع وسائل تنصت في هواتفهم."

ويبرز معرض نيوزيوم حالة وليام بيتشر مراسل نيويورك تايمز الذي كتب مقالات عن حملات القصف الأميركية لكمبوديا في عهد الرئيس الأسبق نيكسون في مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي، والتي جرى التكتّم عنها وقتئذ. وقد قدم بيتشر لمتحف نيوزيوم نص مذكّرة وقعها وزير العدل آنذاك جون ميتشيل في 1970 أجازت إجراء عملية تنصت.

وعرضت باتي رول إحدى المحرّرات المسؤولات عن المعرض، على موقع أميركا دوت غوف رسالة الكترونية من بيتشر، قال فيها: "لغرض التنصت على منزلي وهواتف مكتبي تعيّن على مكتب التحقيقات وللمرة الأولى التنصت على كامل هواتف اللوحة المركزية لمكتب صحيفة نيويورك تايمز في واشنطن. وكانت هذه الطريقة الوحيدة للتنصت على مكالماتي الهاتفية. وكانت تلك خطوة جريئة، أوعز بها هوفر وصادق عليها ميتشيل."

اما زعماء الحقوق المدينة من أمثال مارتن لوثر كينغ ومناهضي حرب فيتنام مثل جون لينون فقد كانوا هدفا لنشاطات الاستطلاع المحلية لمكتب التحقيقات. الا أن تكتيكات هوفر هذه "فترت" بعد أن أشاع الصحفيون هذه التحقيقات -- استنادا لبينيت.

المعضلات الأخلاقية للصحافة الحرّة المسؤولة

والى جانب تعميم قائمة مكتب التحقيقات لأكثر عشرة أشخاص مطلوبين للعدالة اكتشفت أجهزة الإعلام ومكتب التحقيقات طرقا أخرى للتعاون ضد الجريمة. ويبرز معرض متحف نيوزيوم خطف وقتل نجل الطيار المشهور تشارلز ليندبيرغ في 1932 وكيف ان الإعلانات المبوبة في الصحافة استخدمت لتبادل رسائل بين الخاطفين والأجهزة الأمنية.

وفي الولايات المتحدة ما زالت وسائل الإعلام تتعامل مع المعضلة الأخلاقية لنقل رسائل من مجرمين وقتلة حتى لو أدى تعميم مثل هذه المعلومات  الى القبض عليهم.

ففي 1995 أرسل تيد كازينسكي الذي اشتهر بحملته من تفجير قنابل ضد الجامعات وشركات الطيران وغيرها من أهداف طوال 20 عاما، رسالة الى يومية نيويورك تايمز متعهدا بـ"الكفّ عن الإرهاب" اذا نشرت الصحيفة بيانه الدعائي ضد التكنولوجيا العصرية.

وطلب مكتب التحقيقات من كبريات الصحف الأميركية الموافقة على هذا الطلب أملا في أن يقود نشر البيان الى تحديد هوية القاتل.

وتقول بينيت عن ذلك: "لقد ولّد ذلك الطلب جدلا مستفيضا في أوساط الصحف حول ما اذا كان ذلك الشيء الصائب لعمله -- اي الرضوخ لمطالب مفجر أخرق." وفي نهاية المطاف استجابت الصحف لهذا الطلب ما أدى الى القبض على كازينسكي لأن شقيقه تعرف على بعض التعابير في البيان واتصل بالسلطات، ما أفضى الى اعتقال المجرم."

لكن في نفس الوقت فان الكثير من وسائل الإعلام يتردّد في تعميم بيانات لوجوه إرهابية مثل أسامة بن لادن او عرض أفلام فيديو تصوّر قطع رؤوس رهائن مختطفيهم. وتضيف بينيت قائلة: "هذه مسألة أخلاقية حقيقية بالنسبة للإعلام، في هذا البلد ودوليا." وتتساءل: "في أية مرحلة يجب على الإعلام ان يتوقف عن إحاطة الجمهور بأمور او معطيات تمتلكها لأنها غير لائقة او لانها تتجاوز الخطوط الإرشادية للحساسيات؟ وفي حالات كتلك يجب على وسائل الإعلام  والأجهزة الأمنية، ان تلجأ الى الاجتهاد."

للمزيد راجع مقال: متحف واشنطن الإخباري "نيوزيوم" يدفع عجلة التدفق الحر للمعلومات على موقع أميركا دوت غوف

نهاية النص

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي