التنوع | توفير حيز لنمو الجميع

06 كانون الثاني/يناير 2009

ركاب على طريق الحرية: بدايات كفاح السود من أجل حقوقهم المدنية

ناشطون مسالمون يتحدون الفصل العنصري ويتخذون مقاعد لهم في مقدمة الحافلات

 

واشنطن،- المقال التالي مقتطف من كتاب "وأخيرا أصبحت حرا: حركة الحقوق المدنية الأميركية،" الصادر عن مكتب برامج الإعلام الخارجي التابع لوزارة الخارجية الأميركية.

بداية النص

إلتحق بعض زعماء اعتصام ناشفيل من الشباب بلجنة التنسيق الطلابية السلمية، التي ساهمت في العام 1961 في انطلاقة مبادرة "ركاب على طريق الحرية". وكان المحامون السود بزعامة ثورغود مارشال التابعون لحركة الحقوق المدنية الأميركية قد حصلوا على قرار في العام 1946 من المحكمة العليا يحظر التمييز في السفر على الحافلات التي تقل الركاب بين الولايات. (يجدر هنا التنويه أنه بموجب نظام الحكم الفدرالي، يكون من السهل بالنسبة للحكومة القومية تنظيم التجارة التي تعبر حدود الولايات). فقد وسعت المحكمة في قرراها الصادر في العام 1960 الذي بتت فيه في قضية بوينتون ضد ولاية فرجينيا حكمها ليشمل محطات الحافلات والمرافق الأخرى المرتبطة بالسفر عبر الولايات. ولكن امتلاك الحق في شيء ما وممارسته هما أمران مختلفان تماما.

فقد كان من المفهوم على نطاق واسع أن أي أميركي من أصل إفريقي يمارس حقه الدستوري في الجلوس في مقدمة الحافلات التي تنقل الركاب عبر الولايات أو يستخدم المرافق المخصصة للبيض فقط في محطات الحافلات في الولايات الجنوبية يجابه برد عنيف للغاية. ومن خلال فهمهم لهذه الحقيقة، قامت مجموعة مختلطة تضم 13 عضوا، بمن فيهم المدير القومي لمنظمة كور جيمس فارمر، الذي غادر واشنطن في حافلة. وكان فارمر ورفاقه يعتزمون التوقف في عدة محطات في طريقهم إلى نيو أورلينز. وقال إنه "إذا ما ألقي القبض علينا، فسنقبل بذلك الاعتقال. وإذا ما تعرضنا لأعمال عنف، فسنكون على استعداد لتقبل ذلك العنف دون الرد عليه بالمثل."

وكان فارمر محقا في حدسه حين توقع أنه ورفاقه سوف يتعرضون للعنف. ولعل أسوأ حادثة عنف وقعت كانت بالقرب من مدينة أنيستون بولاية ألاباما. وعند مغادرة أتلانتا، انقسم ركاب الحرية إلى مجموعتين، إحداهما تستقل حافلة تابعة لشركة غراي هاوند، والأخرى تستقل حافلة تابعة لشركة تريلويز. وعند وصول الحافلة التابعة لشركة غراي هاوند إلى مدينة أنيستون، كان الناس، على غير المعتاد، يصطفون على أرصفة الشوارع. وسرعان ما اتضح السبب؛ إذ إنه عندما وصلت الحافلة إلى موقف الحافلات في المحطة، هاجمها حشد كبير من الغوغاء وذلك باستخدام الحجارة والقبضات الحديدية لتحطيم بعض نوافذ الحافلة. وقام شرطيان كلفا بالتجسس على الركاب بإغلاق باب الحافلة ومنعا أعضاء منظمة عنصرية سرية تدعى عصابة كو كلاكس كلان من دخول الحافلة.

وحين وصلت في نهاية المطاف قوة من عناصر الشرطة المحلية، كان أفرادها يلاطفون الحشد من الغوغاء ولم يعتقلوا أحدا منهم ولم يتخذوا أي إجراء سوى مرافقة الحافلة إلى مشارف المدينة. وواصل الغوغاء، الذين صار عددهم حسب بعض التقديرات نحو 200 شخص، ملاحقتهم للحافلة في سيارات وشاحنات. وعلى بعد حوالي 10 كيلومترات من مدينة أنيستون اضطرت الحافلة إلى التوقف بسبب العجلات الفارغة من الهواء. وحاولت مجموعة من الرجال البيض ركوب الحافلة، ورمى أحدهم قنبلة حارقة عبر نافذة الحافلة. ويروي المؤرخ ريموند أرسينولت في كتابه عن ركاب الحرية قائلا: "إن ركاب الحرية لم يكن محتما عليهم الهلاك إلى أن أقنع انفجار خزان الوقود الغوغاء على أن الحافلة بكاملها على وشك أن تنفجر." وما هي إلا دقائق حتى دمرت النيران الملتهبة الحافلة، وتعرض ركاب الحرية، كما ذكرت حينها وكالة الأسوشيتد بريس للأنباء، إلى ضرب مبرح وتلطخوا بالدماء التي أريقت منهم بفعل الضرب الذي تعرضوا له على يد الغوغاء. أما المجموعة الثانية من ركاب الحرية فقد تقاسموا الحافلة التي كانوا يستقلونها مع بعض عناصر المنظمة العنصرية السرية الذين استقلوا الحافلة في مدينة أتلانتا. وحين رفض الركاب السود أن يخلوا المقاعد الأمامية ويجلسوا في المقاعد الخلفية وجه لهم عناصر العصابة العنصرية السرية بعد ذلك ضربا مبرحا. كما تعرض ركاب الحرية من البيض ومنهم المربي البالغ من العمر 61 عاما والتر بيرغمان بشكل خاص لاعتداء وحشي. وقد تمسك جميع المشاركين بما تعلموه حول نظرية غاندي السلمية؛ حيث لم يقاوم أحد منهم. وعندما وصلت الحافلة إلى مدينة برمنغهام في نهاية الأمر، لم يزدد الأمر إلا سوءا. وقد روى معلق الأخبار من شبكة سي بي إس التلفزيونية هاوارد كي سميث شهادة أدلى بها شاهد عيان وقال فيها: “عندما وصلت الحافلة إلى المدينة، أمسك بعض الغوغاء القساة بتلابيب الركاب في الأزقة والممرات وأخذوا يضربونهم بالأنابيب وبحلقات المفاتيح، وبالقبضات الحديدية." وتردد ركاب الحرية برهة داخل محطة الحافلات، التي يتم فيه الفصل بين السود والأبيض، ثم دخلوا إلى حجرة الانتظار المخصصة للبيض فقط. وتعرضوا أيضا  لضرب مبرح، فقد بعضهم وعيه جراء ذلك، في حين لم يحرك رئيس شرطة برمنغهام يوجين "بول" كونر ساكنا ورفض كبح جماح عناصر العصابة العنصرية السرية ومؤيديهم.

ورغم كل ذلك فقد عقد ركاب الحرية العزم على مواصلة المسيرة. وفي واشنطن، طلب وزير العدل الأميركي روبرت. كينيدي من حاكم ولاية ألاباما جون باترسون ضمان سلامة الركاب أثناء مرورهم من ولايته. ولكن باترسون رفض الاستجابة لطلب كينيدي قائلا: "إن مواطني الولاية غاضبون جدا بحيث أنني لا أستطيع ضمان توفير الحماية لهذه الحفنة من الرعاع.

أما في في ناشفيل، فقد خشيت ديان ناش مما يحث من عواقب سياسية. وقالت فيما بعد "إنه إذا ما توقفت مسيرة الحرية بسبب العنف، فإنها كانت تشعر أن مستقبل الحركة يوشك أن يتوقف  قبل الأوان وذلك سوف يولد انطباعا قويا بأنه كلما بدأت حركة ما، فإن كلما يجب القيام به لإيقافها هو الهجوم عليها بعنف شديد وعندها سيتوقف السود عند حدهم." ثم انطلق مجهود جديد بتعزيزات من لجنة التنسيق الطلابية السلمية والناشطين الآخرين من السود والبيض الذين يكملون مسيرة ركاب الحرية الأصليين."

ففي 20 أيار/مايو، استقلت مجموعة من ركاب الحرية حافلة تابعة لشركة غرايهاوند من برمنغهام إلى مونتغومري، بولاية ألاباما. وأفادت وكالة أنباء أسوشيتد برس أن حشدا من الغوغاء قدر بنحو 1000 استقبل الحافلة "فور" وصولها إلى المحطة. وكان ضمن الجرحى نائب وزير العدل الأميركي جون سايغنثالر. وما كان من وزير العدل روبرت كينيدي إلا أن بادر بإرسال 400 فرد إلى مدينة مونتغومري من عناصر الشرطة الفدرالية لفرض النظام، في الوقت الذي وعد فيه كونغرس المساواة العرقية بمواصلة مسيرة الحرية، وتوجه إلى مدينة جاكسون بولاية ميسيسيبي، ومن ثم إلى نيو إورليانز. وأبلغ جيمس فارمر صحيفة النيويورك تايمز "أن العديد من التلاميذ وقفوا على أهبة الاستعداد في المدن الأخرى للعمل كمتطوعين إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ وإن قرابة 450 أميركا تقدموا خطوة إلى الأمام، وركبوا الحافلات، واكتظت بهم السجون، حين رفض فارمر ورفاقه الآخرون دفع الغرامات التي فرضت عليهم بسبب "خرقهم للسلم الأهلي"، ولاسيما في مدينة جاكسون.

وفي 29 أيار/مايو، أمر وزير العدل الأميركي روبرت كينيدي اللجنة المعنية بالتجارة بين الولايات باعتماد لوائح صارمة لفرض تكامل وسائل النقل والمواصلات المشتركة بين الولايات.

وقد مهد النصر الذي تحقق لركاب الحرية الطريق أمام الحملات التي تلت ذلك من أجل الحقوق المدنية. وهذه ليست المرة الأولى التي تجبر فيها الصحافة الحرة الأميركيين، خلال هذه السنوات الحرجة، على ألقاء نظرة فاحصة على واقع القمع العنصري؛ حيث أن عصابة من الغوغاء في برمنغهام قد أوسعت مصورا في صحيفة محلية يدعى تومي لانغستون ضربا مبرحا وهشموا آلة التصوير الخاصة به. ولكنهم نسوا أو تغافلوا عن إزالة الفيلم من آلة التصوير، وبعد ذلك نشرت الصحيفة لاحقا صورة لفتى أسود من المتفرجين تعرض لضرب وحشي مبرح على يد الغوغاء. وكلما زادت علميات الاعتقالات كلما جذب ذلك المزيد من انتباه وسائل الإعلام ومزيدا من التغطية الإعلامية.

وقد برز زعماء دين من البيض بين أولئك الذين أثنوا على شجاعة وبسالة ركاب الحرية وأقروا بعدالة قضيتهم. وطالب القس بيلي غراهام بمحاكمة المعتدين، وأعلن أنه "من المؤسف أن يعامل بعض الناس في أي مجتمع كان على اعتبار أنهم مواطنون من الدرجة الثانية." وشجب الحاخام برنار بامبيرغر العنف والتفرقة العنصرية من قبل البيض ووصفها بأنها تتنافى تماما مع القانون والأخلاق. وانتقد البيض الذين يحثون الناشطين في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية على التمهل في نشاطهم. ويكتب ريموند أرسينولت قائلا "إن العالم لا يخلو من الخيرين والصالحين وخير مثال على ذلك تلك الفتاة البالغة من العمر 12 عاما التي أخذت تقدم الماء للضحايا الذي أصيبوا بالاختناق من جراء الدخان القادم من الحافلة التي كانت تلتهمها النيران؛ حيث عاودت تملأ خمسة غالونات من الماء رغم سيل الشتائم والإهانات والعبارات البذيئة التي كان يكيلها عليها أفراد المنظمة العنصرية السرية كوكلاكس كلان.

نهاية النص

احفظ ضمن مفضلاتك عبر:     المفضل؟ كيف أختار مقالي