الاقتصاد والتجارة | تحقيق النمو عبر أسواق مفتوحة

08 آب/أغسطس 2008

مشروع تجاري للحم الحلال يحقق النجاح في نيويورك

أصبح لدى المحل الذي تسلمه الابن من والده المؤسس مزيد من الزبائن غير المسلمين

 
قرر عمران (الى اليسار) أن يجرب إدارة المشروع التجاري الذي بدأه والده رياض الدين، إلا أنه سرعان ما أحبه والتزم به
قرر عمران (الى اليسار) أن يجرب إدارة المشروع التجاري الذي بدأه والده رياض الدين، إلا أنه سرعان ما أحبه والتزم به.

من برتون بولاغ، المراسل الخاص لموقع أميركا دوت غوف

بداية النص

نيويورك، 8 آب/أغسطس، 2008-يشاهد المرء في الأيام السابقة للأعياد الإسلامية منظراً غير مألوف في حي أوزون بارك البعيد عن وسط مدينة نيويورك، ذلك أنه يشاهد صفاً طويلاً من الناس المنتظرين قرب حظيرة بين بنايتين توجد فيها عدة مئات من الماعز والخراف.

ويختار الزبائن، الواحد بعد الآخر، الحيوان الذي يريدونه فيتم وزنه ثم ذبحه على الطريقة الإسلامية.

وهذه الحظيرة هي مدني حلال، المشروع التجاري العائلي الناجح الذي أسسه في عام 1996 مهاجر من بنغلادش وتسلمه في عام 2003 ابنه المولود في أميركا. وقد بدأ المشروع يتوسع، وهو على وشك إضافة قسم خاص ببيع الدواجن بالجملة بعد استثمار مليوني دولار فيه، أما سبب هذا النجاح فيعود، جزئياً، إلى الزيادة المطردة في عدد المهاجرين في الولايات المتحدة.

وما زال رياض الدين، 73 سنة، يعيش في أميركا منذ وصوله إلى بوسطن في عام 1956. وقد عمل لدى وصوله كغاسل أطباق (صحون) ثم كطباخ في مطعم يقدم الطعام المباح في الشريعة اليهودية. وما لبث أن تزوج من سيدة كاثوليكية من بورتوريكو وافتتح حانتين في نيويورك. وكانت هذه قصة نجاح أميركي كلاسيكية، ولكنه لم يكن سعيداً بها.

وفي عام 1992، اضطر رياض الدين  للخضوع لجراحة قلب مفتوح، وقاده ذلك الاضطرار إلى إعادة تقييم حياته. وإذ شعر في أحد الأيام بيأس عاطفي توجه بسيارته إلى رصيف بحري من أرصفة نيويورك الممتدة في البحر. وقال مستعيداً  ذلك الحادث: " نظرت إلى الماء وتساءلت، "ما الذي أفعله بحياتي؟"

وتذكر آنذاك شاعر بنغلادشي قال إن أوان التغيير لا يفوت أبدا. فما كان منه إلا أن أقلع عن التدخين الذي كان يدمنه بكثرة وعن عادة الرهان في سباق الخيل. واقترحت عليه كبرى بناته، وهي أستاذة للدراسات الإسلامية في جامعة أميركية، أن يستعمل الخبرة التي اكتسبها من العمل في المطعم الذي يقدم الطعام المعد حسب التعاليم اليهودية ويفتتح مشروعاً لبيع اللحم الحلال.

وبدأ مشروع مدني حلال يستقبل الزبائن في عام 1996 في هذا الحي الزاخر بمحلات تصليح السيارات والمعامل الصغيرة في منطقة أوزون بارك في كوينز، أحد أقسام مدينة نيويورك الإدارية الخمسة. وقد شهد العقد الماضي، انتقال العائلات الإيطالية والإيرلندية واليهودية من المنازل العائلية القريبة التي حل فيها محلهم المهاجرون من آسيا وإفريقيا ودول منطقة البحر الكاريبي. وما لبث أن افتُتح مركز إسلامي ذو واجهة خضراء قرب محل رياض الدين.

ويسمع المرء داخل محل مدني حلال أصوات الدجاج والبط والحمام والسلوى والدجاج الحبشي (الغرغرة) والتدرج التي لا ينقطع عن إصدارها 25 نوعاً من الطيور الداجنة الموضوعة في أقفاصها لتلبية رغبات المهاجرين من دول كثيرة مختلفة. ويتم شراء معظم الدواجن من مزرعة في ولاية بنسلفانيا يديرها الآمش. أما الماعز والخراف فيتم شراؤها من مزرعة تربى فيها طليقة في المراعي في تكساس.

عمران الدين أثناء العمل في ملحمة مدني حلال
عمران الدين أثناء العمل في ملحمة مدني حلال.

الجيل التالي

قرر ضياء الدين قبل عدة أعوام، وكان عمره عندها قد أصبح يقارب السبعين، أنه لم يعد بمقدوره مواصلة إدارة المشروع وحده لفترة طويلة وبدأ يفكر ببيعه. وكان ابنه الوحيد، عمران، يعمل في شركة إعلانات ماكان-إريكسون في شراء المساحات والوقت في وسائل الإعلام لبث ونشر الإعلانات، ولكنه كان يشعر بعدم رضى متزايد في تلك الوظيفة. وقال متذكرا عمله في تلك الشركة: "كان الذهاب إلى الحفلات ممتعاً، وجنيت الكثير من المال. ولكنها كانت مهنة "بلاستيكية" على حد تعبيره.

ورغم أن الابن لم يكن مهتماً بشكل خاص بثقافة والده البنغلادشية أو دين الإسلام الذي يدين به، إلا أنه قرر أن يجرب إدارة المشروع التجاري. وسرعان ما وجد نفسه راضياً جداً عن ذلك العمل. وقال عمران الدين لموقع أميركا دوت غوف: "إنها تجارة بالطبع." ولكن طبيعة هذه التجارة الدينية تشعره بأنها أكثر من مجرد وظيفة. وقال حول ذلك: "لقد شاهدت أهمية المشروع بالنسبة للجالية؛ وكيف تعتمد عليه."

وأردف: "لقد جعلني أكثر اهتماماً بثقافتي وبديني."

وقد وصل إلى المحل في صباح أحد الأيام مهاجر من دبي لشراء معزاة سيقدمها في حفل الاحتفال بزفاف ابنته. وقال هذا الرجل، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، إنه قصد هذا المحل بالذات لأن عمران يبدو مسلماً ورعا. وقال: "لقد رأيته في المسجد." وأضاف أن اللحم طازج، و"يتم الذبح والتقطيع أمامي على الطريقة الإسلامية."

وقد قام عمران الدين بتحديث المحل، فأدخل استعمال الكمبيوتر لعمليات الجرد ولكتابة الفواتير ولإنشاء موقع على الشبكة العنكبوتية. ومع ذلك، يقوم في الكثير من الأحيان بذبح الحيوانات الأكبر حجماً بنفسه. وقال إنه بدأ يفعل ذلك في بداية الأمر للتغلب على شكوك الزبائن القدامى الذين كانوا يشكون بالتزامه المحافظة على طريقة الذبح الحلال.

وقد توسع المشروع وأصبح يوظف الآن 13 شخصاً. والغريب هو أن ثلثي المبيعات يشتريها أشخاص غير مسلمين. فالكثير من المهاجرين غير المسلمين من دول العالم الثالث معتادون على الذهاب إلى دكان اللحام حيث يستطيعون مشاهدة الحيوانات قبل ذبحها، وهم يقصدون لذلك دكان مدني حلال لشراء اللحوم. وبين الآونة والأخرى، يقصد الدكان أتباع طائفة يهودية محافظة لشراء اللحم. وقال عمران الدين: "إن التعاليم اليهودية والإسلامية (المتعلقة بالطعام) متشابهة جدا. وهم يثقون بنا."

والحقيقة هي أن قطاع بيع اللحم الحلال ازدهر فجأة في مختلف أنحاء أميركا. وقال محمد شودري، رئيس مجلس الطعام والمواد الغذائية الإسلامي الأميركي، وهو واحد من ست منظمات تصدق رسمياً على المواد الغذائية الحلال ، إنه لم يكن هناك في نيويورك سوى لحام واحد أو اثنين يمارسان الذبح، بعض الوقت، على الطريقة الإسلامية في نيويورك. وأضاف أنه أصبح هناك الآن أكثر من 100 مكان تتخصص ببيع اللحم الحلال طوال الوقت في المنطقة.

وقد اشترى عمران الدين، في الفترة التي انقضت على تسلمه المحل من والده قبل خمس سنوات، مبنى مجاوراً بمليون دولار واستثمر مليون دولار آخر في الآلات والمعدات الجديدة لذبح وتوضيب الدواجن الحلال. وهو يتوقع توظيف 8 موظفين آخرين لتولي العمل فيه.

وأعرب رياض الدين عن رضاه بالقول إنه يستطيع الآن التقاعد بسرور. وأردف: "إن ابني سيواصل مسيرة حلمي."

نهاية النص

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي